أنشئ حسابًا أو سجّل الدخول للانضمام إلى مجتمعك المهني.
اتفق مع اجابه الاستاذ ابراهيم عبد المبدي فهمي لا يجوز
إختلف فقهاء الشريعة الإسلامية في حكم تولي المرأة القضاء إلي ثلاثة مذاهب :
· المذهب الأول :
وإليه ذهب جمهور الفقهاء من المالكية إلا إبن القاسم والشافعية والحنابلة إلي أنه لا يجوز تولي المرأة القضاء في أي أنواع القضايا سواء كانت قضايا في الأموال أو في القصاص أو في الحدود أو في غيرها أو سواء كان موضوع النزاع بين رجال فقط أو بين نساء فقط أو بين نساء ورجال وكان من ولاها آثماً ولا ينفذ حكمها حتي ولو كان موافقا للحق وكان من الأمور التي تقبل فيها شهادتها .
· المذهب الثاني :
وبه قال الأحناف حيث أنهم يرون أن المرأة لا يجوز توليتها القضاء ولكن إذا وليت صحت توليتها وآثم موليها وأحكامها نافذه في غير الحدود والقصاص ولا يصح ولا ينفذ في الحدود والقصاص ولو وافق الكتاب والسنة لفقدان الولاة في ذلك ، فالأحناف متفقون مع الجهور علي عدم جواز تولية المرأة القضاء لكن الخلاف بينهم "فيما لو وليت وآثم المولي ، فالجمهور يقولون بعدم صحة حكمها مطلقا والحنفية يقولون بصحته في غير الحدود والقصاص بشرط أن يكون موافقا لحكم الشرع .
· المذهب الثالث :
وذهب إليه قول لإبن حزم وإبن جرير الطبري إلي أنه يجوز تولي المرأة القضاء وحكمها صحيح في الحدود والقصاص وغيرها .
الأدلة التي إستند إليها كل مذهب
أدلة المذهب الأول :
إستدل أصحاب المذهب الأول وهم جمهور فقهاء المسلمين لما ذهبوا إليه بالكتاب والسنة والإجماع .
(أ) الكتــــاب :
قوله تعالي " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ "([1]).
وجه الدلالة من هذه الآية الكريمة :
إن الله سبحانه وتعالي جعل القوامة للرجال علي النساء لرجاحة العقل وكمال الدين ، لأن من كان في حاجة إلي القوامة علية لا يصح أن يكون هو قواماً علي غيره ، ولو جاز تولية المرأة القضاء لكانت لها القوامة وهو عكس ما تفيده الآية الكريمة .
(ب) السنــــة :
1- مارواه البخاري عن أبي بكر – رضي الله عنه – قال لما بلغ رسول الله ((ﷺ)) أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسري قال " لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة"([2]).
وجه الدلالة في الحديث :
أن الرسول ((ﷺ)) نفي الفلاح عن قوم جعلوا أمرهم نسائهم والقضاء من أهم أمورهم ، فلا يصح أن تتولاه المرأة ذلك أن الرسول ((ﷺ)) لا يقصد بهذا الحديث مجرد الإخبار عن عدم الفلاح للقوم الذين ولوا أمره إمرأة ، لأن وظيفة الرسول ((ﷺ)) الكريم بيان ما يجوز لأمته أن تفعله حتي تصل إلي الفلاح ، وهما لا يجوز لأمته أن تفعله حتي تسلم من السر ، ولقد قصد النبي بهذا الحديث نهي أمته عن مجاراة الفرس في إسناد شئ من أمورهم العامة إلي النساء وإختار إسلوب لذلك يؤكد أن عدم الفلاح ملازما لتولية المرأة أمرهم([3]).
2- ما رواه أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي ((ﷺ)) قال " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ، قلن وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله ، قال أليس شهادة المرأة نص شهادة الرجل ، قلن بلي ، قال فذلك نقصان عقلها ، قال أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ، قلن بلي ، قال فذلك نقصان دينها "([4]).
(ج) الإجمـــــاع :
إن إجتاع الفقهاء والأئمة قبل عصر إبن حزم منعقد علي عدم صلاحية المرأة للإمام العظمي بدليل قولة " لن يفلح قوم ولو أمرهم إمراة " فيقاس القضاء عليا بجامع أن كلا منهما ولاية عامة فتكون ممنوعة وغير صالحة لتولي القضاء كما أنها ممنوعة وغير صالحة للإمامة العظمي ؟
أدلة المذهب الثاني :
إستدل الأحناف بالأدلة التي ذكرها مذهب الجهور لأنهم متفوق مع الجمهور من حيث المبدأ علي أنه لا يجوز تولي المرأة القضاء إلا أنهم خالفوا الجمهور "فيما لو وليت وآثم المولي ، فالجمهور يقولون بعدم صحة حكمها مطلقا والحنفية يقولون بصحته في غير الحدود والقصاص بشرط أن يكون موافقا لحكم الشرع .
