أنشئ حسابًا أو سجّل الدخول للانضمام إلى مجتمعك المهني.
يعتبر موضوع الطبيعة القانونية للشخص المعنوي ومسؤوليته الجنائية من المشكلات القانونية التي ثار الجدل حولها وتشعبت الآراء بشأنها في الفقه والتشريع والقضاء على السواء وذلك طوال العصور التاريخية المتعاقبة. ففي القانون الروماني يتقاسم الفقه في هذا الصدد مذهبان، حيث يذهب فريق إلى القول بأن هذا القانون قد عرف الشخصية المعنوية وأقر مسؤوليتها، وفي هذا الصدد يؤكد الباحثون أنه كانت هناك نصوص واضحة في هذا الشأن ويوردون من اعمال أنه لأجل مساءلة الشخص المعنوي جنائيا فلابد أن يكون الفعل محل المساءلة صادرا عن غالبية الأعضاء،أما الفعل الذي يرتكبه المديرون فلم يكن يسأل عنه الشخص المعنوي عدا حالات استثنائية تعتبر من قبيل المسؤولية عن فعل الغير.
من المتفق عليه فقها(بفتح اللام) وقضاء(بفتح الهمزة) أن الأشخاص المعنوية تسأل مدنيا عن أفعالها التي تسبب ضررا للغير،لكن المسؤولية الجنائية لهذه الأشخاص هي التي أثارت خلافا كبيرا في الفقه,, حيث ظهر اتجاهان: الأول يرى بعدم إمكان مساءلة هذه الأشخاص جنائيا وهذا هو الاتجاه التقليدي، أما الاتجاه الآخر فيرى ضرورة إقرار هذه المسؤولية وهذا هو الاتجاه الحديث،يذهب الرأي الغالب في فقه الحديث إلى القول بوجوب مساءلة الشخص المعنوي جنائيا إلى جانب الشخص الطبيعي، الذي ارتكب الجريمة أثناء ممارسته عمله لدى الشخص المعنوي، وسند الفقه الحديث في ذلك، أن جوهر المسؤولية في الحالتين هو الإرادة، وأن الشخص المعنوي يمكنه أن يرتكب الركن المادي لكثير من الجرائم، كالنصب، خيانة الأمانة، التزوير، التهرب الضريبي، والجرائم ضد البيئة، بالإضافة إلى حقيقة الإرادة الجماعية التي تتجسد بالاجتماعات، المداولات والتصويت في مجلس الإدارة، الأمر الذي يعني أنه يتصور أن يتوفر الركن المعنوي للجريمة لديه، بالإضافة إلى تطبيق معظم العقوبات عليه، كالغرامة، المصادرة، الحل، حرمانه من مزاولة نشاط معين،أو نشر الحكم الصادر بالإدانة وهذه العقوبة من شأنها المساس بسمعته .
كما سبق أن أوضحنا أن الاتجاه الحديث في التشريع المقارن يعترف بمبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ، مما يعني أن هذه المسؤولية قد تجاوزت مرحلة الجدل الفقهي حول مدى ملاءمة الأخذ بها من عدمه،إلا أن نطاق تطبيقها يقتضي منا معرفة الأشخاص المعنوية التي تسأل جنائيا ,,و العقوبات التي تقع عليها
المطلب الأول: المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية إن مساءلة الأشخاص المعنوية عن الجرائم التي تقترفها يقتضي منا معرفة شروط قيام هذه المسؤولية ومدى اختلافها من تشريع لأخر في مواجهة الأشخاص المعنوية؟إن الإجابة عن هذه الإشكالية يقتضي منا معرفة أنواع الأشخاص المعنوية ومدى مسؤوليتها جنائيا ( الفقرة الأولى) والجرائم التي تسأل عنها الأشخاص المعنوية( الفقرة الثانية). الفقرة الأولى:شروط قيام المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية من المقرر أن الأشخاص المعنوية عموما تنقسم إلى نوعين: أشخاص معنوية عامة تخضع للقانون العام، وأشخاص معنوية خاصة تخضع للقانون الخاص. كما أنه لم يقع خلاف بشأن مساءلة الأشخاص المعنوية الخاصة جنائيا، لكن التشريعات اختلفت بشأن إخضاع الأشخاص المعنوية العامة للمسؤولية الجنائية. فما مدى جواز ونطاق المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة؟ إن تحديد مسؤولية الشخص المعنوي جنائيا بوجه عام، يقتضي منا معرفة القواعد القانونية المتعلقة بتلك المسؤولية في مواجهة الأشخاص المعنوية الخاصة (أولا) ثم نبين نطاق المسؤولية الجنائيةللأشخاص المعنوية العامة (ثانيا). أولا: الأشخاص المعنوية الخاصة من المسلم به في التشريعات التي أقرت مساءلة الشخص المعنوي جنائيا، أن جميع الأشخاص المعنوية الخاصة تخضع للمسؤولية الجنائية، أيا كان الشكل الذي تتخذه، وأيا كان الغرض من إنشائها، أي سواء كانت تهدف إلى الحصول على الربح، كالشركات التجارية والمدنية، أو لا تسعى إلى تحقيق ربح مادي كالجمعيات والأحزاب السياسية.إل أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو مدى خضوع التجمعات التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية للمسؤولية الجنائية؟ تقتضي الإجابة عن هذا السؤال التمييز بين ثلاثة اتجاهات في التشريع المقارن بالنسبة لهذا الموضوع: الاتجاه الأول: هو مذهب القانون الإنجليزي ومؤداه أن هذه التجمعات تسأل جنائيا عن بعض الجرائم المنصوص عليها في القانون المكتوب. الاتجاه الثاني:وهو مذهب قانون العقوبات الهولندي وهو يعترف بالمسؤولية الجنائية لهذه التجمعات. الاتجاه الثالث: وهو السائد في القانون الفرنسي،وهو يقر بالمسؤولية الجنائية على التجمعات التي تتمتع بالشخصية المعنوية. وإذا وقعت جريمة في نطاق أعمال جماعة لا تتمتع بالشخصية المعنوية، فيسأل عنها فقط الشخص الطبيعي الذي ارتكبهاثانيا: الأشخاص المعنوية العامة: تنقسم الأشخاص المعنوية العامة إلى نوعين: أشخاص عامة إقليمية كالدولة والجماعات المحلية والمدن والقرى. وأشخاص عامة مرفقيه كالهيئات والمؤسسات العامة. والسؤال المطروح في هذا الخصوص، هل من الملائم إقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة؟ وللإجابة عن هذا السؤال لابد من معرفة الخلاف التشريعي حول مدى جواز مساءلة الأشخاص المعنوية العامة جنائيا؟ ونطاق هذه المسؤولية في القانون الفرنسي لكونه وضع تنظيما مفصلا لأحكامها؟ تلكم هي بعض التساؤلات التي سوف نحاول الإجابة عنها كالتالي: لقد نصت بعض التشريعات صراحة على عدم جواز مساءلة الأشخاص المعنوية العامة جنائيا ومنها التشريع العراقي . بينما تعترف تشريعات أخرى بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، كما هو الحال في القانون الإنجليزي حيث لوحظ أن التطور القضائي بشأن إقرار هذا المبدأ في بداية القرن التاسع عشر، قد بدأ بإدانة بعض البلديات وهي أشخاص معنوية عامة. وفي فرنسا، أقر المشرع المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، باستثناء الدولة (المادة121-2 ) ويرى غالب الفقه أن هذا الاستبعاد يقوم على أساس أن الدولة هي صاحبة العقاب،مما يجعل من غير المتصور أن توقع العقوبة على نفسها، ،كما أقر إخضاع جميع الأشخاص المعنوية العامة الأخرى للمسؤولية الجنائية، كالمؤسسات العامة،والتجمعات ذات النفع العام،وغيرها إلا أن الملاحظ أنها لا تطبق عليها عقوبة الحل،و الوضع تحت الرقابة القضائية. إن الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، لاسيما عند قيامها بأنشطة تجارية أو مالية أو صناعية أو غيرها مما تمارسه أشخاص القانون الخاص،لا يتعارض مع مبدأ ضرورة استمرارية المرفق العام ، فضلا عن أنه أمر يتطلبه مبدأ المساواة أمام القانون، ويحقق فعالية العقاب،وبالتالي يكفل الحفاظ على مصلحة المجتمع. الفقرة الثانية:الجرائم التي تسأل عنها الأشخاص المعنوية إن الشخص المعنوي بحكم طبيعته لا يمكن أن يرتكب الجريمة بنفسه، وإنما يتصرف عن طريق شخص طبيعي يعبر عن إرادته( أولا) أو تكون الجريمة قد وقعت لحسابه (ثانيا). أولا: ارتكاب الجريمة من شخص طبيعي يعبر عن إرادة الشخص المعنوي: إن إسناد الفعل الجرمي للشخص المعنوي وفق هذا المبدأ يقتضي معرفة الشخص الطبيعي الذي ارتكاب الجريمة،وما إذا كان يملك التصرف باسم الشخص المعنوي، وبالتالي تعتبر الأفعال الصادرة عنه بمثابة أفعال الشخص المعنوي ذاته أم لا؟ فحسب القانون الإنجليزي، أنه يوجد لكل شخص معنوي، شخص طبيعي معين أو عدة أشخاص يتولون إدارته،والأفعال التي تقع من هؤلاء الأشخاص الطبيعيين والتي تدخل في نطاق أعمال وظيفتهم، تعتبر في نفس الوقت بمثابة أفعال الشخص المعنوي ذاته، وبالتالي يسأل عنها جنائيا مسؤولية شخصية،إذا كانت تشكل جريمة. وكذلك الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي على أن قيام هذه المسؤولية لا يحول دون معاقبة الشخص الطبيعي عن ذات الجريمة[15]. ارتتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي: يجب لقيام المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، أن تكون الجريمة قد وقعت لحسابه، أي ارتكبت بهدف تحقيق مصلحة له،كتحقيق ربح أو تجنب إلحاق ضرر به، ويستوي أن تكون هذه المصلحة مادية أو معنوية، مباشرة أو غير مباشرة،محققة أو احتمالية. والنتيجة المنطقية التي تترتب على هذا الشرط هي أنه لا يجوز أن يسأل الشخص المعنوي عن الجريمة التي يرتكبها أحد أجهزته أو ممثليه،لحسابه الشخصي،بهدف تحقيق مصلحته الشخصية، أو بقصد الإضرار بالشخص المعنوي.
كقاعده عامه ان الجريمه فعل خاطئ وفي الغالبيه الاعم انه خطا ضدد الاخلاق لدي الجامعه التي سنت القانون يرتكب ضد مصلحه المجتمع عموما ويمكن ملاحظه ذلك عندما تدون عناوين المحاكم الجنائيه منها وهذا ما يفرق وبفصل بين القضايا الجنائيه وتلك المدنيه التي تدخل ف نطاق قضايا المسؤليه التقصيريه علي اساس ان الدعوى بين الاطراف ذو علاقه خاصه مدنيه اما الاتهام الجنائي يقوم وينار باسم الجميع .. فقضايا المسؤليه التقصيريه ترفع من اجل الحصول علي تعويض للضحيه اما الاتهام الجنائي فيسعي علي انزال العقاب علي مرتكب الجريمه
المبحث الأول : أساس المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي من المتفق عليه فقها(بفتح اللام) وقضاء(بفتح الهمزة) أن الأشخاص المعنوية تسأل مدنيا عن أفعالها التي تسبب ضررا للغير[7]،لكن المسؤولية الجنائية لهذه الأشخاص هي التي أثارت خلافا كبيرا في الفقه[8]، حيث ظهر اتجاهان: الأول يرى بعدم إمكان مساءلة هذه الأشخاص جنائيا وهذا هو الاتجاه التقليدي، أما الاتجاه الآخر فيرى ضرورة إقرار هذه المسؤولية وهذا هو الاتجاه الحديث، وسوف نعرض للحجج التي استند إليها كل من هذين الاتجاهين في (المطلب الأول) . كما أن التشريعات الجنائية من حيث موقفها من المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية انقسمت إلى فئتين: فئة تقر بهذه المسؤولية وهي الاتجاه الحديث، أما الفئة الأخرى فقد تمسكت بالمذهب التقليدي الذي ينفي المسؤولية الجنائية عن الأشخاص المعنوية، وهذا ما سوف نناقشه في (المطلب الثاني). المطلب الأول: موقف الفقه من المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي إن موضوع المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي أثار خلافا كبيرا بين فقهاء القانون، حيث يرى اتجاه بعدم إمكان مساءلة الشخص المعنوي جنائيا وهو ما يعرف بالاتجاه التقليدي (الفقرة الأولى)، و اتجاه آخر يرى ضرورة إقرار هذه المسؤولية وهذا هو الاتجاه الحديث (الفقرة الثانية). الفقرة الأولى:عدم إمكان مساءلة الشخص المعنوي جنائيا يرفض أنصار هذا الرأي مساءلة الشخص المعنوي جنائيا عن الجرائم التي ترتكب باسمه ولحسابه، من قبل ممثليه أثناء قيامهم بأعماله. ويقرون بمساءلة وعقاب الممثل القانوني للشخص المعنوي عن الجريمة التي اقترفها، وسندهم في ذلك أن الشخص المعنوي هو مجرد افتراض قانوني، لا يتصور أن يرتكب الركن المادي للجريمة، ولا يتوفر على الركن المعنوي للجريمة، وهي إحدى الركائز والمبادئ الراسخة في قانون العقوبات الحديث. كما أن توقيع العقوبة على الشخص المعنوي سيجعلها تصيب الأشخاص الطبيعيين المكونين له دون تفرقة بين من اتجهت إرادته إلى ارتكاب الجريمة، ومن لم يردها، وهذا يتنافى مع مبدأ شخصية العقوبة، الذي يقضي بأنه لا يسأل جنائيا إلا الشخص الذي ارتكب الجريمة أو ساهم في ارتكابها. كما أن أغلب العقوبات غير قابلة للتطبيق على الشخص المعنوي وبالخصوص عقوبة الإعدام، والعقوبات السالبة للحرية. وعلى الرغم من ذلك فإنه يسلم بجواز اتخاذ التدابير الاحترازية ، كالمصادرة، والحل، ووقف النشاط، والوضع تحت الحراسة أو الرقابة، في مواجهة الشخص المعنوي الذي يثبت أنه يشكل خطورة على المجتمع. الفقرة الثانية: ضرورة إقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي يذهب الرأي الغالب في فقه الحديث إلى القول بوجوب مساءلة الشخص المعنوي جنائيا إلى جانب الشخص الطبيعي، الذي ارتكب الجريمة أثناء ممارسته عمله لدى الشخص المعنوي، وسند الفقه الحديث في ذلك، أن جوهر المسؤولية في الحالتين هو الإرادة، وأن الشخص المعنوي يمكنه أن يرتكب الركن المادي لكثير من الجرائم، كالنصب، خيانة الأمانة، التزوير، التهرب الضريبي، والجرائم ضد البيئة، بالإضافة إلى حقيقة الإرادة الجماعية التي تتجسد بالاجتماعات، المداولات والتصويت في مجلس الإدارة، الأمر الذي يعني أنه يتصور أن يتوفر الركن المعنوي للجريمة لديه، بالإضافة إلى تطبيق معظم العقوبات عليه، كالغرامة، المصادرة، الحل، حرمانه من مزاولة نشاط معين،أو نشر الحكم الصادر بالإدانة وهذه العقوبة من شأنها المساس بسمعته[9]. المطلب الثاني:موقف التشريع المغربي والمقارن من مبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي انقسمت التشريعات الحديثة من حيث موقفها من المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي إلى مجموعتين: الأولى تقر هذه المسؤولية وبالتالي تأخذ بالاتجاه الحديث (الفقرة الأولى)، والمجموعة الأخرى تتمسك بالمذهب التقليدي الذي ينفي المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي( الفقرة الثانية). الفقرة الأولى: التشريعات التي تقر المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية رغم أن العديد من التشريعات الجنائية قد أخذت بمبدأ معاقبة هذا الشخص، إلا أنها اختلفت من حيث نطاق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، ومن بين هذه التشريعات، القانون الإنجليزي، القانون الفرنسي. أولا: القانون الإنجليزي: يعتبر هذا القانون من أقدم التشريعات التي أقرت بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، والأخذ بهذا المبدأ يعتبر في الأصل من صنع القضاء، وأهم الاعتبارات التي دفعته لذلك يتمثل في أن الثورة الصناعية أدت إلى انتشار العديد من الأشخاص المعنوية الضخمة، مع تزايد عدد الجرائم المرتكبة من هذه الأشخاص، حيث أقر بمساءلة الأشخاص المعنوية جنائيا في بادئ الأمر عن جرائم الامتناع، فوسع من نطاق هذا الاستثناء وأقر بمساءلته عن جرائم السلوك الإيجابي، كجريمة الإزعاج العام. وقد ميز الفقه بين صورتين للمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية: الصورة الأولى: تتعلق بالمسؤولية المادية بدون خطأ وهي التي يكفي لقيامها مجرد تحقق الركن المادي، دون تطلب الركن المعنوي، ومن بين هذه الجرائم في القانون العام والتي أقرها القضاء الإنجليزي، هي جرائم الإزعاج العام، الأعمال الماسة بالراحة