Register now or log in to join your professional community.
هناك فارق كبير بين النفط الصخري والصخر النفطي، على الرغم من كثرة تداول الاثنين حتى بين المهتمين، ولا نقول المتخصصين في شؤون مصادر الطاقة، على أنهما اسمان لشيء واحد، فالنفط الصخري نفط عادي يوجد في الطبيعة على الحالة السائلة، داخل مسام صخور شبه صماء لا تسمح له بالجريان دون فتح ممرات شعرية توصل بين مسامه إلى حيث فتحة بئر الإنتاج. وأحيانًا يُطلق عليه نفط الصخور الصماء أو عديمة النفاذية، نسبة إلى طبيعة الصخور الحاملة له. أما الصخر النفطي فهو عبارة عن مادة صلبة تتكون من مادة عضوية من الممكن تحويلها إلى الخاصية النفطية.
ويوجد بكميات هائلة على هيئة صخور داكنة في جبال كولورادو في الولايات المتحدة. وبطبيعة الحال، فإن لكل منهما طريقة خاصة لإنتاجه. فإنتاج النفط الصخري يتم عن طريق ما يُسمى عملية التكسير الهيدرولوكي، وهي عملية مكلِفة ماليًّا ولها آثار سلبية في البيئة السطحية وربما في الطبقات الأرضية الحاملة للمياه الجوفية.
وتتطلب العملية وجود عدد من المعدات الثقيلة باهظة الثمن ومضخات ذات قدرة كبيرة على ضخ السوائل تحت ضغط مرتفع. وعادة تقوم شركات متخصصة بتأمين المعدات وعمل جميع الترتيبات اللازمة وضخ السوائل المطلوبة من خلال فوهة بئر الإنتاج، ومن ثم استقبال جزء من السائل الفائض عن حاجة عملية التكسير. وهذا الجزء هو الذي يسبب تلوثاً للبيئة المحيطة بالبئر إذا لم يُعالج ويُنقل في صهاريج خاصة إلى مكان آمِن. وتحتاج البئر الواحدة إلى كمية كبيرة من الماء قد تصل إلى خمسة ملايين جالون، مع خليط من المواد الكيماوية وكمية من الرمل الخشن. والغرض الرئيس من العملية، كما يدل عليه اسمها، هو تكسير الصخور الصلبة تحت ضغط الضخ وإحداث شقوق شعرية يندفع من خلالها السائل النفطي إلى محيط البئر، ليتم إنتاجه كأي بئر عادية. ومهمة المواد الكيماوية المساعدة على تليين الصخور ليسهل تكسيرها. وأثناء عملية التكسير تندفع الحبيبات الرملية لتستقر في الشقوق الصخرية التي أحدثها التكسير وتبقيها مفتوحة بعد زوال ضغط عملية التكسير.
ومن الخصائص المتميزة في إنتاج النفط الصخري أن كميته قليلة جدا مقارنة بإنتاج النفط التقليدي، وأن بئر الإنتاج تفقد أكثر من في المائة من إنتاجها خلال السنة الأولى. ويتدرج نزول الإنتاج لسنتين أو ثلاث حتى يصل إلى مستوى غير اقتصادي. ويكون هناك اختياران، إما إعادة عملية التكسير أو حفر بئر جديدة، وكلاهما مكلف. وتراوح تكلفة بئر الإنتاج في الولايات المتحدة من أربعة إلى ثمانية ملايين دولار. فإذا أخذنا في الاعتبار توافر عامل المنافسة بين الشركات المتعددة هناك واليد العاملة المدربة، فإن جلب إحدى تلك الشركات إلى خارج أمريكا، كمنطقة الشرق الأوسط، سيدفع بالتكاليف إلى الضعف على أقل تقدير. ناهيك عن ندرة المياه في البيئات الصحراوية.