أدلة المذهب الثالث :
إستدل أصحاب المذهب الثالث والقائلين بجواز تولي المرأة مطلقا بالسنة والأثر والقياس علي النحو التالي :
(أ) السنـــــة :
ما رواه عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي ((ﷺ)) قال" المرأة راعية علي أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم"([5]).
وجه الإستدلال بهذا الحديث :
أن الرسول ((ﷺ)) أثبت للمرأة ولاية الرعاية علي مال زوجها وولده وجعلها مسئولة عن ذلك ، حيث ثبت لهال الرعاية فيكون حق ولاية القضاء ثابتاً لها بطريق النص ، ويكون حكم ولايتها للقضاء موافقا للسنة ، وهي ولاية المرأة لرعاية مال الزوج من تربية الأولاد والقيام علي شئونهم .
(ب) الأثـــر :
ورد أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قدم إمرأة علي حسبة السوق تسمي الشفاء بنت عمرو فيجوز للمرأة تولي القضاء بجامع أن كلا من الحسبة والقضاء ولاية عامة .
(ج) القيــاس :
القضاء كالإفتاء بجامع الإخبار في كل ، وكلاهما مظهر لحكم الشرع فكما يجوز أن تكون المرأة مفتية يجوز أن تكون قاضية .
مناقشة أدلة المذاهب والترجيح
مناقشة أدلة المذهب الأول :
مناقشة الدليل من الكتــــاب :
نوقش هذا الدليل بأن المراد بالقوامة في الأية الكرية هي القوامة الخاصة وخي القيام علي أمور الأسر والذي يؤدي ذلك سبب نزول الأية فقد روي أن سعد بن الربيعه نشذت إمرأته فلطمها فأتت النبي ((ﷺ)) شاكية فقال لها بينكم القصاص فأنزل الله قولة تعالي " فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ"([6]) فأمسك النبي ((ﷺ)) حتي نزول قوله تعالي " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ "([7])وهذا دليل علي أن المراد بالقوامة قوامة الزوج علي زوجته بالتأديب.
مناقشة الدليل من السنــــة :
- الحديث الأول : نوقش هذا الدليل بأن الرسول ((ﷺ)) قال هذا في الأمر العام وهو الخلافة فيكون الدليل علي ذلك سبب ورود الحديث ، لأنه قال حين سمع أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسري فيكون الحديث وارد افي الولاية العظمي وليس القضاء .
- الحديث الثاني : قالوا أن السر في منع المرأة من الولايات العامه هو نقصان عقلها ودينها ـ وهي علة منصوص عنها في السنة الصحيحة، وهي شئ من لوازم المرأة لا ينفك عنها لأنه فطري ، فحصيلى هذا الدليل أنه ثبت في السنة النهي عن تولية المرأة الولايات العامة([8]) .
مناقشة أدلة المذهب الثانــــي :
قالوا أن ما ذكره الأحناف بأن علة النهي عن تولية المرأة القضاء هو نقصان العقل وهذا لا يفيد فساد التولية ولا سلب ولايتها للخلاف في كون النهي عن الشئ لمعني في ذات الشئ كالنهي عن الشئ فلا يتخذ أساس يبني علية مثل هذا الحكم .
مناقشة أدلة المذهب الثالث :
مناقشة الدليل من السنــــة :
- الحديث الأول : يمكن مناقشة هذا الدليل بأن الحديث قاصر علي ولاية المرأة في رعاية زوجها وهذا أمر خاص بخلاف القضاء فهو أمر عام .
مناقشة الدليل من السنــــة :
لم يصح أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قدم إمرأة علي حسبة السوق ، فإنما هو من دسائس المبتدعة في الحديث([9]) .
أيضا لو سلمنا بصحة الحديث فيكون عمل الشفاء مقصورا علي مراقبة البائعات من النساء لكي لا يقع في تصرفاتهن غش أو تدليس أو ربا ، فالأمر بالمعروف بهذا الإعتبار لا يكون من باب الولاية العامة في شئون المسلمين بل يكون من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([10]) .
مناقشة الدليل من السنــــة :
إن قياس القضاء علي الإفتاء قياس مع الفارق لان الفتيا إخبار لا إلزام فيه بخلاف القضاء فهو إخبار علي وجه الإلزام .