والصحة العامة، وتعريض الأمن العام للخطر، وبالنسبة للجرائم التنظيمية هناك جرائم التلوث،جرائم مخالفة لوائح المرور ولوائح بيع المشروبات الكحولية. الصورة الثانية:وهي المسؤولية الجنائية المبنية على الخطأ الشخصي التي تتطلب توافر الركن المعنوي لدى الجاني،وهي تقوم على أساس نظرية التشخيص أو التطابق التي تفيد أن الشخص الطبيعي الذي يتصرف لحساب الشركة فإرادته هي إرادة الشركة وأفعاله هي أفعالها، فهو يجسد الشركة فإذا توافرت لديه الإرادة الآثمة فإن هذا الإثم يكون إثم الشركة ذاتها، إلا أن جانبا من الفقه يرى بعدم جواز مساءلة الشخص المعنوي،إذا كان الشخص الطبيعي قد تصرف في حدود وظيفته لكن بقصد إلحاق ضرر بالشخص المعنوي، كما أن قيام مسؤولية الشخص المعنوي لا تحول دون معاقبة الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة[10]. ثانيا: القانون الفرنسي:لقد كان القانون الفرنسي القديم السابق على الثورة يأخذ بمبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، وعندما صدر قانون العقوبات لسنة1810 لم يتضمن أي نص بشأن المسؤولية للشخص المعنوي، الأمر الذي دفع الفقه إلى القول بأن المشرع يرفض تلك المسؤولية كقاعدة عامة، علي أن محكمة النقض خرجت عن هذا المقتضى وألزمت الشخص المعنوي بدفع الغرامات المحكوم بها على تابعيه، أو ممثليه في الجرائم المادية التي تقوم على توافر الركن المادي دون الركن المعنوي لدى الجاني. وقد أقر قانون العقوبات الفرنسي الجديد الصادر سنة1992 والمعمول به منذ أوائل مارس سنة1994، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية عن الجرائم التي ترتكب لحسابها بواسطة أجهزتها أو ممثليها، على أنه لا تستبعد معاقبة الأشخاص الطبيعيين الفاعلين أو الشركاء عن نفس الأفعال. ثالثا: القانون المغربي:لقد استقر قضاء المجلس الأعلى قبل صدور القانون الجنائي الحالي على رفع المسؤولية الجنائية عن الشخص المعنوي، وأكده في قرار له تحت عدد659 صادر بتاريخ2 يونيو1960، وبصدور القانون الجنائي سنة1962 أقر المشرع مبدأ مساءلة الشخص المعنوي جنائيا في الفصل127 من هذا القانون الذي أثار مواقف متباينة بين الفقهاء انقسمت إلى اتجاهين: الاتجاه الأول: يؤكد أن مسؤولية الشخص المعنوي جاءت على سبيل الاستثناء فقط. والاتجاه الثاني: يرى أن المشرع المغربي وضع قاعدة عامة لمساءلة الشخص المعنوي، دون تحديد قواعد هذه المسؤولية ولا شروطها، بالإضافة إلى أنه لم يحدد أنواع الأشخاص المعنوية التي يمكن مساءلتها جنائيا، بالإضافة إلى الحكم على الأشخاص المعنوية بالعقوبات الأصلية كالغرامة، والتدابير الوقائية العينية، كإغلاق المؤسسة،المصادرة، الحل، ونشر الحكم،وقد أشار الفقيه أحمد الخمليشي إلى أنه في حالة ارتكاب الشخص المعنوي لجناية فإنه يقدم إلى المحكمة الجنائية التي تصدر الحكم عليه بالعقوبات الواردة في (المادة127 ) أي لا يجوز لها الحكم بأية عقوبة غير منصوص عليها في هذه المادة[11]. كما أشار المشرع المغربي في القانون رقم22-01 المتعلقبالمسطرة الجنائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم255-02-1 بتاريخ3 أكتوبر2002[12] في بابه السادس المتعلق بأحكام خاصة ببطائق الأشخاص المعنوية من (المادة678)إلى (المادة686)،الهدف منها جمع المعلومات المتعلقة بالعقوبات أو التدابير الصادرة في حق الأشخاص المعنوية، أو في حق الأشخاص الذاتيين المسيرين لها. الفقرة الثانية: التشريعات التي لا تأخذ بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية تأخذ بعض التشريعات بالمذهب التقليدي الذي يرفض الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، كالقانون الألماني، والقانون الإيطالي، أولا: القانون الألماني: لا يعترف المشرع الألماني بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية،وإذا ارتكبت جريمة في نطاق أعمال الشخص المعنوي، فيسأل عنها الشخص الطبيعي الذي تصرف كممثل له، والمسؤولية هنا شخصية. وتمشيا مع سياسة الحد من التجريم،أنشأ المشرع الألماني سنة1975 مجموعة من الجرائم الإدارية ومسؤولية الشخص المعنوي في حال ارتكابها لا تعتبر مسؤولية جنائية، بل لها طابع إداري رغم أن الجزاء المفروض هو الغرامة. ثانيا: القانون الإيطالي: من المقرر في القانون الإيطالي أن الشخص المعنوي لا يسأل جنائيا، ولكن يمكن مساءلته مدنيا فقط، ويمكن اعتباره مسؤولا بالتضامن عن دفع الغرامة المفروضة على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة لمصلحته، وذلك عندما يكون المحكوم عليه معسرا. أما بالنسبة للجرائم الجنائية الإدارية المنصوص عليها في القانون الصادر سنة1981، فيرى الفقه أنه لا يوجد ما يمنع من مساءلة الأشخاص المعنوية عنها بحكم أن النصوص التي أشارت إلى مسؤولية الشخص المعنوي لم تقررها كمسؤولية مباشرة أو مستقلة، وإنما جعلتها مسؤولية تضامنية عندما ترتكب المخالفة من ممثل هذا الشخص أو أحد العاملين لديه أثناء تأدية عمله. وهناك بعض القوانين الخاصة التي صدرت في السنوات الأخيرة وأقرت صراحة المسؤولية الإدارية الجنائية للأشخاص المعنوية. ويتجه القضاء الإيطالي منذ السبعينات إلى الاعتراف بهذه المسؤولية، على أن يتحملها الشخص المعنوي مباشرة، كما هو الحال بالنسبة للتهرب الضريبي[13]. المبحث الثاني: نطاق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي كما سبق أن أوضحنا أن الاتجاه الحديث في التشريع المقارن يعترف بمبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ، مما يعني أن هذه المسؤولية قد تجاوزت مرحلة الجدل الفقهي حول مدى ملاءمة الأخذ بها من عدمه،إلا أن نطاق تطبيقها يقتضي منا معرفة الأشخاص المعنوية التي تسأل جنائيا (المطلب الأول) و العقوبات التي تقع عليها( المطلب الثاني). المطلب الأول: المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية إن مساءلة الأشخاص المعنوية عن الجرائم التي تقترفها يقتضي منا معرفة شروط قيام هذه المسؤولية ومدى اختلافها من تشريع لأخر في مواجهة الأشخاص المعنوية؟إن الإجابة عن هذه الإشكالية يقتضي منا معرفة أنواع الأشخاص المعنوية ومدى مسؤوليتها جنائيا ( الفقرة الأولى) والجرائم التي تسأل عنها الأشخاص المعنوية( الفقرة الثانية). الفقرة الأولى:شروط قيام المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية من المقرر أن الأشخاص المعنوية عموما تنقسم إلى نوعين: أشخاص معنوية عامة تخضع للقانون العام، وأشخاص معنوية خاصة تخضع للقانون الخاص. كما أنه لم يقع خلاف بشأن مساءلة الأشخاص المعنوية الخاصة جنائيا، لكن التشريعات اختلفت بشأن إخضاع الأشخاص المعنوية العامة للمسؤولية الجنائية. فما مدى جواز ونطاق المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة؟ إن تحديد مسؤولية الشخص المعنوي جنائيا بوجه عام، يقتضي منا معرفة القواعد القانونية المتعلقة بتلك المسؤولية في مواجهة الأشخاص المعنوية الخاصة (أولا) ثم نبين نطاق المسؤولية الجنائيةللأشخاص المعنوية العامة (ثانيا). أولا: الأشخاص المعنوية الخاصة من المسلم به في التشريعات التي أقرت مساءلة الشخص المعنوي جنائيا، أن جميع الأشخاص المعنوية الخاصة تخضع للمسؤولية الجنائية، أيا كان الشكل الذي تتخذه، وأيا كان الغرض من إنشائها، أي سواء كانت تهدف إلى الحصول على الربح، كالشركات التجارية والمدنية، أو لا تسعى إلى تحقيق ربح مادي كالجمعيات والأحزاب السياسية.إل أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو مدى خضوع التجمعات التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية للمسؤولية الجنائية؟ تقتضي الإجابة عن هذا السؤال التمييز بين ثلاثة اتجاهات في التشريع المقارن بالنسبة لهذا الموضوع: الاتجاه الأول: هو مذهب القانون الإنجليزي ومؤداه أن هذه التجمعات تسأل جنائيا عن بعض الجرائم المنصوص عليها في القانون المكتوب. الاتجاه الثاني:وهو مذهب قانون العقوبات الهولندي وهو يعترف بالمسؤولية الجنائية لهذه التجمعات. الاتجاه الثالث: وهو السائد في القانون الفرنسي،وهو يقر بالمسؤولية الجنائية على التجمعات التي تتمتع بالشخصية المعنوية. وإذا وقعت جريمة في نطاق أعمال جماعة لا تتمتع بالشخصية المعنوية، فيسأل عنها فقط الشخص الطبيعي الذي ارتكبها[14]. ثانيا: الأشخاص المعنوية العامة: تنقسم الأشخاص المعنوية العامة إلى نوعين: أشخاص عامة إقليمية كالدولة والجماعات المحلية والمدن والقرى. وأشخاص عامة مرفقيه كالهيئات والمؤسسات العامة. والسؤال المطروح في هذا الخصوص، هل من الملائم إقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة؟ وللإجابة عن هذا السؤال لابد من معرفة الخلاف التشريعي حول مدى جواز مساءلة الأشخاص المعنوية العامة جنائيا؟ ونطاق هذه المسؤولية في القانون الفرنسي لكونه وضع تنظيما مفصلا لأحكامها؟ تلكم هي بعض التساؤلات التي سوف نحاول الإجابة عنها كالتالي: لقد نصت بعض التشريعات صراحة على عدم جواز مساءلة الأشخاص المعنوية العامة جنائيا ومنها التشريع العراقي . بينما تعترف تشريعات أخرى بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، كما هو الحال في القانون الإنجليزي حيث لوحظ أن التطور القضائي بشأن إقرار هذا المبدأ في بداية القرن التاسع عشر، قد بدأ بإدانة بعض البلديات وهي أشخاص معنوية عامة. وفي فرنسا، أقر المشرع المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، باستثناء الدولة (المادة121-2 ) ويرى غالب الفقه أن هذا الاستبعاد يقوم على أساس أن الدولة هي صاحبة العقاب،مما يجعل من غير المتصور أن توقع العقوبة على نفسها، ،كما أقر إخضاع جميع الأشخاص المعنوية العامة الأخرى للمسؤولية الجنائية، كالمؤسسات العامة،والتجمعات ذات النفع العام،وغيرها إلا أن الملاحظ أنها لا تطبق عليها عقوبة الحل،و الوضع تحت الرقابة القضائية. إن الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، لاسيما عند قيامها بأنشطة تجارية أو مالية أو صناعية أو غيرها مما تمارسه أشخاص القانون الخاص،لا يتعارض مع مبدأ ضرورة استمرارية المرفق العام ، فضلا عن أنه أمر يتطلبه مبدأ المساواة أمام القانون، ويحقق فعالية العقاب،وبالتالي يكفل الحفاظ على مصلحة المجتمع. الفقرة الثانية:الجرائم التي تسأل عنها الأشخاص المعنوية إن الشخص المعنوي بحكم طبيعته لا يمكن أن يرتكب الجريمة بنفسه، وإنما يتصرف عن طريق شخص طبيعي يعبر عن إرادته( أولا) أو تكون الجريمة قد وقعت لحسابه (ثانيا). أولا: ارتكاب الجريمة من شخص طبيعي يعبر عن إرادة الشخص المعنوي: إن إسناد الفعل الجرمي للشخص المعنوي وفق هذا المبدأ يقتضي معرفة الشخص الطبيعي الذي ارتكاب الجريمة،وما إذا كان يملك التصرف باسم الشخص المعنوي، وبالتالي تعتبر الأفعال الصادرة عنه بمثابة أفعال الشخص المعنوي ذاته أم لا؟ فحسب القانون الإنجليزي، أنه يوجد لكل شخص معنوي، شخص طبيعي معين أو عدة أشخاص يتولون إدارته،والأفعال التي تقع من هؤلاء الأشخاص الطبيعيين والتي تدخل في نطاق أعمال وظيفتهم، تعتبر في نفس الوقت بمثابة أفعال الشخص المعنوي ذاته، وبالتالي يسأل عنها جنائيا مسؤولية شخصية،إذا كانت تشكل جريمة. وكذلك الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي على أن قيام هذه المسؤولية لا يحول دون معاقبة الشخص الطبيعي عن ذات الجريمة[15]. ثانيا:ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي: يجب لقيام المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، أن تكون الجريمة قد وقعت لحسابه، أي ارتكبت بهدف تحقيق مصلحة له،كتحقيق ربح أو تجنب إلحاق ضرر به، ويستوي أن تكون هذه المصلحة مادية أو معنوية، مباشرة أو غير مباشرة،محققة أو احتمالية. والنتيجة المنطقية التي تترتب على هذا الشرط هي أنه لا يجوز أن يسأل الشخص المعنوي عن الجريمة التي يرتكبها أحد أجهزته أو ممثليه،لحسابه الشخصي،بهدف تحقيق مصلحته الشخصية، أو بقصد الإضرار بالشخص المعنوي. المطلب الثاني:العقوبات التي تقع على الأشخاص المعنوية تتعدد العقوبات والتدابير التي يمكن أن توقع على الأشخاص المعنوية، ويختلف نطاقها من تشريع لأخر، فكيف عالج المشرع المغربي وباقي التشريعات الأجنبية هذا الموضوع المتعلق بالعقوبات المقررة على الأشخاص المعنوية؟هذا ما سوف نبحثه من خلال تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين: الفقرة الأولى:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المغربي. الفقرة الثانية:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المقارن. الفقرة الأولى:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المغربي. فالقانون الجنائي المغربي ومن خلال الفصل127[16] حدد نوعية العقوبات التي يمكن تطبيقها على الأشخاص المعنوية، وهي عبارة عن عقوبات مالية[17]كالغرامة (الفصل35 من ق ج)[18]، وعقوبات إضافية (الفصل36 من ق ج)[19] وهي: المصادرة الجزئية، حل الشخص المعنوي ونشر الحكم الصادر بالإدانة، أو عبارة عن تدابير وقائية (الفصل62 من ق ج )[20] وهي:مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة، أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها، وإغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة، وطبقا للمادة635 من قانون المسطرة الجنائية[21] فإنه يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حالة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة، وبالرجوع إلى نفس المادة نجده استثنىمن نظام الإكراه البدني بعض الحالاتوالأشخاص الطبيعيين دون ذكر الأشخاص المعنوية على أساس أن هذا الإجراء لا يمكن اتخاذه ضد الشخص المعنوي. كما تطرق المشرع المغربي للمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية في القوانين الزجرية الخاصة،كالقانون رقم13-83 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع، والقانون رقم17-97المتعلق بحماية الملكية الصناعية. الفقرة الثانية: العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المقارن وبالنسبة للتشريعات الأجنبية سوف نتطرق إلى ثلاثة قوانين: وهي القانون الإنجليزي(أولا) و القانون الهولندي(ثانيا) ثم القانون الفرنسي(ثالثا). أولا: القانون الإنجليزي: يلاحظ أن هذا القانون يقصر العقوبات التي توقع على الأشخاص المعنوية، على العقوبات المالية وفي مقدمتها الغرامة، كما يطبق عليها عقوبة الحل. ثانيا: القانون الهولندي:وفي القانون الهولندي، يحكم على الأشخاص المعنوية بالغرامة، المصادرة، نشر الحكم الصادر بالإدانة، وقف النشاط في الجرائم الاقتصادية، الحرمان من بعض الحقوق والمزايا،والوضع تحت الحراسة القضائية. ثالثا: القانون الفرنسي: لقد خصص المشرع الفرنسي مبحثا مستقلا للعقوبات التي توقع على الأشخاص المعنوية، وذلك في المواد من131-37 إلى131-49 من قانون العقوبات. وقد ميز بين عقوبات الجنايات والجنح، وهي: الغرامة،الحل،حظر مزاولة بعض الأنشطة،الوضع تحت الرقابة،غلق المؤسسات، الحرمان من دعوة الجمهور إلى الادخار،الاستبعاد من الأسواق،حضر إصدار شيكات،المصادرة،نشر الحكم. وقد استبعد المشرع الفرنسي، بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة131-39 من قانون العقوبات،بعض الأشخاص المعنوية من تطبيق عقوبة الحل، وهي: الأشخاص المعنوية العامة،الأحزاب والتجمعات السياسية،النقابات المهنية. وترجع علة ذلك إلى اعتبارات دستورية تتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات،والحرص على ضمان استمرارية المرافق العامة،كما أن حل الأحزاب والنقابات ينطوي على المساس بالحريات الأساسية إلا إذا ثبت أنه قد أنشئ بغرض ارتكاب الجرائم
