أنشئ حسابًا أو سجّل الدخول للانضمام إلى مجتمعك المهني.
المسؤولية المدنية هي الالتزام بتعويض الضرر المترتب على الإخلال بالتزام أصلي سابق، والالتزامات الأصلية ينشأ بعضها من العقد، والبعض الآخر من القانون.لذا فقد جرى الفقه على التمييز بين نوعين من المسؤولية المدنية، فتعرف المسؤولية الناشئة عن الإخلال بالتزام عقدي مسؤولية عقدية، والمسؤولية المترتبة عن الإخلال بالتزام قانوني مسؤولية تقصيرية([1])، ويفترض النوع الأول من المسؤولية قيام رابطة عقدية بين المسؤول والمضرور، أما المسؤولية التقصيرية فتقوم حين تنتفي هذه الرابطة بينهما.ومتى أخل شخص بالتزام مقرر في ذمته وفسقا لأحد نوعي المسؤولية المدنية، وترتب على هذا الإخلال ضرر للغير، أصبح مسؤولا قبل المضرور وملتزما بتعويضه عما أصابه من ضرر.ولقد كان الالتزام بالتعويض عن الضرر يقوم على فكرة عقاب المخطئ في ظل الشرائع البدائية والقانون الروماني والقانون الفرنسي القديم، ثم بدأ التعويض يقتصر على الوظيفة الإصلاحية التي تهدف إلى جبر الضرر وهذا في ظل فقه الشريعة الإسلامية من ناحية وفيما خلص إليه القانون الفرنسي القديم، لتصبح هذه الوظيفة هي الوظيفة الوحيدة للتعويض بوضع التقذين المدني الفرنسي([2])، وتنفصل بذلك المسؤولية المدنية عن المسؤولية الجنائية.ولقد قنن المشرع الجزائري أحكام التعويض في المواد من124 إلى133 ثم من المادة182 إلى187 من التقنين المدني مستمدا إياها من التقنين الفرنسي، ناقلا الفكر الذي استقر عليه هذا الأخير، باعتبار أن وظيفة التعويض هي الإصلاح لا عقاب المخطئ.وإن كان الأمر لا يتوضح في الإصطلاح العربي المخصص لفكرة جبر الضرر، وهو مصطلح "التعويض" من خلال المواد السالفة الذكر، فإن استعمال مصطلح "réparation" باللغة الفرنسية، والذي يترجم إلى العربية "بالإصلاح" لا يدع مجالا للشك حول نية المشرع من تقرير التعويض.وتهدف الوظيفة الإصلاحية للتعويض إلى جبر الأضرار اللاحقة بالمضرور، دون حاجة إلى التعويض الكامل الذي ارتبط بتأسيس المسؤولية على الذنب الأخلاقي. وبابتعاد المسؤولية عن هذا الأساس بدأت فكرة التعويض الكامل تقل ليحل محلها التعويض العادل.وتقدير هذا التعويض قد يقوم به المشرع بالنص الصريح أحيانا أو عن طريق تحديد المسؤولية بحد أقصى أحيانا أخرى، وهو التقدير القانوني للتعويض، وقد يتركه لاتفاق الأطراف يقومون به وفقا لما يبدو لهم من ظروف المعاملات وملابساتها وهو التقدير الإتفاقي للتعويض، وفي كلا حالتي التقدير هاتين يكون القاضي ملزما بهذا التحديد.وأخيرا قد يمنح المشرع حرية مطلقة للقاضي لتقديره، وذلك هو التقدير القضائي للتعويض.وهذا هو الأساس الذي اعتمدت عليه في إعداد هذه الدراسة، فجعلت "القاضي" هو محور تقسيمها، لأني أردتها أن تكون دراسة تطبيقية، فقسمت البحث إلى فصلين جعلت الفصل الأول للتقدير الملزم للقاضي والذي يشمل التقدير القانوني والتقدير الإتفاقي للتعويض، أما الفصل الثاني فخصصته للتقدير القضائي للتعويض وعنونته بحرية القاضي في تقدير التعويض، لأنه متى زال النص أو الإتفاق المحدد للتعويض أطلقت يد القاضي في تقديره وفقا لضوابط معينة سنبينها من خلال هذه الدراسة.وقد قسمت هذا الفصل بدوره إلى شطرين، خصصت الشطر الأول لتحديد المجال الذي ينصب فيه التقدير القضائي للتعويض وهو الضرر المستحق للتعويض .أما الشطر الثاني فيتعلق بسلطة القاضي في تقدير هذا التعويض ورقابة المحكمة العليا عليه.