المذهب الراجح :
بعد أن ذكرنا آراء الفقهاء وأدلتهم في حكم تولي المرأة للقاء يتبين لنا أن الرأي الراحج هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء القائلين بأن الذكورة شرط لتولي منصب القضاء لقوة أدلتهم من الكتاب ، والسنة ، وضعف أدلة المخالفين لكثرة المناقشان التي وردت عليها والذي يدل علي رحجان مذهب الجهور أيضا لما يلي :
1- إن الرجال لهم الأفضلية في زيادة العقل والتدبير فجعل الله لهم حق القيام علي النساء ولذلك فلو جاز تولية المرأة القضاء لكانت لهن القوامة علي الرجال وقد حصرت الأية الكريمة القوامة في الرجال دون النساء ، فلا يجوز تقرير العكس فإن قيل قد يكون لبعض النساء من الصفات المتميزات ما ليس لبعض الرجال نقول : بأن الذي فيه هذه الصفات كلها مجتمعة وغالباً في جنس الرجال علي جنس النساء ، كما إن ولاية المرأة للقضاء تندرج تحت النهي الوارد في قولة ((ﷺ)) "لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة " فتوليها علي قوم يدل علي عدم فلاحهم والمسلمون يسعون للفلاح في الدنيا والاخرة([11]) .
2- كما إن الإسلام الذي كان رسالة تحرير المرأة من ظلم الجاهلية وظلامها عندما يورد حديث النساء حديث النساء ناقصات عقل ودين لا يمكن أن نفهم منه ما فهمه بعض المستشرقين وضعاف الإيمان ، إن هذا الحديث يحدد موقف الإسلام من المرأة ونظرته إليها ، فالبعض قد فسر نقص العقل بما يدل علي ضعف الذاكرة في شئون الحياة ونقص الدين بما يدل علي الحرمان من بعض العبادات في وقت الحيض فهو أقرب إلي التعبير من تعجب الرسول الكريم من هذا التناقض وكأنه يقول ((ﷺ)) " أيتها النساء إذا كان الله قد منحكن القدرة علي الذهاب بلب الرجل الحازم برغم ضعفكن ، فإتقين الله ، ولاتستعملينها إلا في الخير والمعروف ، فإنظر إلي حكمة الله تعالي كيف وضع القوة في فطنة الضعف ، وأخرج الضعف من فطنة القوة"([12]) .
3- وحيث أن القضاء يحتاج إلي إجتهاد الرأي وكمال الإدارك والتبصر في الأمور والتفهم ، والمرأة خلقت علي طبيعة خاصة تتناسب ورسالتها في هذه الحياة فنجدها غالبا ما يتأثر قرارها بالعاطفة ، ومن مظاهر تلك العاطفة أننا نجدها سريعة البكاء وفي الوقت نفسه سريعة البسمة ، وهذه العاطفة لا تتفق وتقليد هذا المنصب الذي يحتاج إلي رباطة جأش وقوة صبر([13]) .
4- قولة تعالي "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ" ([14])هذه الأية الكريمة تأمر بالمكوث في بيتها والعكوف علي رعاية مصالح بيتها وأولادها وهذه الأعمال تتعارض مع ولايتها للقضاء الذي يحتم عليا أن تخرج مع الرجال وتختلط بعم وتزاحمهم في المجامع والمحافل ، وتتصدي لمناقشتهم في الشئون العامة ، وفي ذلك أثر خطير علي كيان المرأة الإجتماعي والخلقي، فالإسلام أحط عزة المرأة وكرامتها بسياج منيع من تعاليمه الحكيمة وحمي أنوثتها وإطلاقها من العبث والعدوان فرحم الخلوة بها والنظر إليها وأوجب عليها أن تبقي في بيتها لتتفرغ لوظيفتها الأولي ، ولا تخرج إلا لحاجة مشروعة أو ضرورة قاضي ، وهذا وغيرة ، ومما ورد في أدلة الجمهور يتبين لنا أن الرأي الراجح هو ما ذهب إلية جمهور الفقهاء .
([1]) سورة النساء الأية رقم (34).
([2]) صحيح البخاري ج 13 صـ53.
([3]) د/محمود محمد مفتاح : القضاء في الإسلام صــ13.
([4])كتاب الإختيار لتعليل المختار في الفقه الحنفيصـ204.
([5]) صحيح البخاري ج13 صـ11.
([6]) سورة طه الأية رقم (114).
([7]) سورة النساء الأية رقم (34).
([8]) د،محمد رأفت عثمان : النظام القاضي في الفقه الإسلامي مرجع سابق صــ131.
([9]) أحكام القرآن لإبن العربي ج3 صــ1457 ، تحقيق علي البخاري.
([10]) د/عبدالباري حمدان ،د/منتصر يوسف ، د/صبري جلبي أحمد: نظام الحكم في الإسلام ،مرجع سابق صـ157وما بعدها.
([11]) د/محمود محمد مفتاح : القضاء في الإسلام صــ 141.
([12])([12]) د/عبدالباري حمدان ،د/منتصر يوسف ، د/صبري جلبي أحمد: نظام الحكم في الإسلام ،مرجع سابق صـ 121.
([13]) د/عبدالباري حمدان ،د/منتصر يوسف ، د/صبري جلبي أحمد: نظام الحكم في الإسلام ،مرجع سابق صـ 121.
([14]) سز\\ورة الأحزاب الأية رقم (35) .