أما عن الصخر النفطي، وهو يشبه إلى حد ما الرمل النفطي، الموجود بكميات كبيرة في كندا، فهو بطبيعته مادة صلبة ويتم إنتاجه بتحويله إلى الحالة السائلة عن طريق التسخين. فإذا كان وجوده في الطبيعة على سطح الأرض أو على عمق قليل، فأفضل طريقة هي تحويل الموقع إلى منجم ونقل المادة النفطية الصلبة إلى أماكن خاصة للتسخين أو تعريضه للحرق في وسط بيئة خالية من الأكسجين. وهي أيضا عملية مكلفة جدا وتترك آثارًا ومناظر مؤذية حول موقع الإنتاج ويكون من الصعب أو ربما المستحيل إعادة البيئة إلى طبيعتها الأصلية. أما إذا كان موقع الصخر النفطي أكثر عمقاً ويصعب الوصول إليه وتحويله إلى منجم، فالطريقة الوحيدة لإنتاجه ضخ كميات كبيرة من السوائل مرتفعة الحرارة من أجل العمل على إذابته داخل مكامنه ومن ثم إنتاجه عن طريق حفر آبار تصل إلى عمق المكمن. ومن المحتمل أن الإنتاج من الصخر النفطي لن يتم بصورة تجارية إلا في حالة وصول سعر البرميل إلى ما يقارب دولار.
وهناك من يظن أن إنتاج النفط الصخري كان نتيجة لتطوير طرق تقنية جديدة أسهمت في تسهيل استخراج هذه النوعية من النفوط، أو أن ذلك حصل بعد أن تم اكتشاف كميات تجارية من النفوط غير التقليدية، وهذا غير دقيق. فالنفط الصخري كان معروفًا وجوده منذ عقود طويلة. وعملية التكسير الهيدرولوكي بكل مكوناتها وتفاصيلها كانت هي الأخرى معروفة منذ زمن وتعمل بها معظم شركات النفط حول العالم. أما الذي دفع بالمنتجين أخيرا إلى اللجوء إلى إنتاج النفط غير التقليدي عالي التكلفة فهو المستوى الحالي للأسعار التي تجاوزت المائة دولار للبرميل، ولا شيء غير ذلك. وعندما تصل أسعار النفط إلى مستويات قياسية جديدة، كما هو مُتوقع، فسنرى العجب من كثرة مصادر توليد الطاقة عالية التكلفة، ما عدا ربما الطاقة الشمسية التي من المؤكد أنها ستكون تكلفتها أقل حتى من أسعارها الحالية، وذلك من فضل الله على البشرية.
بدأ إنتاج النفط الصخري منذ بضع سنوات. وعلى الرغم من أن الإنتاج الحالي لا يتجاوز المليون و ألف برميل يوميًّا، يتدفق من عشرة إلى ألف بئر وبمساعدة مئات الحفارات، إلا أنه لا يزال مصحوبًا بضجة إعلامية هائلة. وبتنبؤات وتوقعات من غير أهل الاختصاص تضع الولايات المتحدة خلال بضع سنوات في مقدمة المنتجين في العالم. والذين يروجون لهذا الزخم الإعلامي غير المنضبط هم المستثمرون وأصحاب الأسهم، وذلك من أجل حث أصحاب الأموال على مشاركتهم في تمويل تلك العمليات المكلفة. ونحن نقول إن في الأمر تشويها للواقع. فأمريكا لن تكون أكبر منتِج ولن تستغني عن توريد المزيد من الوقود النفطي، لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل لأسباب ليس هذا مجال سردها. وهناك احتمالات واردة حول وضع قيود بيئية صارمة ومكلفة قد تحُدُّ من نشاط إنتاج النفط والغاز الصخري. وإنتاج أمريكا الحالي من النفط الصخري وإلى بضع سنوات قادمة لا يوازي إنتاج واحد من حقولنا، مثل حقل خريص الذي سيصل إلى مليون و ألف برميل.
ولعله من نافلة القول أن نذكر أننا نرحب بأي مصدر للطاقة سواء من النفوط غير التقليدية أو المصادر المتجددة التي من شأنها تخفيف الضغط عن نفطنا حتى لا نضطر إلى إنتاج أكثر من حاجتنا، كما هي حالنا اليوم، وهو أمر يضر بمستقبل أجيالنا.