المبحث الأول : أساس المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي من المتفق عليه فقها(بفتح اللام) وقضاء(بفتح الهمزة) أن الأشخاص المعنوية تسأل مدنيا عن أفعالها التي تسبب ضررا للغير[7]،لكن المسؤولية الجنائية لهذه الأشخاص هي التي أثارت خلافا كبيرا في الفقه[8]، حيث ظهر اتجاهان: الأول يرى بعدم إمكان مساءلة هذه الأشخاص جنائيا وهذا هو الاتجاه التقليدي، أما الاتجاه الآخر فيرى ضرورة إقرار هذه المسؤولية وهذا هو الاتجاه الحديث، وسوف نعرض للحجج التي استند إليها كل من هذين الاتجاهين في (المطلب الأول) . كما أن التشريعات الجنائية من حيث موقفها من المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية انقسمت إلى فئتين: فئة تقر بهذه المسؤولية وهي الاتجاه الحديث، أما الفئة الأخرى فقد تمسكت بالمذهب التقليدي الذي ينفي المسؤولية الجنائية عن الأشخاص المعنوية، وهذا ما سوف نناقشه في (المطلب الثاني). المطلب الأول: موقف الفقه من المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي إن موضوع المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي أثار خلافا كبيرا بين فقهاء القانون، حيث يرى اتجاه بعدم إمكان مساءلة الشخص المعنوي جنائيا وهو ما يعرف بالاتجاه التقليدي (الفقرة الأولى)، و اتجاه آخر يرى ضرورة إقرار هذه المسؤولية وهذا هو الاتجاه الحديث (الفقرة الثانية). الفقرة الأولى:عدم إمكان مساءلة الشخص المعنوي جنائيا يرفض أنصار هذا الرأي مساءلة الشخص المعنوي جنائيا عن الجرائم التي ترتكب باسمه ولحسابه، من قبل ممثليه أثناء قيامهم بأعماله. ويقرون بمساءلة وعقاب الممثل القانوني للشخص المعنوي عن الجريمة التي اقترفها، وسندهم في ذلك أن الشخص المعنوي هو مجرد افتراض قانوني، لا يتصور أن يرتكب الركن المادي للجريمة، ولا يتوفر على الركن المعنوي للجريمة، وهي إحدى الركائز والمبادئ الراسخة في قانون العقوبات الحديث. كما أن توقيع العقوبة على الشخص المعنوي سيجعلها تصيب الأشخاص الطبيعيين المكونين له دون تفرقة بين من اتجهت إرادته إلى ارتكاب الجريمة، ومن لم يردها، وهذا يتنافى مع مبدأ شخصية العقوبة، الذي يقضي بأنه لا يسأل جنائيا إلا الشخص الذي ارتكب الجريمة أو ساهم في ارتكابها. كما أن أغلب العقوبات غير قابلة للتطبيق على الشخص المعنوي وبالخصوص عقوبة الإعدام، والعقوبات السالبة للحرية. وعلى الرغم من ذلك فإنه يسلم بجواز اتخاذ التدابير الاحترازية ، كالمصادرة، والحل، ووقف النشاط، والوضع تحت الحراسة أو الرقابة، في مواجهة الشخص المعنوي الذي يثبت أنه يشكل خطورة على المجتمع. الفقرة الثانية: ضرورة إقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي يذهب الرأي الغالب في فقه الحديث إلى القول بوجوب مساءلة الشخص المعنوي جنائيا إلى جانب الشخص الطبيعي، الذي ارتكب الجريمة أثناء ممارسته عمله لدى الشخص المعنوي، وسند الفقه الحديث في ذلك، أن جوهر المسؤولية في الحالتين هو الإرادة، وأن الشخص المعنوي يمكنه أن يرتكب الركن المادي لكثير من الجرائم، كالنصب، خيانة الأمانة، التزوير، التهرب الضريبي، والجرائم ضد البيئة، بالإضافة إلى حقيقة الإرادة الجماعية التي تتجسد بالاجتماعات، المداولات والتصويت في مجلس الإدارة، الأمر الذي يعني أنه يتصور أن يتوفر الركن المعنوي للجريمة لديه، بالإضافة إلى تطبيق معظم العقوبات عليه، كالغرامة، المصادرة، الحل، حرمانه من مزاولة نشاط معين،أو نشر الحكم الصادر بالإدانة وهذه العقوبة من شأنها المساس بسمعته[9]. المطلب الثاني:موقف التشريع المغربي والمقارن من مبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي انقسمت التشريعات الحديثة من حيث موقفها من المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي إلى مجموعتين: الأولى تقر هذه المسؤولية وبالتالي تأخذ بالاتجاه الحديث (الفقرة الأولى)، والمجموعة الأخرى تتمسك بالمذهب التقليدي الذي ينفي المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي( الفقرة الثانية). الفقرة الأولى: التشريعات التي تقر المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية رغم أن العديد من التشريعات الجنائية قد أخذت بمبدأ معاقبة هذا الشخص، إلا أنها اختلفت من حيث نطاق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، ومن بين هذه التشريعات، القانون الإنجليزي، القانون الفرنسي. أولا: القانون الإنجليزي: يعتبر هذا القانون من أقدم التشريعات التي أقرت بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، والأخذ بهذا المبدأ يعتبر في الأصل من صنع القضاء، وأهم الاعتبارات التي دفعته لذلك يتمثل في أن الثورة الصناعية أدت إلى انتشار العديد من الأشخاص المعنوية الضخمة، مع تزايد عدد الجرائم المرتكبة من هذه الأشخاص، حيث أقر بمساءلة الأشخاص المعنوية جنائيا في بادئ الأمر عن جرائم الامتناع، فوسع من نطاق هذا الاستثناء وأقر بمساءلته عن جرائم السلوك الإيجابي، كجريمة الإزعاج العام. وقد ميز الفقه بين صورتين للمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية: الصورة الأولى: تتعلق بالمسؤولية المادية بدون خطأ وهي التي يكفي لقيامها مجرد تحقق الركن المادي، دون تطلب الركن المعنوي، ومن بين هذه الجرائم في القانون العام والتي أقرها القضاء الإنجليزي، هي جرائم الإزعاج العام، الأعمال الماسة بالراحة والصحة العامة، وتعريض الأمن العام للخطر، وبالنسبة للجرائم التنظيمية هناك جرائم التلوث،جرائم مخالفة لوائح المرور ولوائح بيع المشروبات الكحولية. الصورة الثانية:وهي المسؤولية الجنائية المبنية على الخطأ الشخصي التي تتطلب توافر الركن المعنوي لدى الجاني،وهي تقوم على أساس نظرية التشخيص أو التطابق التي تفيد أن الشخص الطبيعي الذي يتصرف لحساب الشركة فإرادته هي إرادة الشركة وأفعاله هي أفعالها، فهو يجسد الشركة فإذا توافرت لديه الإرادة الآثمة فإن هذا الإثم يكون إثم الشركة ذاتها، إلا أن جانبا من الفقه يرى بعدم جواز مساءلة الشخص المعنوي،إذا كان الشخص الطبيعي قد تصرف في حدود وظيفته لكن بقصد إلحاق ضرر بالشخص المعنوي، كما أن قيام مسؤولية الشخص المعنوي لا تحول دون معاقبة الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة[10]. ثانيا: القانون الفرنسي:لقد كان القانون الفرنسي القديم السابق على الثورة يأخذ بمبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، وعندما صدر قانون العقوبات لسنة1810 لم يتضمن أي نص بشأن المسؤولية للشخص المعنوي، الأمر الذي دفع الفقه إلى القول بأن المشرع يرفض تلك المسؤولية كقاعدة عامة، علي أن محكمة النقض خرجت عن هذا المقتضى وألزمت الشخص المعنوي بدفع الغرامات المحكوم بها على تابعيه، أو ممثليه في الجرائم المادية التي تقوم على توافر الركن المادي دون الركن المعنوي لدى الجاني. وقد أقر قانون العقوبات الفرنسي الجديد الصادر سنة1992 والمعمول به منذ أوائل مارس سنة1994، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية عن الجرائم التي ترتكب لحسابها بواسطة أجهزتها أو ممثليها، على أنه لا تستبعد معاقبة الأشخاص الطبيعيين الفاعلين أو الشركاء عن نفس الأفعال. ثالثا: القانون المغربي:لقد استقر قضاء المجلس الأعلى قبل صدور القانون الجنائي الحالي على رفع المسؤولية الجنائية عن الشخص المعنوي، وأكده في قرار له تحت عدد659 صادر بتاريخ2 يونيو1960، وبصدور القانون الجنائي سنة1962 أقر المشرع مبدأ مساءلة الشخص المعنوي جنائيا في الفصل127 من هذا القانون الذي أثار مواقف متباينة بين الفقهاء انقسمت إلى اتجاهين: الاتجاه الأول: يؤكد أن مسؤولية الشخص المعنوي جاءت على سبيل الاستثناء فقط. والاتجاه الثاني: يرى أن المشرع المغربي وضع قاعدة عامة لمساءلة الشخص المعنوي، دون تحديد قواعد هذه المسؤولية ولا شروطها، بالإضافة إلى أنه لم يحدد أنواع الأشخاص المعنوية التي يمكن مساءلتها جنائيا، بالإضافة إلى الحكم على الأشخاص المعنوية بالعقوبات الأصلية كالغرامة، والتدابير الوقائية العينية، كإغلاق المؤسسة،المصادرة، الحل، ونشر الحكم،وقد أشار الفقيه أحمد الخمليشي إلى أنه في حالة ارتكاب الشخص المعنوي لجناية فإنه يقدم إلى المحكمة الجنائية التي تصدر الحكم عليه بالعقوبات الواردة في (المادة127 ) أي لا يجوز لها الحكم بأية عقوبة غير منصوص عليها في هذه المادة[11]. كما أشار المشرع المغربي في القانون رقم22-01 المتعلقبالمسطرة الجنائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم255-02-1 بتاريخ3 أكتوبر2002[12] في بابه السادس المتعلق بأحكام خاصة ببطائق الأشخاص المعنوية من (المادة678)إلى (المادة686)،الهدف منها جمع المعلومات المتعلقة بالعقوبات أو التدابير الصادرة في حق الأشخاص المعنوية، أو في حق الأشخاص الذاتيين المسيرين لها. الفقرة الثانية: التشريعات التي لا تأخذ بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية تأخذ بعض التشريعات بالمذهب التقليدي الذي يرفض الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، كالقانون الألماني، والقانون الإيطالي، أولا: القانون الألماني: لا يعترف المشرع الألماني بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية،وإذا ارتكبت جريمة في نطاق أعمال الشخص المعنوي، فيسأل عنها الشخص الطبيعي الذي تصرف كممثل له، والمسؤولية هنا شخصية. وتمشيا مع سياسة الحد من التجريم،أنشأ المشرع الألماني سنة1975 مجموعة من الجرائم الإدارية ومسؤولية الشخص المعنوي في حال ارتكابها لا تعتبر مسؤولية جنائية، بل لها طابع إداري رغم أن الجزاء المفروض هو الغرامة. ثانيا: القانون الإيطالي: من المقرر في القانون الإيطالي أن الشخص المعنوي لا يسأل جنائيا، ولكن يمكن مساءلته مدنيا فقط، ويمكن اعتباره مسؤولا بالتضامن عن دفع الغرامة المفروضة على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة لمصلحته، وذلك عندما يكون المحكوم عليه معسرا. أما بالنسبة للجرائم الجنائية الإدارية المنصوص عليها في القانون الصادر سنة1981، فيرى الفقه أنه لا يوجد ما يمنع من مساءلة الأشخاص المعنوية عنها بحكم أن النصوص التي أشارت إلى مسؤولية الشخص المعنوي لم تقررها كمسؤولية مباشرة أو مستقلة، وإنما جعلتها مسؤولية تضامنية عندما ترتكب المخالفة من ممثل هذا الشخص أو أحد العاملين لديه أثناء تأدية عمله. وهناك بعض القوانين الخاصة التي صدرت في السنوات الأخيرة وأقرت صراحة المسؤولية الإدارية الجنائية للأشخاص المعنوية. ويتجه القضاء الإيطالي منذ السبعينات إلى الاعتراف بهذه المسؤولية، على أن يتحملها الشخص المعنوي مباشرة، كما هو الحال بالنسبة للتهرب الضريبي[13]. المبحث الثاني: نطاق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي كما سبق أن أوضحنا أن الاتجاه الحديث في التشريع المقارن يعترف بمبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ، مما يعني أن هذه المسؤولية قد تجاوزت مرحلة الجدل الفقهي حول مدى ملاءمة الأخذ بها من عدمه،إلا أن نطاق تطبيقها يقتضي منا معرفة الأشخاص المعنوية التي تسأل جنائيا (المطلب الأول) و العقوبات التي تقع عليها( المطلب الثاني). المطلب الأول: المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية إن مساءلة الأشخاص المعنوية عن الجرائم التي تقترفها يقتضي منا معرفة شروط قيام هذه المسؤولية ومدى اختلافها من تشريع لأخر في مواجهة الأشخاص المعنوية؟إن الإجابة عن هذه الإشكالية يقتضي منا معرفة أنواع الأشخاص المعنوية ومدى مسؤوليتها جنائيا ( الفقرة الأولى) والجرائم التي تسأل عنها الأشخاص المعنوية( الفقرة الثانية). الفقرة الأولى:شروط قيام المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية من المقرر أن الأشخاص المعنوية عموما تنقسم إلى نوعين: أشخاص معنوية عامة تخضع للقانون العام، وأشخاص معنوية خاصة تخضع للقانون الخاص. كما أنه لم يقع خلاف بشأن مساءلة الأشخاص المعنوية الخاصة جنائيا، لكن التشريعات اختلفت بشأن إخضاع الأشخاص المعنوية العامة للمسؤولية الجنائية. فما مدى جواز ونطاق المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة؟ إن تحديد مسؤولية الشخص المعنوي جنائيا بوجه عام، يقتضي منا معرفة القواعد القانونية المتعلقة بتلك المسؤولية في مواجهة الأشخاص المعنوية الخاصة (أولا) ثم نبين نطاق المسؤولية الجنائيةللأشخاص المعنوية العامة (ثانيا). أولا: الأشخاص المعنوية الخاصة من المسلم به في التشريعات التي أقرت مساءلة الشخص المعنوي جنائيا، أن جميع الأشخاص المعنوية الخاصة تخضع للمسؤولية الجنائية، أيا كان الشكل الذي تتخذه، وأيا كان الغرض من إنشائها، أي سواء كانت تهدف إلى الحصول على الربح، كالشركات التجارية والمدنية، أو لا تسعى إلى تحقيق ربح مادي كالجمعيات والأحزاب السياسية.إل أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو مدى خضوع التجمعات التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية للمسؤولية الجنائية؟ تقتضي الإجابة عن هذا السؤال التمييز بين ثلاثة اتجاهات في التشريع المقارن بالنسبة لهذا الموضوع: الاتجاه الأول: هو مذهب القانون الإنجليزي ومؤداه أن هذه التجمعات تسأل جنائيا عن بعض الجرائم المنصوص عليها في القانون المكتوب. الاتجاه الثاني:وهو مذهب قانون العقوبات الهولندي وهو يعترف بالمسؤولية الجنائية لهذه التجمعات. الاتجاه الثالث: وهو السائد في القانون الفرنسي،وهو يقر بالمسؤولية الجنائية على التجمعات التي تتمتع بالشخصية المعنوية. وإذا وقعت جريمة في نطاق أعمال جماعة لا تتمتع بالشخصية المعنوية، فيسأل عنها فقط الشخص الطبيعي الذي ارتكبها[14]. ثانيا: الأشخاص المعنوية العامة: تنقسم الأشخاص المعنوية العامة إلى نوعين: أشخاص عامة إقليمية كالدولة والجماعات المحلية والمدن والقرى. وأشخاص عامة مرفقيه كالهيئات والمؤسسات العامة. والسؤال المطروح في هذا الخصوص، هل من الملائم إقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة؟ وللإجابة عن هذا السؤال لابد من معرفة الخلاف التشريعي حول مدى جواز مساءلة الأشخاص المعنوية العامة جنائيا؟ ونطاق هذه المسؤولية في القانون الفرنسي لكونه وضع تنظيما مفصلا لأحكامها؟ تلكم هي بعض التساؤلات التي سوف نحاول الإجابة عنها كالتالي: لقد نصت بعض التشريعات صراحة على عدم جواز مساءلة الأشخاص المعنوية العامة جنائيا ومنها التشريع العراقي . بينما تعترف تشريعات أخرى بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، كما هو الحال في القانون الإنجليزي حيث لوحظ أن التطور القضائي بشأن إقرار هذا المبدأ في بداية القرن التاسع عشر، قد بدأ بإدانة بعض البلديات وهي أشخاص معنوية عامة. وفي فرنسا، أقر المشرع المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، باستثناء الدولة (المادة121-2 ) ويرى غالب الفقه أن هذا الاستبعاد يقوم على أساس أن الدولة هي صاحبة العقاب،مما يجعل من غير المتصور أن توقع العقوبة على نفسها، ،كما أقر إخضاع جميع الأشخاص المعنوية العامة الأخرى للمسؤولية الجنائية، كالمؤسسات العامة،والتجمعات ذات النفع العام،وغيرها إلا أن الملاحظ أنها لا تطبق عليها عقوبة الحل،و الوضع تحت الرقابة القضائية. إن الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، لاسيما عند قيامها بأنشطة تجارية أو مالية أو صناعية أو غيرها مما تمارسه أشخاص القانون الخاص،لا يتعارض مع مبدأ ضرورة استمرارية المرفق العام ، فضلا عن أنه أمر يتطلبه مبدأ المساواة أمام القانون، ويحقق فعالية العقاب،وبالتالي يكفل الحفاظ على مصلحة المجتمع. الفقرة الثانية:الجرائم التي تسأل عنها الأشخاص المعنوية إن الشخص المعنوي بحكم طبيعته لا يمكن أن يرتكب الجريمة بنفسه، وإنما يتصرف عن طريق شخص طبيعي يعبر عن إرادته( أولا) أو تكون الجريمة قد وقعت لحسابه (ثانيا). أولا: ارتكاب الجريمة من شخص طبيعي يعبر عن إرادة الشخص المعنوي: إن إسناد الفعل الجرمي للشخص المعنوي وفق هذا المبدأ يقتضي معرفة الشخص الطبيعي الذي ارتكاب الجريمة،وما إذا كان يملك التصرف باسم الشخص المعنوي، وبالتالي تعتبر الأفعال الصادرة عنه بمثابة أفعال الشخص المعنوي ذاته أم لا؟ فحسب القانون الإنجليزي، أنه يوجد لكل شخص معنوي، شخص طبيعي معين أو عدة أشخاص يتولون إدارته،والأفعال التي تقع من هؤلاء الأشخاص الطبيعيين والتي تدخل في نطاق أعمال وظيفتهم، تعتبر في نفس الوقت بمثابة أفعال الشخص المعنوي ذاته، وبالتالي يسأل عنها جنائيا مسؤولية شخصية،إذا كانت تشكل جريمة. وكذلك الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي على أن قيام هذه المسؤولية لا يحول دون معاقبة الشخص الطبيعي عن ذات الجريمة[15]. ثانيا:ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي: يجب لقيام المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، أن تكون الجريمة قد وقعت لحسابه، أي ارتكبت بهدف تحقيق مصلحة له،كتحقيق ربح أو تجنب إلحاق ضرر به، ويستوي أن تكون هذه المصلحة مادية أو معنوية، مباشرة أو غير مباشرة،محققة أو احتمالية. والنتيجة المنطقية التي تترتب على هذا الشرط هي أنه لا يجوز أن يسأل الشخص المعنوي عن الجريمة التي يرتكبها أحد أجهزته أو ممثليه،لحسابه الشخصي،بهدف تحقيق مصلحته الشخصية، أو بقصد الإضرار بالشخص المعنوي. المطلب الثاني:العقوبات التي تقع على الأشخاص المعنوية تتعدد العقوبات والتدابير التي يمكن أن توقع على الأشخاص المعنوية، ويختلف نطاقها من تشريع لأخر، فكيف عالج المشرع المغربي وباقي التشريعات الأجنبية هذا الموضوع المتعلق بالعقوبات المقررة على الأشخاص المعنوية؟هذا ما سوف نبحثه من خلال تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين: الفقرة الأولى:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المغربي. الفقرة الثانية:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المقارن. الفقرة الأولى:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المغربي. فالقانون الجنائي المغربي ومن خلال الفصل127[16] حدد نوعية العقوبات التي يمكن تطبيقها على الأشخاص المعنوية، وهي عبارة عن عقوبات مالية[17]كالغرامة (الفصل35 من ق ج)[18]، وعقوبات إضافية (الفصل36 من ق ج)[19] وهي: المصادرة الجزئية، حل الشخص المعنوي ونشر الحكم الصادر بالإدانة، أو عبارة عن تدابير وقائية (الفصل62 من ق ج )[20] وهي:مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة، أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها، وإغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة، وطبقا للمادة635 من قانون المسطرة الجنائية[21] فإنه يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حالة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة، وبالرجوع إلى نفس المادة نجده استثنىمن نظام الإكراه البدني بعض الحالاتوالأشخاص الطبيعيين دون ذكر الأشخاص المعنوية على أساس أن هذا الإجراء لا يمكن اتخاذه ضد الشخص المعنوي. كما تطرق المشرع المغربي للمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية في القوانين الزجرية الخاصة،كالقانون رقم13-83 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع، والقانون رقم17-97المتعلق بحماية الملكية الصناعية. الفقرة الثانية: العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المقارن وبالنسبة للتشريعات الأجنبية سوف نتطرق إلى ثلاثة قوانين: وهي القانون الإنجليزي(أولا) و القانون الهولندي(ثانيا) ثم القانون الفرنسي(ثالثا). أولا: القانون الإنجليزي: يلاحظ أن هذا القانون يقصر العقوبات التي توقع على الأشخاص المعنوية، على العقوبات المالية وفي مقدمتها الغرامة، كما يطبق عليها عقوبة الحل. ثانيا: القانون الهولندي:وفي القانون الهولندي، يحكم على الأشخاص المعنوية بالغرامة، المصادرة، نشر الحكم الصادر بالإدانة، وقف النشاط في الجرائم الاقتصادية، الحرمان من بعض الحقوق والمزايا،والوضع تحت الحراسة القضائية. ثالثا: القانون الفرنسي: لقد خصص المشرع الفرنسي مبحثا مستقلا للعقوبات التي توقع على الأشخاص المعنوية، وذلك في المواد من131-37 إلى131-49 من قانون العقوبات. وقد ميز بين عقوبات الجنايات والجنح، وهي: الغرامة،الحل،حظر مزاولة بعض الأنشطة،الوضع تحت الرقابة،غلق المؤسسات، الحرمان من دعوة الجمهور إلى الادخار،الاستبعاد من الأسواق،حضر إصدار شيكات،المصادرة،نشر الحكم. وقد استبعد المشرع الفرنسي، بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة131-39 من قانون العقوبات،بعض الأشخاص المعنوية من تطبيق عقوبة الحل، وهي: الأشخاص المعنوية العامة،الأحزاب والتجمعات السياسية،النقابات المهنية. وترجع علة ذلك إلى اعتبارات دستورية تتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات،والحرص على ضمان استمرارية المرافق العامة،كما أن حل الأحزاب والنقابات ينطوي على المساس بالحريات الأساسية إلا إذا ثبت أنه قد أنشئ بغرض ارتكاب الجرائم[22]
المبحث الأول : أساس المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي من المتفق عليه فقها(بفتح اللام) وقضاء(بفتح الهمزة) أن الأشخاص المعنوية تسأل مدنيا عن أفعالها التي تسبب ضررا للغير[7]،لكن المسؤولية الجنائية لهذه الأشخاص هي التي أثارت خلافا كبيرا في الفقه[8]، حيث ظهر اتجاهان: الأول يرى بعدم إمكان مساءلة هذه الأشخاص جنائيا وهذا هو الاتجاه التقليدي، أما الاتجاه الآخر فيرى ضرورة إقرار هذه المسؤولية وهذا هو الاتجاه الحديث، وسوف نعرض للحجج التي استند إليها كل من هذين الاتجاهين في (المطلب الأول) . كما أن التشريعات الجنائية من حيث موقفها من المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية انقسمت إلى فئتين: فئة تقر بهذه المسؤولية وهي الاتجاه الحديث، أما الفئة الأخرى فقد تمسكت بالمذهب التقليدي الذي ينفي المسؤولية الجنائية عن الأشخاص المعنوية، وهذا ما سوف نناقشه في (المطلب الثاني). المطلب الأول: موقف الفقه من المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي إن موضوع المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي أثار خلافا كبيرا بين فقهاء القانون، حيث يرى اتجاه بعدم إمكان مساءلة الشخص المعنوي جنائيا وهو ما يعرف بالاتجاه التقليدي (الفقرة الأولى)، و اتجاه آخر يرى ضرورة إقرار هذه المسؤولية وهذا هو الاتجاه الحديث (الفقرة الثانية). الفقرة الأولى:عدم إمكان مساءلة الشخص المعنوي جنائيا يرفض أنصار هذا الرأي مساءلة الشخص المعنوي جنائيا عن الجرائم التي ترتكب باسمه ولحسابه، من قبل ممثليه أثناء قيامهم بأعماله. ويقرون بمساءلة وعقاب الممثل القانوني للشخص المعنوي عن الجريمة التي اقترفها، وسندهم في ذلك أن الشخص المعنوي هو مجرد افتراض قانوني، لا يتصور أن يرتكب الركن المادي للجريمة، ولا يتوفر على الركن المعنوي للجريمة، وهي إحدى الركائز والمبادئ الراسخة في قانون العقوبات الحديث. كما أن توقيع العقوبة على الشخص المعنوي سيجعلها تصيب الأشخاص الطبيعيين المكونين له دون تفرقة بين من اتجهت إرادته إلى ارتكاب الجريمة، ومن لم يردها، وهذا يتنافى مع مبدأ شخصية العقوبة، الذي يقضي بأنه لا يسأل جنائيا إلا الشخص الذي ارتكب الجريمة أو ساهم في ارتكابها. كما أن أغلب العقوبات غير قابلة للتطبيق على الشخص المعنوي وبالخصوص عقوبة الإعدام، والعقوبات السالبة للحرية. وعلى الرغم من ذلك فإنه يسلم بجواز اتخاذ التدابير الاحترازية ، كالمصادرة، والحل، ووقف النشاط، والوضع تحت الحراسة أو الرقابة، في مواجهة الشخص المعنوي الذي يثبت أنه يشكل خطورة على المجتمع. الفقرة الثانية: ضرورة إقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي يذهب الرأي الغالب في فقه الحديث إلى القول بوجوب مساءلة الشخص المعنوي جنائيا إلى جانب الشخص الطبيعي، الذي ارتكب الجريمة أثناء ممارسته عمله لدى الشخص المعنوي، وسند الفقه الحديث في ذلك، أن جوهر المسؤولية في الحالتين هو الإرادة، وأن الشخص المعنوي يمكنه أن يرتكب الركن المادي لكثير من الجرائم، كالنصب، خيانة الأمانة، التزوير، التهرب الضريبي، والجرائم ضد البيئة، بالإضافة إلى حقيقة الإرادة الجماعية التي تتجسد بالاجتماعات، المداولات والتصويت في مجلس الإدارة، الأمر الذي يعني أنه يتصور أن يتوفر الركن المعنوي للجريمة لديه، بالإضافة إلى تطبيق معظم العقوبات عليه، كالغرامة، المصادرة، الحل، حرمانه من مزاولة نشاط معين،أو نشر الحكم الصادر بالإدانة وهذه العقوبة من شأنها المساس بسمعته[9]. المطلب الثاني:موقف التشريع المغربي والمقارن من مبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي انقسمت التشريعات الحديثة من حيث موقفها من المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي إلى مجموعتين: الأولى تقر هذه المسؤولية وبالتالي تأخذ بالاتجاه الحديث (الفقرة الأولى)، والمجموعة الأخرى تتمسك بالمذهب التقليدي الذي ينفي المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي( الفقرة الثانية). الفقرة الأولى: التشريعات التي تقر المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية رغم أن العديد من التشريعات الجنائية قد أخذت بمبدأ معاقبة هذا الشخص، إلا أنها اختلفت من حيث نطاق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، ومن بين هذه التشريعات، القانون الإنجليزي، القانون الفرنسي. أولا: القانون الإنجليزي: يعتبر هذا القانون من أقدم التشريعات التي أقرت بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، والأخذ بهذا المبدأ يعتبر في الأصل من صنع القضاء، وأهم الاعتبارات التي دفعته لذلك يتمثل في أن الثورة الصناعية أدت إلى انتشار العديد من الأشخاص المعنوية الضخمة، مع تزايد عدد الجرائم المرتكبة من هذه الأشخاص، حيث أقر بمساءلة الأشخاص المعنوية جنائيا في بادئ الأمر عن جرائم الامتناع، فوسع من نطاق هذا الاستثناء وأقر بمساءلته عن جرائم السلوك الإيجابي، كجريمة الإزعاج العام. وقد ميز الفقه بين صورتين للمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية: الصورة الأولى: تتعلق بالمسؤولية المادية بدون خطأ وهي التي يكفي لقيامها مجرد تحقق الركن المادي، دون تطلب الركن المعنوي، ومن بين هذه الجرائم في القانون العام والتي أقرها القضاء الإنجليزي، هي جرائم الإزعاج العام، الأعمال الماسة بالراحة والصحة العامة، وتعريض الأمن العام للخطر، وبالنسبة للجرائم التنظيمية هناك جرائم التلوث،جرائم مخالفة لوائح المرور ولوائح بيع المشروبات الكحولية. الصورة الثانية:وهي المسؤولية الجنائية المبنية على الخطأ الشخصي التي تتطلب توافر الركن المعنوي لدى الجاني،وهي تقوم على أساس نظرية التشخيص أو التطابق التي تفيد أن الشخص الطبيعي الذي يتصرف لحساب الشركة فإرادته هي إرادة الشركة وأفعاله هي أفعالها، فهو يجسد الشركة فإذا توافرت لديه الإرادة الآثمة فإن هذا الإثم يكون إثم الشركة ذاتها، إلا أن جانبا من الفقه يرى بعدم جواز مساءلة الشخص المعنوي،إذا كان الشخص الطبيعي قد تصرف في حدود وظيفته لكن بقصد إلحاق ضرر بالشخص المعنوي، كما أن قيام مسؤولية الشخص المعنوي لا تحول دون معاقبة الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة[10]. ثانيا: القانون الفرنسي:لقد كان القانون الفرنسي القديم السابق على الثورة يأخذ بمبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، وعندما صدر قانون العقوبات لسنة1810 لم يتضمن أي نص بشأن المسؤولية للشخص المعنوي، الأمر الذي دفع الفقه إلى القول بأن المشرع يرفض تلك المسؤولية كقاعدة عامة، علي أن محكمة النقض خرجت عن هذا المقتضى وألزمت الشخص المعنوي بدفع الغرامات المحكوم بها على تابعيه، أو ممثليه في الجرائم المادية التي تقوم على توافر الركن المادي دون الركن المعنوي لدى الجاني. وقد أقر قانون العقوبات الفرنسي الجديد الصادر سنة1992 والمعمول به منذ أوائل مارس سنة1994، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية عن الجرائم التي ترتكب لحسابها بواسطة أجهزتها أو ممثليها، على أنه لا تستبعد معاقبة الأشخاص الطبيعيين