أنشئ حسابًا أو سجّل الدخول للانضمام إلى مجتمعك المهني.
التحكيم هو قضاء اتفاقي على الرغم من أن الآراء الفقهية قد جاء بعضها بنقاشات طويلة تتجدث حول الطبيعة القانونية لاتفاق التحكيم ، وسنحاول في هذه المدونة تناول المواضيع المتعلقة بالتحكيم بشكل مفصل. وقد نحى البعض للقول أنه اتفاق ذو طبيعة خاصة وكان هذا الرأي مدعوماً بورود بعض الشروط الخاصة التي يجب أن تتوافر في اتفاق التحكيم ؛ حيث أن قانون التحكيم قد تناول بعض المسائل المهمة في اتفاق التحكيم مثل زمانه؛ حيث أجاز أن يكون زمان هذا الاتفاق سابقاً أو لاحقاً لنشوء النزاع (وهذا ما يطلق عليه في فقه التحكيم شرط التحكيم و مشارطة التحكيم )، وكذلك من حيث الشكل؛ حيث نص المشرع على أن اتفاق التحكيم يجب أن يكون مكتوباً، وهذا ما عالجته المواد 9 و 10 من قانون التحكيم .
وسنحاول في هذه المدونة تناول أكبر قجر ممكن من المواضيع المتعلقة بقانون التحكيم سواء من حيث النصوص التشريعية أو فقه التحكيم أو قرارت المحاكم، وكل ذلك بالقدر الذي يساعد الباحث على الوصول إلى المعلومات الأولية والأساسية التي تعطي مفاتيح البحث في المواضيع التفصيلية والمفاتيح اللازمة للبحث المعمق.
ابتداءً يجب أن نقول أن القانون لم يحدد شكلاً واضحاً للاتفاق ، وأن التفريق بين شرط التحكيم و مشارطة التحكيم هو تفريق فهي مرتبط بزمان نشوء اتفاق التحكيم ، حيث اعتبر الفقه اتفاق التحكيم السابق على نشوء النزاع هو شرط التحكيم، أما الاتفاق اللاحق لنشوء النزاع فسماه الفقه مشارطة التحكيم على التحو التفصيلي الآتي:
شرط التحكيم : هو اتفاق أطراف علاقة قانونية معينة على إحالة أي نزاع مستقبلي ينشأ بينهما إلى التحكيم من خلال إشارة صريحة إلى ذلك في نصوص العقد أو الاتفاقية التي تتضمن هذه العلاقة القانونية أو حتى في وثيقة منفصلة تتضمن اتفاق التحكيم، وغالباً في العلاقات القانونية التجارية -الدولية منها تحديداً – ما يشير الأطراف إلى شرط التحكيم. ومثاله أن يرد في العقد نص مفاده أنّ (( أي نزاع ينشأ بين الطرفين يتم إحالته / الفصل فيه عن طريق التحكيم)) وقد يرد عبر أي صيغة أخرى تفيد اتجاه نية الاطراف إلى اللجوء للتحكيم.
ويمكن أن يكون نص الشرط عامّاً بحيث يحال أي نزاع مهما كان نوعه من ضمن ذلك الإتفاق إلى التحكيم. ويمكن أن يكون ذلك النص خاصاً؛ بحيث يحدد نزاعات معينة في حال نشوئها فإنها تحال للتحكيم ( كأن يكون الاختلاف حول تفسير العقد مثلاً، أو الاختلاف حول تنفيذ العقد مثلاً أو حتى ما يتعلق بالخلافات المالية الناجمة عن العقد هو ما يتم الفصل فيه عن طريق التحكيم).
وهنا يجب أن نشير إلى أن الأفضل والأحوط أن يكون شرط التحكيم عاماً ومتناولاً للاتفاق على اللجوء للتحكيم بشكل عام دون الخوض بتفاصيل قد تتسبب في إشكالات تلاحق الشرط فيما بعد، وخصوصا أن الاتفاق بين الخصوم يصعب بعد نشوء النزاع.
* يجدر الإشارة هنا إلى أن بعض التشريعات تنص على وجوب أن يكون شرط التحكيم وارداً في وثيقة منفصله عن العقد الأصلي، وذلك حمايةً لحقوق المتعاقدين. أو حتى بارزاً بشكل تسهل ملاحظته؛ فمثلا نجد المادة (924/4) من القانون المدني الأردني تنص على بطلان شرط التحكيم الوارد في وثيقة التأمين مالم يكن هذا الشرط وارداً في اتفاق خاص مستقل عن وثيقة التأمين المطبوعة. وهذا الاستثناء ضروري جداً لأن بعض الوثائق كوثيقة التأمين تتضمن مجموعة من الشروط التي قد لا يقوم أطراف العلاقة في الغالب بقراءة كافة الشروط الواردة فيها، نظراً لضخامة هذه الوثائق وكثرة شروطها، وكثرة المتعاملين بها، فتطلب المشرع أن ترد في شرط خاص بحيث يكون المتعاقد مع شركة التأمين على علم بأنه يقبل اللجوء إلى التحكيم، في حال حدث نزاعٌ ما فيما بينه وبين المؤمّن، والخطورة في ذلك تكمن في أن موافقته هذه تعني نزع الاختصاص من القضاء النظامي، واللجوء للتحكيم في حال تم الدفع بشرط التحكيم. فرأى المشرع أنه ومن خلال اشتراط ورود مثل هذا الشرط في وثيقة منفصلة يُمكّن المتعاقد وبشكلٍ واضح من ملاحظة وجود شرط التحكيم.
- مشارطة التحكيم : هو اتفاق أطراف علاقة قانونية معينة على إحالة أي نزاع ناشئ بينهما إلى التحكيم؛ فمشارطة التحكيم تكون بعد نشوء النزاع فيتفق اطرافه على أن يتوجهوا إلى التحكيم لحلّه والفصل فيه. وفي الواقع العملي فإن مشارطة التحكيم يضمنها الأطراف إلى اتفاق مرجعية التحكيم الذي سنعرّفه فيما بعد. وكما سبق وأشرنا فإن مشارطة التحكيم كما شرط التحكيم قد تتضمن مسائل محددة يثور النزاع حولها ولا يعني ذلك أن باقي المسائل التي لم ترد في مشارطة التحكيم هي محل نزاع أو أن حلّها داخل ضمن حدود اتفاق التحكيم، وكل ما لم يتفق على اللجوء في حلّه للتحكيم -في حال تحديد مسائل النزاع- فإن حلّه ضمن القواعد العامة يكون لصاحب الاختصاص الأصيل وهو القضاء النظامي.
ويمكن لنا القول ومن خلال ما سبق أن شرط التحكيم يمكن أن يتميز عن مشارطة التحكيم بأن المشارطة غالباً ما تكون محددة ومحصورة في الموضوع، لأن النزاع قد نشأ، وتم معرفة أطرافه وموضوعه، أما الشرط فيكون عند إبرام العلاقة القانونية، وغالباً ما يكون عاماً، وغير منحصر في نقطة معينة دون غيرها -في الغالب-. وليس هناك أثر عملي للتفرقة فيما بين الشرط والمشارطة في التشريع الاردني حيث أنها مسألة فقهية كما أشرنا.