الفاعلين أو الشركاء عن نفس الأفعال. ثالثا: القانون المغربي:لقد استقر قضاء المجلس الأعلى قبل صدور القانون الجنائي الحالي على رفع المسؤولية الجنائية عن الشخص المعنوي، وأكده في قرار له تحت عدد659 صادر بتاريخ2 يونيو1960، وبصدور القانون الجنائي سنة1962 أقر المشرع مبدأ مساءلة الشخص المعنوي جنائيا في الفصل127 من هذا القانون الذي أثار مواقف متباينة بين الفقهاء انقسمت إلى اتجاهين: الاتجاه الأول: يؤكد أن مسؤولية الشخص المعنوي جاءت على سبيل الاستثناء فقط. والاتجاه الثاني: يرى أن المشرع المغربي وضع قاعدة عامة لمساءلة الشخص المعنوي، دون تحديد قواعد هذه المسؤولية ولا شروطها، بالإضافة إلى أنه لم يحدد أنواع الأشخاص المعنوية التي يمكن مساءلتها جنائيا، بالإضافة إلى الحكم على الأشخاص المعنوية بالعقوبات الأصلية كالغرامة، والتدابير الوقائية العينية، كإغلاق المؤسسة،المصادرة، الحل، ونشر الحكم،وقد أشار الفقيه أحمد الخمليشي إلى أنه في حالة ارتكاب الشخص المعنوي لجناية فإنه يقدم إلى المحكمة الجنائية التي تصدر الحكم عليه بالعقوبات الواردة في (المادة127 ) أي لا يجوز لها الحكم بأية عقوبة غير منصوص عليها في هذه المادة[11]. كما أشار المشرع المغربي في القانون رقم22-01 المتعلقبالمسطرة الجنائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم255-02-1 بتاريخ3 أكتوبر2002[12] في بابه السادس المتعلق بأحكام خاصة ببطائق الأشخاص المعنوية من (المادة678)إلى (المادة686)،الهدف منها جمع المعلومات المتعلقة بالعقوبات أو التدابير الصادرة في حق الأشخاص المعنوية، أو في حق الأشخاص الذاتيين المسيرين لها. الفقرة الثانية: التشريعات التي لا تأخذ بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية تأخذ بعض التشريعات بالمذهب التقليدي الذي يرفض الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، كالقانون الألماني، والقانون الإيطالي، أولا: القانون الألماني: لا يعترف المشرع الألماني بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية،وإذا ارتكبت جريمة في نطاق أعمال الشخص المعنوي، فيسأل عنها الشخص الطبيعي الذي تصرف كممثل له، والمسؤولية هنا شخصية. وتمشيا مع سياسة الحد من التجريم،أنشأ المشرع الألماني سنة1975 مجموعة من الجرائم الإدارية ومسؤولية الشخص المعنوي في حال ارتكابها لا تعتبر مسؤولية جنائية، بل لها طابع إداري رغم أن الجزاء المفروض هو الغرامة. ثانيا: القانون الإيطالي: من المقرر في القانون الإيطالي أن الشخص المعنوي لا يسأل جنائيا، ولكن يمكن مساءلته مدنيا فقط، ويمكن اعتباره مسؤولا بالتضامن عن دفع الغرامة المفروضة على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة لمصلحته، وذلك عندما يكون المحكوم عليه معسرا. أما بالنسبة للجرائم الجنائية الإدارية المنصوص عليها في القانون الصادر سنة1981، فيرى الفقه أنه لا يوجد ما يمنع من مساءلة الأشخاص المعنوية عنها بحكم أن النصوص التي أشارت إلى مسؤولية الشخص المعنوي لم تقررها كمسؤولية مباشرة أو مستقلة، وإنما جعلتها مسؤولية تضامنية عندما ترتكب المخالفة من ممثل هذا الشخص أو أحد العاملين لديه أثناء تأدية عمله. وهناك بعض القوانين الخاصة التي صدرت في السنوات الأخيرة وأقرت صراحة المسؤولية الإدارية الجنائية للأشخاص المعنوية. ويتجه القضاء الإيطالي منذ السبعينات إلى الاعتراف بهذه المسؤولية، على أن يتحملها الشخص المعنوي مباشرة، كما هو الحال بالنسبة للتهرب الضريبي[13]. المبحث الثاني: نطاق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي كما سبق أن أوضحنا أن الاتجاه الحديث في التشريع المقارن يعترف بمبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ، مما يعني أن هذه المسؤولية قد تجاوزت مرحلة الجدل الفقهي حول مدى ملاءمة الأخذ بها من عدمه،إلا أن نطاق تطبيقها يقتضي منا معرفة الأشخاص المعنوية التي تسأل جنائيا (المطلب الأول) و العقوبات التي تقع عليها( المطلب الثاني). المطلب الأول: المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية إن مساءلة الأشخاص المعنوية عن الجرائم التي تقترفها يقتضي منا معرفة شروط قيام هذه المسؤولية ومدى اختلافها من تشريع لأخر في مواجهة الأشخاص المعنوية؟إن الإجابة عن هذه الإشكالية يقتضي منا معرفة أنواع الأشخاص المعنوية ومدى مسؤوليتها جنائيا ( الفقرة الأولى) والجرائم التي تسأل عنها الأشخاص المعنوية( الفقرة الثانية). الفقرة الأولى:شروط قيام المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية من المقرر أن الأشخاص المعنوية عموما تنقسم إلى نوعين: أشخاص معنوية عامة تخضع للقانون العام، وأشخاص معنوية خاصة تخضع للقانون الخاص. كما أنه لم يقع خلاف بشأن مساءلة الأشخاص المعنوية الخاصة جنائيا، لكن التشريعات اختلفت بشأن إخضاع الأشخاص المعنوية العامة للمسؤولية الجنائية. فما مدى جواز ونطاق المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة؟ إن تحديد مسؤولية الشخص المعنوي جنائيا بوجه عام، يقتضي منا معرفة القواعد القانونية المتعلقة بتلك المسؤولية في مواجهة الأشخاص المعنوية الخاصة (أولا) ثم نبين نطاق المسؤولية الجنائيةللأشخاص المعنوية العامة (ثانيا). أولا: الأشخاص المعنوية الخاصة من المسلم به في التشريعات التي أقرت مساءلة الشخص المعنوي جنائيا، أن جميع الأشخاص المعنوية الخاصة تخضع للمسؤولية الجنائية، أيا كان الشكل الذي تتخذه، وأيا كان الغرض من إنشائها، أي سواء كانت تهدف إلى الحصول على الربح، كالشركات التجارية والمدنية، أو لا تسعى إلى تحقيق ربح مادي كالجمعيات والأحزاب السياسية.إل أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو مدى خضوع التجمعات التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية للمسؤولية الجنائية؟ تقتضي الإجابة عن هذا السؤال التمييز بين ثلاثة اتجاهات في التشريع المقارن بالنسبة لهذا الموضوع: الاتجاه الأول: هو مذهب القانون الإنجليزي ومؤداه أن هذه التجمعات تسأل جنائيا عن بعض الجرائم المنصوص عليها في القانون المكتوب. الاتجاه الثاني:وهو مذهب قانون العقوبات الهولندي وهو يعترف بالمسؤولية الجنائية لهذه التجمعات. الاتجاه الثالث: وهو السائد في القانون الفرنسي،وهو يقر بالمسؤولية الجنائية على التجمعات التي تتمتع بالشخصية المعنوية. وإذا وقعت جريمة في نطاق أعمال جماعة لا تتمتع بالشخصية المعنوية، فيسأل عنها فقط الشخص الطبيعي الذي ارتكبها[14]. ثانيا: الأشخاص المعنوية العامة: تنقسم الأشخاص المعنوية العامة إلى نوعين: أشخاص عامة إقليمية كالدولة والجماعات المحلية والمدن والقرى. وأشخاص عامة مرفقيه كالهيئات والمؤسسات العامة. والسؤال المطروح في هذا الخصوص، هل من الملائم إقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة؟ وللإجابة عن هذا السؤال لابد من معرفة الخلاف التشريعي حول مدى جواز مساءلة الأشخاص المعنوية العامة جنائيا؟ ونطاق هذه المسؤولية في القانون الفرنسي لكونه وضع تنظيما مفصلا لأحكامها؟ تلكم هي بعض التساؤلات التي سوف نحاول الإجابة عنها كالتالي: لقد نصت بعض التشريعات صراحة على عدم جواز مساءلة الأشخاص المعنوية العامة جنائيا ومنها التشريع العراقي . بينما تعترف تشريعات أخرى بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، كما هو الحال في القانون الإنجليزي حيث لوحظ أن التطور القضائي بشأن إقرار هذا المبدأ في بداية القرن التاسع عشر، قد بدأ بإدانة بعض البلديات وهي أشخاص معنوية عامة. وفي فرنسا، أقر المشرع المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، باستثناء الدولة (المادة121-2 ) ويرى غالب الفقه أن هذا الاستبعاد يقوم على أساس أن الدولة هي صاحبة العقاب،مما يجعل من غير المتصور أن توقع العقوبة على نفسها، ،كما أقر إخضاع جميع الأشخاص المعنوية العامة الأخرى للمسؤولية الجنائية، كالمؤسسات العامة،والتجمعات ذات النفع العام،وغيرها إلا أن الملاحظ أنها لا تطبق عليها عقوبة الحل،و الوضع تحت الرقابة القضائية. إن الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، لاسيما عند قيامها بأنشطة تجارية أو مالية أو صناعية أو غيرها مما تمارسه أشخاص القانون الخاص،لا يتعارض مع مبدأ ضرورة استمرارية المرفق العام ، فضلا عن أنه أمر يتطلبه مبدأ المساواة أمام القانون، ويحقق فعالية العقاب،وبالتالي يكفل الحفاظ على مصلحة المجتمع. الفقرة الثانية:الجرائم التي تسأل عنها الأشخاص المعنوية إن الشخص المعنوي بحكم طبيعته لا يمكن أن يرتكب الجريمة بنفسه، وإنما يتصرف عن طريق شخص طبيعي يعبر عن إرادته( أولا) أو تكون الجريمة قد وقعت لحسابه (ثانيا). أولا: ارتكاب الجريمة من شخص طبيعي يعبر عن إرادة الشخص المعنوي: إن إسناد الفعل الجرمي للشخص المعنوي وفق هذا المبدأ يقتضي معرفة الشخص الطبيعي الذي ارتكاب الجريمة،وما إذا كان يملك التصرف باسم الشخص المعنوي، وبالتالي تعتبر الأفعال الصادرة عنه بمثابة أفعال الشخص المعنوي ذاته أم لا؟ فحسب القانون الإنجليزي، أنه يوجد لكل شخص معنوي، شخص طبيعي معين أو عدة أشخاص يتولون إدارته،والأفعال التي تقع من هؤلاء الأشخاص الطبيعيين والتي تدخل في نطاق أعمال وظيفتهم، تعتبر في نفس الوقت بمثابة أفعال الشخص المعنوي ذاته، وبالتالي يسأل عنها جنائيا مسؤولية شخصية،إذا كانت تشكل جريمة. وكذلك الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي على أن قيام هذه المسؤولية لا يحول دون معاقبة الشخص الطبيعي عن ذات الجريمة[15]. ثانيا:ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي: يجب لقيام المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، أن تكون الجريمة قد وقعت لحسابه، أي ارتكبت بهدف تحقيق مصلحة له،كتحقيق ربح أو تجنب إلحاق ضرر به، ويستوي أن تكون هذه المصلحة مادية أو معنوية، مباشرة أو غير مباشرة،محققة أو احتمالية. والنتيجة المنطقية التي تترتب على هذا الشرط هي أنه لا يجوز أن يسأل الشخص المعنوي عن الجريمة التي يرتكبها أحد أجهزته أو ممثليه،لحسابه الشخصي،بهدف تحقيق مصلحته الشخصية، أو بقصد الإضرار بالشخص المعنوي. المطلب الثاني:العقوبات التي تقع على الأشخاص المعنوية تتعدد العقوبات والتدابير التي يمكن أن توقع على الأشخاص المعنوية، ويختلف نطاقها من تشريع لأخر، فكيف عالج المشرع المغربي وباقي التشريعات الأجنبية هذا الموضوع المتعلق بالعقوبات المقررة على الأشخاص المعنوية؟هذا ما سوف نبحثه من خلال تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين: الفقرة الأولى:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المغربي. الفقرة الثانية:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المقارن. الفقرة الأولى:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المغربي. فالقانون الجنائي المغربي ومن خلال الفصل127[16] حدد نوعية العقوبات التي يمكن تطبيقها على الأشخاص المعنوية، وهي عبارة عن عقوبات مالية[17]كالغرامة (الفصل35 من ق ج)[18]، وعقوبات إضافية (الفصل36 من ق ج)[19] وهي: المصادرة الجزئية، حل الشخص المعنوي ونشر الحكم الصادر بالإدانة، أو عبارة عن تدابير وقائية (الفصل62 من ق ج )[20] وهي:مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة، أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها، وإغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة، وطبقا للمادة635 من قانون المسطرة الجنائية[21] فإنه يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حالة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة، وبالرجوع إلى نفس المادة نجده استثنىمن نظام الإكراه البدني بعض الحالاتوالأشخاص الطبيعيين دون ذكر الأشخاص المعنوية على أساس أن هذا الإجراء لا يمكن اتخاذه ضد الشخص المعنوي. كما تطرق المشرع المغربي للمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية في القوانين الزجرية الخاصة،كالقانون رقم13-83 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع، والقانون رقم17-97المتعلق بحماية الملكية الصناعية. الفقرة الثانية: العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المقارن وبالنسبة للتشريعات الأجنبية سوف نتطرق إلى ثلاثة قوانين: وهي القانون الإنجليزي(أولا) و القانون الهولندي(ثانيا) ثم القانون الفرنسي(ثالثا). أولا: القانون الإنجليزي: يلاحظ أن هذا القانون يقصر العقوبات التي توقع على الأشخاص المعنوية، على العقوبات المالية وفي مقدمتها الغرامة، كما يطبق عليها عقوبة الحل. ثانيا: القانون الهولندي:وفي القانون الهولندي، يحكم على الأشخاص المعنوية بالغرامة، المصادرة، نشر الحكم الصادر بالإدانة، وقف النشاط في الجرائم الاقتصادية، الحرمان من بعض الحقوق والمزايا،والوضع تحت الحراسة القضائية. ثالثا: القانون الفرنسي: لقد خصص المشرع الفرنسي مبحثا مستقلا للعقوبات التي توقع على الأشخاص المعنوية، وذلك في المواد من131-37 إلى131-49 من قانون العقوبات. وقد ميز بين عقوبات الجنايات والجنح، وهي: الغرامة،الحل،حظر مزاولة بعض الأنشطة،الوضع تحت الرقابة،غلق المؤسسات، الحرمان من دعوة الجمهور إلى الادخار،الاستبعاد من الأسواق،حضر إصدار شيكات،المصادرة،نشر الحكم. وقد استبعد المشرع الفرنسي، بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة131-39 من قانون العقوبات،بعض الأشخاص المعنوية من تطبيق عقوبة الحل، وهي: الأشخاص المعنوية العامة،الأحزاب والتجمعات السياسية،النقابات المهنية. وترجع علة ذلك إلى اعتبارات دستورية تتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات،والحرص على ضمان استمرارية المرافق العامة،كما أن حل الأحزاب والنقابات ينطوي على المساس بالحريات الأساسية إلا إذا ثبت أنه قد أنشئ بغرض ارتكاب الجرائم[22]
المبحث الأول : أساس المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي من المتفق عليه فقها(بفتح اللام) وقضاء(بفتح الهمزة) أن الأشخاص المعنوية تسأل مدنيا عن أفعالها التي تسبب ضررا للغير[7]،لكن المسؤولية الجنائية لهذه الأشخاص هي التي أثارت خلافا كبيرا في الفقه[8]، حيث ظهر اتجاهان: الأول يرى بعدم إمكان مساءلة هذه الأشخاص جنائيا وهذا هو الاتجاه التقليدي، أما الاتجاه الآخر فيرى ضرورة إقرار هذه المسؤولية وهذا هو الاتجاه الحديث، وسوف نعرض للحجج التي استند إليها كل من هذين الاتجاهين في (المطلب الأول) . كما أن التشريعات الجنائية من حيث موقفها من المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية انقسمت إلى فئتين: فئة تقر بهذه المسؤولية وهي الاتجاه الحديث، أما الفئة الأخرى فقد تمسكت بالمذهب التقليدي الذي ينفي المسؤولية الجنائية عن الأشخاص المعنوية، وهذا ما سوف نناقشه في (المطلب الثاني). المطلب الأول: موقف الفقه من المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي إن موضوع المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي أثار خلافا كبيرا بين فقهاء القانون، حيث يرى اتجاه بعدم إمكان مساءلة الشخص المعنوي جنائيا وهو ما يعرف بالاتجاه التقليدي (الفقرة الأولى)، و اتجاه آخر يرى ضرورة إقرار هذه المسؤولية وهذا هو الاتجاه الحديث (الفقرة الثانية). الفقرة الأولى:عدم إمكان مساءلة الشخص المعنوي جنائيا يرفض أنصار هذا الرأي مساءلة الشخص المعنوي جنائيا عن الجرائم التي ترتكب باسمه ولحسابه، من قبل ممثليه أثناء قيامهم بأعماله. ويقرون بمساءلة وعقاب الممثل القانوني للشخص المعنوي عن الجريمة التي اقترفها، وسندهم في ذلك أن الشخص المعنوي هو مجرد افتراض قانوني، لا يتصور أن يرتكب الركن المادي للجريمة، ولا يتوفر على الركن المعنوي للجريمة، وهي إحدى الركائز والمبادئ الراسخة في قانون العقوبات الحديث. كما أن توقيع العقوبة على الشخص المعنوي سيجعلها تصيب الأشخاص الطبيعيين المكونين له دون تفرقة بين من اتجهت إرادته إلى ارتكاب الجريمة، ومن لم يردها، وهذا يتنافى مع مبدأ شخصية العقوبة، الذي يقضي بأنه لا يسأل جنائيا إلا الشخص الذي ارتكب الجريمة أو ساهم في ارتكابها. كما أن أغلب العقوبات غير قابلة للتطبيق على الشخص المعنوي وبالخصوص عقوبة الإعدام، والعقوبات السالبة للحرية. وعلى الرغم من ذلك فإنه يسلم بجواز اتخاذ التدابير الاحترازية ، كالمصادرة، والحل، ووقف النشاط، والوضع تحت الحراسة أو الرقابة، في مواجهة الشخص المعنوي الذي يثبت أنه يشكل خطورة على المجتمع. الفقرة الثانية: ضرورة إقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي يذهب الرأي الغالب في فقه الحديث إلى القول بوجوب مساءلة الشخص المعنوي جنائيا إلى جانب الشخص الطبيعي، الذي ارتكب الجريمة أثناء ممارسته عمله لدى الشخص المعنوي، وسند الفقه الحديث في ذلك، أن جوهر المسؤولية في الحالتين هو الإرادة، وأن الشخص المعنوي يمكنه أن يرتكب الركن المادي لكثير من الجرائم، كالنصب، خيانة الأمانة، التزوير، التهرب الضريبي، والجرائم ضد البيئة، بالإضافة إلى حقيقة الإرادة الجماعية التي تتجسد بالاجتماعات، المداولات والتصويت في مجلس الإدارة، الأمر الذي يعني أنه يتصور أن يتوفر الركن المعنوي للجريمة لديه، بالإضافة إلى تطبيق معظم العقوبات عليه، كالغرامة، المصادرة، الحل، حرمانه من مزاولة نشاط معين،أو نشر الحكم الصادر بالإدانة وهذه العقوبة من شأنها المساس بسمعته[9]. المطلب الثاني:موقف التشريع المغربي والمقارن من مبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي انقسمت التشريعات الحديثة من حيث موقفها من المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي إلى مجموعتين: الأولى تقر هذه المسؤولية وبالتالي تأخذ بالاتجاه الحديث (الفقرة الأولى)، والمجموعة الأخرى تتمسك بالمذهب التقليدي الذي ينفي المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي( الفقرة الثانية). الفقرة الأولى: التشريعات التي تقر المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية رغم أن العديد من التشريعات الجنائية قد أخذت بمبدأ معاقبة هذا الشخص، إلا أنها اختلفت من حيث نطاق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، ومن بين هذه التشريعات، القانون الإنجليزي، القانون الفرنسي. أولا: القانون الإنجليزي: يعتبر هذا القانون من أقدم التشريعات التي أقرت بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، والأخذ بهذا المبدأ يعتبر في الأصل من صنع القضاء، وأهم الاعتبارات التي دفعته لذلك يتمثل في أن الثورة الصناعية أدت إلى انتشار العديد من الأشخاص المعنوية الضخمة، مع تزايد عدد الجرائم المرتكبة من هذه الأشخاص، حيث أقر بمساءلة الأشخاص المعنوية جنائيا في بادئ الأمر عن جرائم الامتناع، فوسع من نطاق هذا الاستثناء وأقر بمساءلته عن جرائم السلوك الإيجابي، كجريمة الإزعاج العام. وقد ميز الفقه بين صورتين للمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية: الصورة الأولى: تتعلق بالمسؤولية المادية بدون خطأ وهي التي يكفي لقيامها مجرد تحقق الركن المادي، دون تطلب الركن المعنوي، ومن بين هذه الجرائم في القانون العام والتي أقرها القضاء الإنجليزي، هي جرائم الإزعاج العام، الأعمال الماسة بالراحة والصحة العامة، وتعريض الأمن العام للخطر، وبالنسبة للجرائم التنظيمية هناك جرائم التلوث،جرائم مخالفة لوائح المرور ولوائح بيع المشروبات الكحولية. الصورة الثانية:وهي المسؤولية الجنائية المبنية على الخطأ الشخصي التي تتطلب توافر الركن المعنوي لدى الجاني،وهي تقوم على أساس نظرية التشخيص أو التطابق التي تفيد أن الشخص الطبيعي الذي يتصرف لحساب الشركة فإرادته هي إرادة الشركة وأفعاله هي أفعالها، فهو يجسد الشركة فإذا توافرت لديه الإرادة الآثمة فإن هذا الإثم يكون إثم الشركة ذاتها، إلا أن جانبا من الفقه يرى بعدم جواز مساءلة الشخص المعنوي،إذا كان الشخص الطبيعي قد تصرف في حدود وظيفته لكن بقصد إلحاق ضرر بالشخص المعنوي، كما أن قيام مسؤولية الشخص المعنوي لا تحول دون معاقبة الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة[10]. ثانيا: القانون الفرنسي:لقد كان القانون الفرنسي القديم السابق على الثورة يأخذ بمبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، وعندما صدر قانون العقوبات لسنة1810 لم يتضمن أي نص بشأن المسؤولية للشخص المعنوي، الأمر الذي دفع الفقه إلى القول بأن المشرع يرفض تلك المسؤولية كقاعدة عامة، علي أن محكمة النقض خرجت عن هذا المقتضى وألزمت الشخص المعنوي بدفع الغرامات المحكوم بها على تابعيه، أو ممثليه في الجرائم المادية التي تقوم على توافر الركن المادي دون الركن المعنوي لدى الجاني. وقد أقر قانون العقوبات الفرنسي الجديد الصادر سنة1992 والمعمول به منذ أوائل مارس سنة1994، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية عن الجرائم التي ترتكب لحسابها بواسطة أجهزتها أو ممثليها، على أنه لا تستبعد معاقبة الأشخاص الطبيعيين الفاعلين أو الشركاء عن نفس الأفعال. ثالثا: القانون المغربي:لقد استقر قضاء المجلس الأعلى قبل صدور القانون الجنائي الحالي على رفع المسؤولية الجنائية عن الشخص المعنوي، وأكده في قرار له تحت عدد659 صادر بتاريخ2 يونيو1960، وبصدور القانون الجنائي سنة1962 أقر المشرع مبدأ مساءلة الشخص المعنوي جنائيا في الفصل127 من هذا القانون الذي أثار مواقف متباينة بين الفقهاء انقسمت إلى اتجاهين: الاتجاه الأول: يؤكد أن مسؤولية الشخص المعنوي جاءت على سبيل الاستثناء فقط. والاتجاه الثاني: يرى أن المشرع المغربي وضع قاعدة عامة لمساءلة الشخص المعنوي، دون تحديد قواعد هذه المسؤولية ولا شروطها، بالإضافة إلى أنه لم يحدد أنواع الأشخاص المعنوية التي يمكن مساءلتها جنائيا، بالإضافة إلى الحكم على الأشخاص المعنوية بالعقوبات الأصلية كالغرامة، والتدابير الوقائية العينية، كإغلاق المؤسسة،المصادرة، الحل، ونشر الحكم،وقد أشار الفقيه أحمد الخمليشي إلى أنه في حالة ارتكاب الشخص المعنوي لجناية فإنه يقدم إلى المحكمة الجنائية التي تصدر الحكم عليه بالعقوبات الواردة في (المادة127 ) أي لا يجوز لها الحكم بأية عقوبة غير منصوص عليها في هذه المادة[11]. كما أشار المشرع المغربي في القانون رقم22-01 المتعلقبالمسطرة الجنائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم255-02-1 بتاريخ3 أكتوبر2002[12] في بابه السادس المتعلق بأحكام خاصة ببطائق الأشخاص المعنوية من (المادة678)إلى (المادة686)،الهدف منها جمع المعلومات المتعلقة بالعقوبات أو التدابير الصادرة في حق الأشخاص المعنوية، أو في حق الأشخاص الذاتيين المسيرين لها. الفقرة الثانية: التشريعات التي لا تأخذ بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية تأخذ بعض التشريعات بالمذهب التقليدي الذي يرفض الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، كالقانون الألماني، والقانون الإيطالي، أولا: القانون الألماني: لا يعترف المشرع الألماني بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية،وإذا ارتكبت جريمة في نطاق أعمال الشخص المعنوي، فيسأل عنها الشخص الطبيعي الذي تصرف كممثل له، والمسؤولية هنا شخصية. وتمشيا مع سياسة الحد من التجريم،أنشأ المشرع الألماني سنة1975 مجموعة من الجرائم الإدارية ومسؤولية الشخص المعنوي في حال ارتكابها لا تعتبر مسؤولية جنائية، بل لها طابع إداري رغم أن الجزاء المفروض هو الغرامة. ثانيا: القانون الإيطالي: من المقرر في القانون الإيطالي أن الشخص المعنوي لا يسأل جنائيا، ولكن يمكن مساءلته مدنيا فقط، ويمكن اعتباره مسؤولا بالتضامن عن دفع الغرامة المفروضة على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة لمصلحته، وذلك عندما يكون المحكوم عليه معسرا. أما بالنسبة للجرائم الجنائية الإدارية المنصوص عليها في القانون الصادر سنة1981، فيرى الفقه أنه لا يوجد ما يمنع من مساءلة الأشخاص المعنوية عنها بحكم أن النصوص التي أشارت إلى مسؤولية الشخص المعنوي لم تقررها كمسؤولية مباشرة أو مستقلة، وإنما جعلتها مسؤولية تضامنية عندما ترتكب المخالفة من ممثل هذا الشخص أو أحد العاملين لديه أثناء تأدية عمله. وهناك بعض القوانين الخاصة التي صدرت في السنوات الأخيرة وأقرت صراحة المسؤولية الإدارية الجنائية للأشخاص المعنوية. ويتجه القضاء الإيطالي منذ السبعينات إلى الاعتراف بهذه المسؤولية، على أن يتحملها الشخص المعنوي مباشرة، كما هو الحال بالنسبة للتهرب الضريبي[13]. المبحث الثاني: نطاق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي كما سبق أن أوضحنا أن الاتجاه الحديث في التشريع المقارن يعترف بمبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ، مما يعني أن هذه المسؤولية قد تجاوزت مرحلة الجدل الفقهي حول مدى ملاءمة الأخذ بها من عدمه،إلا أن نطاق تطبيقها يقتضي منا معرفة الأشخاص المعنوية التي تسأل جنائيا (المطلب الأول) و العقوبات التي تقع عليها( المطلب الثاني). المطلب الأول: المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية إن مساءلة الأشخاص المعنوية عن الجرائم التي تقترفها يقتضي منا معرفة شروط قيام هذه المسؤولية ومدى اختلافها من تشريع لأخر في مواجهة الأشخاص المعنوية؟إن الإجابة عن هذه الإشكالية يقتضي منا معرفة أنواع الأشخاص المعنوية ومدى مسؤوليتها جنائيا ( الفقرة الأولى) والجرائم التي تسأل عنها الأشخاص المعنوية( الفقرة الثانية). الفقرة الأولى:شروط قيام المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية من المقرر أن الأشخاص المعنوية عموما تنقسم إلى نوعين: أشخاص معنوية عامة تخضع للقانون العام، وأشخاص معنوية خاصة تخضع للقانون الخاص. كما أنه لم يقع خلاف بشأن مساءلة الأشخاص المعنوية الخاصة جنائيا، لكن التشريعات اختلفت بشأن إخضاع الأشخاص المعنوية العامة للمسؤولية الجنائية. فما مدى جواز ونطاق المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة؟ إن تحديد مسؤولية الشخص المعنوي جنائيا بوجه عام، يقتضي منا معرفة القواعد القانونية المتعلقة بتلك المسؤولية في مواجهة الأشخاص المعنوية الخاصة (أولا) ثم نبين نطاق المسؤولية الجنائيةللأشخاص المعنوية العامة (ثانيا). أولا: الأشخاص المعنوية الخاصة من المسلم به في التشريعات التي أقرت مساءلة الشخص المعنوي جنائيا، أن جميع الأشخاص المعنوية الخاصة تخضع للمسؤولية الجنائية، أيا كان الشكل الذي تتخذه، وأيا كان الغرض من إنشائها، أي سواء كانت تهدف إلى الحصول على الربح، كالشركات التجارية والمدنية، أو لا تسعى إلى تحقيق ربح مادي كالجمعيات والأحزاب السياسية.إل أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو مدى خضوع التجمعات التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية للمسؤولية الجنائية؟ تقتضي الإجابة عن هذا السؤال التمييز بين ثلاثة اتجاهات في التشريع المقارن بالنسبة لهذا الموضوع: الاتجاه الأول: هو مذهب القانون الإنجليزي ومؤداه أن هذه التجمعات تسأل جنائيا عن بعض الجرائم المنصوص عليها في القانون المكتوب. الاتجاه الثاني:وهو مذهب قانون العقوبات الهولندي وهو يعترف بالمسؤولية الجنائية لهذه التجمعات. الاتجاه الثالث: وهو السائد في القانون الفرنسي،وهو يقر بالمسؤولية الجنائية على التجمعات التي تتمتع بالشخصية المعنوية. وإذا وقعت جريمة في نطاق أعمال جماعة لا تتمتع بالشخصية المعنوية، فيسأل عنها فقط الشخص الطبيعي الذي ارتكبها[14]. ثانيا: الأشخاص المعنوية العامة: تنقسم الأشخاص المعنوية العامة إلى نوعين: أشخاص عامة إقليمية كالدولة والجماعات المحلية والمدن والقرى. وأشخاص عامة مرفقيه كالهيئات والمؤسسات العامة. والسؤال المطروح في هذا الخصوص، هل من الملائم إقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة؟ وللإجابة عن هذا السؤال لابد من معرفة الخلاف التشريعي حول مدى جواز مساءلة الأشخاص المعنوية العامة جنائيا؟ ونطاق هذه المسؤولية في القانون الفرنسي لكونه وضع تنظيما مفصلا لأحكامها؟ تلكم هي بعض التساؤلات التي سوف نحاول الإجابة عنها كالتالي: لقد نصت بعض التشريعات صراحة على عدم جواز مساءلة الأشخاص المعنوية العامة جنائيا ومنها التشريع العراقي . بينما تعترف تشريعات أخرى بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، كما هو الحال في القانون الإنجليزي حيث لوحظ أن التطور القضائي بشأن إقرار هذا المبدأ في بداية القرن التاسع عشر، قد بدأ بإدانة بعض البلديات وهي أشخاص معنوية عامة. وفي فرنسا، أقر المشرع المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، باستثناء الدولة (المادة121-2 ) ويرى غالب الفقه أن هذا الاستبعاد يقوم على أساس أن الدولة هي صاحبة العقاب،مما يجعل من غير المتصور أن توقع العقوبة على نفسها، ،كما أقر إخضاع جميع الأشخاص المعنوية العامة الأخرى للمسؤولية الجنائية، كالمؤسسات العامة،والتجمعات ذات النفع العام،وغيرها إلا أن الملاحظ أنها لا تطبق عليها عقوبة الحل،و الوضع تحت الرقابة القضائية. إن الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، لاسيما عند قيامها بأنشطة تجارية أو مالية أو صناعية أو غيرها مما تمارسه أشخاص القانون الخاص،لا يتعارض مع مبدأ ضرورة استمرارية المرفق العام ، فضلا عن أنه أمر يتطلبه مبدأ المساواة أمام القانون، ويحقق فعالية العقاب،وبالتالي يكفل الحفاظ على مصلحة المجتمع. الفقرة الثانية:الجرائم التي تسأل عنها الأشخاص المعنوية إن الشخص المعنوي بحكم طبيعته لا يمكن أن يرتكب الجريمة بنفسه، وإنما يتصرف عن طريق شخص طبيعي يعبر عن إرادته( أولا) أو تكون الجريمة قد وقعت لحسابه (ثانيا). أولا: ارتكاب الجريمة من شخص طبيعي يعبر عن إرادة الشخص المعنوي: إن إسناد الفعل الجرمي للشخص المعنوي وفق هذا المبدأ يقتضي معرفة الشخص الطبيعي الذي ارتكاب الجريمة،وما إذا كان يملك التصرف باسم الشخص المعنوي، وبالتالي تعتبر الأفعال الصادرة عنه بمثابة أفعال الشخص المعنوي ذاته أم لا؟ فحسب القانون الإنجليزي، أنه يوجد لكل شخص معنوي، شخص طبيعي معين أو عدة أشخاص يتولون إدارته،والأفعال التي تقع من هؤلاء الأشخاص الطبيعيين والتي تدخل في نطاق أعمال وظيفتهم، تعتبر في نفس الوقت بمثابة أفعال الشخص المعنوي ذاته، وبالتالي يسأل عنها جنائيا مسؤولية شخصية،إذا كانت تشكل جريمة. وكذلك الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي على أن قيام هذه المسؤولية لا يحول دون معاقبة الشخص الطبيعي عن ذات الجريمة[15]. ثانيا:ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي: يجب لقيام المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، أن تكون الجريمة قد وقعت لحسابه، أي ارتكبت بهدف تحقيق مصلحة له،كتحقيق ربح أو تجنب إلحاق ضرر به، ويستوي أن تكون هذه المصلحة مادية أو معنوية، مباشرة أو غير مباشرة،محققة أو احتمالية. والنتيجة المنطقية التي تترتب على هذا الشرط هي أنه لا يجوز أن يسأل الشخص المعنوي عن الجريمة التي يرتكبها أحد أجهزته أو ممثليه،لحسابه الشخصي،بهدف تحقيق مصلحته الشخصية، أو بقصد الإضرار بالشخص المعنوي. المطلب الثاني:العقوبات التي تقع على الأشخاص المعنوية تتعدد العقوبات والتدابير التي يمكن أن توقع على الأشخاص المعنوية، ويختلف نطاقها من تشريع لأخر، فكيف عالج المشرع المغربي وباقي التشريعات الأجنبية هذا الموضوع المتعلق بالعقوبات المقررة على الأشخاص المعنوية؟هذا ما سوف نبحثه من خلال تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين: الفقرة الأولى:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المغربي. الفقرة الثانية:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المقارن. الفقرة الأولى:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المغربي. فالقانون الجنائي المغربي ومن خلال الفصل127[16] حدد نوعية العقوبات التي يمكن تطبيقها على الأشخاص المعنوية، وهي عبارة عن عقوبات مالية[17]كالغرامة (الفصل35 من ق ج)[18]، وعقوبات إضافية (الفصل36 من ق ج)[19] وهي: المصادرة الجزئية، حل الشخص المعنوي ونشر الحكم الصادر بالإدانة، أو عبارة عن تدابير وقائية (الفصل62 من ق ج )[20] وهي:مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة، أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها، وإغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة، وطبقا للمادة635 من قانون المسطرة الجنائية[21] فإنه يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حالة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة، وبالرجوع إلى نفس المادة نجده استثنىمن نظام الإكراه البدني بعض الحالاتوالأشخاص الطبيعيين دون ذكر الأشخاص المعنوية على أساس أن هذا الإجراء لا يمكن اتخاذه ضد الشخص المعنوي. كما تطرق المشرع المغربي للمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية في القوانين الزجرية الخاصة،كالقانون رقم13-83 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع، والقانون رقم17-97المتعلق بحماية الملكية الصناعية. الفقرة الثانية: العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المقارن وبالنسبة للتشريعات الأجنبية سوف نتطرق إلى ثلاثة قوانين: وهي القانون الإنجليزي(أولا) و القانون الهولندي(ثانيا) ثم القانون الفرنسي(ثالثا). أولا: القانون الإنجليزي: يلاحظ أن هذا القانون يقصر العقوبات التي توقع على الأشخاص المعنوية، على العقوبات المالية وفي مقدمتها الغرامة، كما يطبق عليها عقوبة الحل. ثانيا: القانون الهولندي:وفي القانون الهولندي، يحكم على الأشخاص المعنوية بالغرامة، المصادرة، نشر الحكم الصادر بالإدانة، وقف النشاط في الجرائم الاقتصادية، الحرمان من بعض الحقوق والمزايا،والوضع تحت الحراسة القضائية. ثالثا: القانون الفرنسي: لقد خصص المشرع الفرنسي مبحثا مستقلا للعقوبات التي توقع على الأشخاص المعنوية، وذلك في المواد من131-37 إلى131-49 من قانون العقوبات. وقد ميز بين عقوبات الجنايات والجنح، وهي: الغرامة،الحل،حظر مزاولة بعض الأنشطة،الوضع تحت الرقابة،غلق المؤسسات، الحرمان من دعوة الجمهور إلى الادخار،الاستبعاد من الأسواق،حضر إصدار شيكات،المصادرة،نشر الحكم. وقد استبعد المشرع الفرنسي، بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة131-39 من قانون العقوبات،بعض الأشخاص المعنوية من تطبيق عقوبة الحل، وهي: الأشخاص المعنوية العامة،الأحزاب والتجمعات السياسية،النقابات المهنية. وترجع علة ذلك إلى اعتبارات دستورية تتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات،والحرص على ضمان استمرارية المرافق العامة،كما أن حل الأحزاب والنقابات ينطوي على المساس بالحريات الأساسية إلا إذا ثبت أنه قد أنشئ بغرض ارتكاب الجرائم
المبحث الأول : أساس المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي من المتفق عليه فقها(بفتح اللام) وقضاء(بفتح الهمزة) أن الأشخاص المعنوية تسأل مدنيا عن أفعالها التي تسبب ضررا للغير[7]،لكن المسؤولية الجنائية لهذه الأشخاص هي التي أثارت خلافا كبيرا في الفقه[8]، حيث ظهر اتجاهان: الأول يرى بعدم إمكان مساءلة هذه الأشخاص جنائيا وهذا هو الاتجاه التقليدي، أما الاتجاه الآخر فيرى ضرورة إقرار هذه المسؤولية وهذا هو الاتجاه الحديث، وسوف نعرض للحجج التي استند إليها كل من هذين الاتجاهين في (المطلب الأول) . كما أن التشريعات الجنائية من حيث موقفها من المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية انقسمت إلى فئتين: فئة تقر بهذه المسؤولية وهي الاتجاه الحديث، أما الفئة الأخرى فقد تمسكت بالمذهب التقليدي الذي ينفي المسؤولية الجنائية عن الأشخاص المعنوية، وهذا ما سوف نناقشه في (المطلب الثاني). المطلب الأول: موقف الفقه من المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي إن موضوع المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي أثار خلافا كبيرا بين فقهاء القانون، حيث يرى اتجاه بعدم إمكان مساءلة الشخص المعنوي جنائيا وهو ما يعرف بالاتجاه التقليدي (الفقرة الأولى)، و اتجاه آخر يرى ضرورة إقرار هذه المسؤولية وهذا هو الاتجاه الحديث (الفقرة الثانية). الفقرة الأولى:عدم إمكان مساءلة الشخص المعنوي جنائيا يرفض أنصار هذا الرأي مساءلة الشخص المعنوي جنائيا عن الجرائم التي ترتكب باسمه ولحسابه، من قبل ممثليه أثناء قيامهم بأعماله. ويقرون بمساءلة وعقاب الممثل القانوني للشخص المعنوي عن الجريمة التي اقترفها، وسندهم في ذلك أن الشخص المعنوي هو مجرد افتراض قانوني، لا يتصور أن يرتكب الركن المادي للجريمة، ولا يتوفر على الركن المعنوي للجريمة، وهي إحدى الركائز والمبادئ الراسخة في قانون العقوبات الحديث. كما أن توقيع العقوبة على الشخص المعنوي سيجعلها تصيب الأشخاص الطبيعيين المكونين له دون تفرقة بين من اتجهت إرادته إلى ارتكاب الجريمة، ومن لم يردها، وهذا يتنافى مع مبدأ شخصية العقوبة، الذي يقضي بأنه لا يسأل جنائيا إلا الشخص الذي ارتكب الجريمة أو ساهم في ارتكابها. كما أن أغلب العقوبات غير قابلة للتطبيق على الشخص المعنوي وبالخصوص عقوبة الإعدام، والعقوبات السالبة للحرية. وعلى الرغم من ذلك فإنه يسلم بجواز اتخاذ التدابير الاحترازية ، كالمصادرة، والحل، ووقف النشاط، والوضع تحت الحراسة أو الرقابة، في مواجهة الشخص المعنوي الذي يثبت أنه يشكل خطورة على المجتمع. الفقرة الثانية: ضرورة إقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي يذهب الرأي الغالب في فقه الحديث إلى القول بوجوب مساءلة الشخص المعنوي جنائيا إلى جانب الشخص الطبيعي، الذي ارتكب الجريمة أثناء ممارسته عمله لدى الشخص المعنوي، وسند الفقه الحديث في ذلك، أن جوهر المسؤولية في الحالتين هو الإرادة، وأن الشخص المعنوي يمكنه أن يرتكب الركن المادي لكثير من الجرائم، كالنصب، خيانة الأمانة، التزوير، التهرب الضريبي، والجرائم ضد البيئة، بالإضافة إلى حقيقة الإرادة الجماعية التي تتجسد بالاجتماعات، المداولات والتصويت في مجلس الإدارة، الأمر الذي يعني أنه يتصور أن يتوفر الركن المعنوي للجريمة لديه، بالإضافة إلى تطبيق معظم العقوبات عليه، كالغرامة، المصادرة، الحل، حرمانه من مزاولة نشاط معين،أو نشر الحكم الصادر بالإدانة وهذه العقوبة من شأنها المساس بسمعته[9]. المطلب الثاني:موقف التشريع المغربي والمقارن من مبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي انقسمت التشريعات الحديثة من حيث موقفها من المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي إلى مجموعتين: الأولى تقر هذه المسؤولية وبالتالي تأخذ بالاتجاه الحديث (الفقرة الأولى)، والمجموعة الأخرى تتمسك بالمذهب التقليدي الذي ينفي المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي( الفقرة الثانية). الفقرة الأولى: التشريعات التي تقر المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية رغم أن العديد من التشريعات الجنائية قد أخذت بمبدأ معاقبة هذا الشخص، إلا أنها اختلفت من حيث نطاق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، ومن بين هذه التشريعات، القانون الإنجليزي، القانون الفرنسي. أولا: القانون الإنجليزي: يعتبر هذا القانون من أقدم التشريعات التي أقرت بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، والأخذ بهذا المبدأ يعتبر في الأصل من صنع القضاء، وأهم الاعتبارات التي دفعته لذلك يتمثل في أن الثورة الصناعية أدت إلى انتشار العديد من الأشخاص المعنوية الضخمة، مع تزايد عدد الجرائم المرتكبة من هذه الأشخاص، حيث أقر بمساءلة الأشخاص المعنوية جنائيا في بادئ الأمر عن جرائم الامتناع، فوسع من نطاق هذا الاستثناء وأقر بمساءلته عن جرائم السلوك الإيجابي، كجريمة الإزعاج العام. وقد ميز الفقه بين صورتين للمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية: الصورة الأولى: تتعلق بالمسؤولية المادية بدون خطأ وهي التي يكفي لقيامها مجرد تحقق الركن المادي، دون تطلب الركن المعنوي، ومن بين هذه الجرائم في القانون العام والتي أقرها القضاء الإنجليزي، هي جرائم الإزعاج العام، الأعمال الماسة بالراحة والصحة العامة، وتعريض الأمن العام للخطر، وبالنسبة للجرائم التنظيمية هناك جرائم التلوث،جرائم مخالفة لوائح المرور ولوائح بيع المشروبات الكحولية. الصورة الثانية:وهي المسؤولية الجنائية المبنية على الخطأ الشخصي التي تتطلب توافر الركن المعنوي لدى الجاني،وهي تقوم على أساس نظرية التشخيص أو التطابق التي تفيد أن الشخص الطبيعي الذي يتصرف لحساب الشركة فإرادته هي إرادة الشركة وأفعاله هي أفعالها، فهو يجسد الشركة فإذا توافرت لديه الإرادة الآثمة فإن هذا الإثم يكون إثم الشركة ذاتها، إلا أن جانبا من الفقه يرى بعدم جواز مساءلة الشخص المعنوي،إذا كان الشخص الطبيعي قد تصرف في حدود وظيفته لكن بقصد إلحاق ضرر بالشخص المعنوي، كما أن قيام مسؤولية الشخص المعنوي لا تحول دون معاقبة الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة[10]. ثانيا: القانون الفرنسي:لقد كان القانون الفرنسي القديم السابق على الثورة يأخذ بمبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، وعندما صدر قانون العقوبات لسنة1810 لم يتضمن أي نص بشأن المسؤولية للشخص المعنوي، الأمر الذي دفع الفقه إلى القول بأن المشرع يرفض تلك المسؤولية كقاعدة عامة، علي أن محكمة النقض خرجت عن هذا المقتضى وألزمت الشخص المعنوي بدفع الغرامات المحكوم بها على تابعيه، أو ممثليه في الجرائم المادية التي تقوم على توافر الركن المادي دون الركن المعنوي لدى الجاني. وقد أقر قانون العقوبات الفرنسي الجديد الصادر سنة1992 والمعمول به منذ أوائل مارس سنة1994، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية عن الجرائم التي ترتكب لحسابها بواسطة أجهزتها أو ممثليها، على أنه لا تستبعد معاقبة الأشخاص الطبيعيين الفاعلين أو الشركاء عن نفس الأفعال. ثالثا: القانون المغربي:لقد استقر قضاء المجلس الأعلى قبل صدور القانون الجنائي الحالي على رفع المسؤولية الجنائية عن الشخص المعنوي، وأكده في قرار له تحت عدد659 صادر بتاريخ2 يونيو1960، وبصدور القانون الجنائي سنة1962 أقر المشرع مبدأ مساءلة الشخص المعنوي جنائيا في الفصل127 من هذا القانون الذي أثار مواقف متباينة بين الفقهاء انقسمت إلى اتجاهين: الاتجاه الأول: يؤكد أن مسؤولية الشخص المعنوي جاءت على سبيل الاستثناء فقط. والاتجاه الثاني: يرى أن المشرع المغربي وضع قاعدة عامة لمساءلة الشخص المعنوي، دون تحديد قواعد هذه المسؤولية ولا شروطها، بالإضافة إلى أنه لم يحدد أنواع الأشخاص المعنوية التي يمكن مساءلتها جنائيا، بالإضافة إلى الحكم على الأشخاص المعنوية بالعقوبات الأصلية كالغرامة، والتدابير الوقائية العينية، كإغلاق المؤسسة،المصادرة، الحل، ونشر الحكم،وقد أشار الفقيه أحمد الخمليشي إلى أنه في حالة ارتكاب الشخص المعنوي لجناية فإنه يقدم إلى المحكمة الجنائية التي تصدر الحكم عليه بالعقوبات الواردة في (المادة127 ) أي لا يجوز لها الحكم بأية عقوبة غير منصوص عليها في هذه المادة[11]. كما أشار المشرع المغربي في القانون رقم22-01 المتعلقبالمسطرة الجنائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم255-02-1 بتاريخ3 أكتوبر2002[12] في بابه السادس المتعلق بأحكام خاصة ببطائق الأشخاص المعنوية من (المادة678)إلى (المادة686)،الهدف منها جمع المعلومات المتعلقة بالعقوبات أو التدابير الصادرة في حق الأشخاص المعنوية، أو في حق الأشخاص الذاتيين المسيرين لها. الفقرة الثانية: التشريعات التي لا تأخذ بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية تأخذ بعض التشريعات بالمذهب التقليدي الذي يرفض الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، كالقانون الألماني، والقانون الإيطالي، أولا: القانون الألماني: لا يعترف المشرع الألماني بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية،وإذا ارتكبت جريمة في نطاق أعمال الشخص المعنوي، فيسأل عنها الشخص الطبيعي الذي تصرف كممثل له، والمسؤولية هنا شخصية. وتمشيا مع سياسة الحد من التجريم،أنشأ المشرع الألماني سنة1975 مجموعة من الجرائم الإدارية ومسؤولية الشخص المعنوي في حال ارتكابها لا تعتبر مسؤولية جنائية، بل لها طابع إداري رغم أن الجزاء المفروض هو الغرامة. ثانيا: القانون الإيطالي: من المقرر في القانون الإيطالي أن الشخص المعنوي لا يسأل جنائيا، ولكن يمكن مساءلته مدنيا فقط، ويمكن اعتباره مسؤولا بالتضامن عن دفع الغرامة المفروضة على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة لمصلحته، وذلك عندما يكون المحكوم عليه معسرا. أما بالنسبة للجرائم الجنائية الإدارية المنصوص عليها في القانون الصادر سنة1981، فيرى الفقه أنه لا يوجد ما يمنع من مساءلة الأشخاص المعنوية عنها بحكم أن النصوص التي أشارت إلى مسؤولية الشخص المعنوي لم تقررها كمسؤولية مباشرة أو مستقلة، وإنما جعلتها مسؤولية تضامنية عندما ترتكب المخالفة من ممثل هذا الشخص أو أحد العاملين لديه أثناء تأدية عمله. وهناك بعض القوانين الخاصة التي صدرت في السنوات الأخيرة وأقرت صراحة المسؤولية الإدارية الجنائية للأشخاص المعنوية. ويتجه القضاء الإيطالي منذ السبعينات إلى الاعتراف بهذه المسؤولية، على أن يتحملها الشخص المعنوي مباشرة، كما هو الحال بالنسبة للتهرب الضريبي[13]. المبحث الثاني: نطاق المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي كما سبق أن أوضحنا أن الاتجاه الحديث في التشريع المقارن يعترف بمبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ، مما يعني أن هذه المسؤولية قد تجاوزت مرحلة الجدل الفقهي حول مدى ملاءمة الأخذ بها من عدمه،إلا أن نطاق تطبيقها يقتضي منا معرفة الأشخاص المعنوية التي تسأل جنائيا (المطلب الأول) و العقوبات التي تقع عليها( المطلب الثاني). المطلب الأول: المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية إن مساءلة الأشخاص المعنوية عن الجرائم التي تقترفها يقتضي منا معرفة شروط قيام هذه المسؤولية ومدى اختلافها من تشريع لأخر في مواجهة الأشخاص المعنوية؟إن الإجابة عن هذه الإشكالية يقتضي منا معرفة أنواع الأشخاص المعنوية ومدى مسؤوليتها جنائيا ( الفقرة الأولى) والجرائم التي تسأل عنها الأشخاص المعنوية( الفقرة الثانية). الفقرة الأولى:شروط قيام المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية من المقرر أن الأشخاص المعنوية عموما تنقسم إلى نوعين: أشخاص معنوية عامة تخضع للقانون العام، وأشخاص معنوية خاصة تخضع للقانون الخاص. كما أنه لم يقع خلاف بشأن مساءلة الأشخاص المعنوية الخاصة جنائيا، لكن التشريعات اختلفت بشأن إخضاع الأشخاص المعنوية العامة للمسؤولية الجنائية. فما مدى جواز ونطاق المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة؟ إن تحديد مسؤولية الشخص المعنوي جنائيا بوجه عام، يقتضي منا معرفة القواعد القانونية المتعلقة بتلك المسؤولية في مواجهة الأشخاص المعنوية الخاصة (أولا) ثم نبين نطاق المسؤولية الجنائيةللأشخاص المعنوية العامة (ثانيا). أولا: الأشخاص المعنوية الخاصة من المسلم به في التشريعات التي أقرت مساءلة الشخص المعنوي جنائيا، أن جميع الأشخاص المعنوية الخاصة تخضع للمسؤولية الجنائية، أيا كان الشكل الذي تتخذه، وأيا كان الغرض من إنشائها، أي سواء كانت تهدف إلى الحصول على الربح، كالشركات التجارية والمدنية، أو لا تسعى إلى تحقيق ربح مادي كالجمعيات والأحزاب السياسية.إل أن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو مدى خضوع التجمعات التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية للمسؤولية الجنائية؟ تقتضي الإجابة عن هذا السؤال التمييز بين ثلاثة اتجاهات في التشريع المقارن بالنسبة لهذا الموضوع: الاتجاه الأول: هو مذهب القانون الإنجليزي ومؤداه أن هذه التجمعات تسأل جنائيا عن بعض الجرائم المنصوص عليها في القانون المكتوب. الاتجاه الثاني:وهو مذهب قانون العقوبات الهولندي وهو يعترف بالمسؤولية الجنائية لهذه التجمعات. الاتجاه الثالث: وهو السائد في القانون الفرنسي،وهو يقر بالمسؤولية الجنائية على التجمعات التي تتمتع بالشخصية المعنوية. وإذا وقعت جريمة في نطاق أعمال جماعة لا تتمتع بالشخصية المعنوية، فيسأل عنها فقط الشخص الطبيعي الذي ارتكبها[14]. ثانيا: الأشخاص المعنوية العامة: تنقسم الأشخاص المعنوية العامة إلى نوعين: أشخاص عامة إقليمية كالدولة والجماعات المحلية والمدن والقرى. وأشخاص عامة مرفقيه كالهيئات والمؤسسات العامة. والسؤال المطروح في هذا الخصوص، هل من الملائم إقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة؟ وللإجابة عن هذا السؤال لابد من معرفة الخلاف التشريعي حول مدى جواز مساءلة الأشخاص المعنوية العامة جنائيا؟ ونطاق هذه المسؤولية في القانون الفرنسي لكونه وضع تنظيما مفصلا لأحكامها؟ تلكم هي بعض التساؤلات التي سوف نحاول الإجابة عنها كالتالي: لقد نصت بعض التشريعات صراحة على عدم جواز مساءلة الأشخاص المعنوية العامة جنائيا ومنها التشريع العراقي . بينما تعترف تشريعات أخرى بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، كما هو الحال في القانون الإنجليزي حيث لوحظ أن التطور القضائي بشأن إقرار هذا المبدأ في بداية القرن التاسع عشر، قد بدأ بإدانة بعض البلديات وهي أشخاص معنوية عامة. وفي فرنسا، أقر المشرع المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، باستثناء الدولة (المادة121-2 ) ويرى غالب الفقه أن هذا الاستبعاد يقوم على أساس أن الدولة هي صاحبة العقاب،مما يجعل من غير المتصور أن توقع العقوبة على نفسها، ،كما أقر إخضاع جميع الأشخاص المعنوية العامة الأخرى للمسؤولية الجنائية، كالمؤسسات العامة،والتجمعات ذات النفع العام،وغيرها إلا أن الملاحظ أنها لا تطبق عليها عقوبة الحل،و الوضع تحت الرقابة القضائية. إن الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية العامة، لاسيما عند قيامها بأنشطة تجارية أو مالية أو صناعية أو غيرها مما تمارسه أشخاص القانون الخاص،لا يتعارض مع مبدأ ضرورة استمرارية المرفق العام ، فضلا عن أنه أمر يتطلبه مبدأ المساواة أمام القانون، ويحقق فعالية العقاب،وبالتالي يكفل الحفاظ على مصلحة المجتمع. الفقرة الثانية:الجرائم التي تسأل عنها الأشخاص المعنوية إن الشخص المعنوي بحكم طبيعته لا يمكن أن يرتكب الجريمة بنفسه، وإنما يتصرف عن طريق شخص طبيعي يعبر عن إرادته( أولا) أو تكون الجريمة قد وقعت لحسابه (ثانيا). أولا: ارتكاب الجريمة من شخص طبيعي يعبر عن إرادة الشخص المعنوي: إن إسناد الفعل الجرمي للشخص المعنوي وفق هذا المبدأ يقتضي معرفة الشخص الطبيعي الذي ارتكاب الجريمة،وما إذا كان يملك التصرف باسم الشخص المعنوي، وبالتالي تعتبر الأفعال الصادرة عنه بمثابة أفعال الشخص المعنوي ذاته أم لا؟ فحسب القانون الإنجليزي، أنه يوجد لكل شخص معنوي، شخص طبيعي معين أو عدة أشخاص يتولون إدارته،والأفعال التي تقع من هؤلاء الأشخاص الطبيعيين والتي تدخل في نطاق أعمال وظيفتهم، تعتبر في نفس الوقت بمثابة أفعال الشخص المعنوي ذاته، وبالتالي يسأل عنها جنائيا مسؤولية شخصية،إذا كانت تشكل جريمة. وكذلك الشأن بالنسبة للقانون الفرنسي على أن قيام هذه المسؤولية لا يحول دون معاقبة الشخص الطبيعي عن ذات الجريمة[15]. ثانيا:ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي: يجب لقيام المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، أن تكون الجريمة قد وقعت لحسابه، أي ارتكبت بهدف تحقيق مصلحة له،كتحقيق ربح أو تجنب إلحاق ضرر به، ويستوي أن تكون هذه المصلحة مادية أو معنوية، مباشرة أو غير مباشرة،محققة أو احتمالية. والنتيجة المنطقية التي تترتب على هذا الشرط هي أنه لا يجوز أن يسأل الشخص المعنوي عن الجريمة التي يرتكبها أحد أجهزته أو ممثليه،لحسابه الشخصي،بهدف تحقيق مصلحته الشخصية، أو بقصد الإضرار بالشخص المعنوي. المطلب الثاني:العقوبات التي تقع على الأشخاص المعنوية تتعدد العقوبات والتدابير التي يمكن أن توقع على الأشخاص المعنوية، ويختلف نطاقها من تشريع لأخر، فكيف عالج المشرع المغربي وباقي التشريعات الأجنبية هذا الموضوع المتعلق بالعقوبات المقررة على الأشخاص المعنوية؟هذا ما سوف نبحثه من خلال تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين: الفقرة الأولى:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المغربي. الفقرة الثانية:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المقارن. الفقرة الأولى:العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المغربي. فالقانون الجنائي المغربي ومن خلال الفصل127[16] حدد نوعية العقوبات التي يمكن تطبيقها على الأشخاص المعنوية، وهي عبارة عن عقوبات مالية[17]كالغرامة (الفصل35 من ق ج)[18]، وعقوبات إضافية (الفصل36 من ق ج)[19] وهي: المصادرة الجزئية، حل الشخص المعنوي ونشر الحكم الصادر بالإدانة، أو عبارة عن تدابير وقائية (الفصل62 من ق ج )[20] وهي:مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة، أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها، وإغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة، وطبقا للمادة635 من قانون المسطرة الجنائية[21] فإنه يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حالة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة، وبالرجوع إلى نفس المادة نجده استثنىمن نظام الإكراه البدني بعض الحالاتوالأشخاص الطبيعيين دون ذكر الأشخاص المعنوية على أساس أن هذا الإجراء لا يمكن اتخاذه ضد الشخص المعنوي. كما تطرق المشرع المغربي للمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية في القوانين الزجرية الخاصة،كالقانون رقم13-83 المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع، والقانون رقم17-97المتعلق بحماية الملكية الصناعية. الفقرة الثانية: العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية في القانون المقارن وبالنسبة للتشريعات الأجنبية سوف نتطرق إلى ثلاثة قوانين: وهي القانون الإنجليزي(أولا) و القانون الهولندي(ثانيا) ثم القانون الفرنسي(ثالثا). أولا: القانون الإنجليزي: يلاحظ أن هذا القانون يقصر العقوبات التي توقع على الأشخاص المعنوية، على العقوبات المالية وفي مقدمتها الغرامة، كما يطبق عليها عقوبة الحل. ثانيا: القانون الهولندي:وفي القانون الهولندي، يحكم على الأشخاص المعنوية بالغرامة، المصادرة، نشر الحكم الصادر بالإدانة، وقف النشاط في الجرائم الاقتصادية، الحرمان من بعض الحقوق والمزايا،والوضع تحت الحراسة القضائية. ثالثا: القانون الفرنسي: لقد خصص المشرع الفرنسي مبحثا مستقلا للعقوبات التي توقع على الأشخاص المعنوية، وذلك في المواد من131-37 إلى131-49 من قانون العقوبات. وقد ميز بين عقوبات الجنايات والجنح، وهي: الغرامة،الحل،حظر مزاولة بعض الأنشطة،الوضع تحت الرقابة،غلق المؤسسات، الحرمان من دعوة الجمهور إلى الادخار،الاستبعاد من الأسواق،حضر إصدار شيكات،المصادرة،نشر الحكم. وقد استبعد المشرع الفرنسي، بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة131-39 من قانون العقوبات،بعض الأشخاص المعنوية من تطبيق عقوبة الحل، وهي: الأشخاص المعنوية العامة،الأحزاب والتجمعات السياسية،النقابات المهنية. وترجع علة ذلك إلى اعتبارات دستورية تتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات،والحرص على ضمان استمرارية المرافق العامة،كما أن حل الأحزاب والنقابات ينطوي على المساس بالحريات الأساسية إلا إذا ثبت أنه قد أنشئ بغرض ارتكاب الجرائم[22]
لم يتضمن قانون العقوبات نصا يقرر المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، لأن النصوص الحالية صيغت خصيصا للآدميين وما تقرره من عقوبات وإجراءات يصعب تطبيقها دون تعديل على الشخص المعنوي. واستقر القضاء على أنه فيما عدا الأحوال الاستثنائية المنصوص عليها قانونا لا يجوز مساءلة الشخص المعنوي جنائيا عن الجرائم التي يقترفها وإنما يسأل عنها الأعضاء الذين يمثلونه، كما لو ارتكبوها باسمه ولحسابه الخاص فتوقع علية العقوبات المقررة له، وفي ذلك تقول محكمة النقض "إن الأصل أن الأشخاص الاعتبارية لا تسأل جنائيا عما يقع من جرائم أثناء قيامهم بأعمالهم، بل إن الذي يسأل هو مرتكب الجريمة شخصيا"([1]). وبناء على ذلك لا تقام الدعوى الجنائية على الشخص المعنوي نفسه، إنما تقام على ممثليه الذين تنسب إليهم المساهمة في الجريمة المرتكبة لحساب هذا الشخص، كما أنه لا يجوز الحكم بعقوبة واحدة ضد الشخص المعنوي، وإنما يحكم بعقوبة تقوم بذاتها على كل واحد من ممثلي ذلك الشخص ممن ثبتت مساهمته في الجريمة التي وقعت. وفي حالة معاقبة ممثل الشخص المعنوي بالغرامة فإنه يجب تنفيذها على أمواله هو لا على أموال الشخص المعنوي، وقد ترد على هذه القاعدة قيود محلها أن يكون من طبيعة العقوبة أن تنفذ على مال معين بالذات، فإن كان هذا المال للشخص المعنوي نفسه نفذت العقوبة فيه على الرغم من أنه ليس ملكا للمسؤول عن الجريمة وهو ممثل الشخص المعنوي، والقول بغير ذلك يعني تعطيل تنفيذ حكم القانون بالامتناع عن تنفيذ عقوبة قضى بها طبقا لأحكامه، كما إذا حكم بإغلاق المحل المدار دون ترخيص أو مصادرة مال تعد حيازته جريمة، أو هدم بناء خارج عن خط التنظيم أو مبني بدون ترخيص من السلطة المختصة، فهذه العقوبات واجبة التنفيذ ولو كان المحل أو البناء مملوكا للشخص المعنوي.
نعم المسئولية الجنائية تقع علي الاشخاص المعنوية وتوجد عقوبات مثل التصفية للشركة والغرامة
ان الشخص المعنوي هو اعتباري ويوجد اشخاص طبيعين يمثلونه ، ولا يجوز الحكم عليه الا بالغرامة لعدم تصور الحكم عليه بالعقوبات السالبة للحرية كالحبس ، وعلى الاغلب يصار الى اقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الافعال الضارة التي ترتكب بأسم الشخص المعنوي وذلك بالاستناد الى قاعدة مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعيه في القانون المدني ، ويتطلب ثبوت المسؤولية التقصيرية للتابعين لكسب الدعوى ...