يعتبر تكييف الجريمة أول مرحلة يمر بها الفعل الإجرامي عن التتبع فتسليط العقاب على من يأتي فعلا يجرمه القانون يستوجب إدخال الأعمال المرتكبة تحت طائلة نص من النصوص التي وضعها المشرع بشكل سابق لارتكاب الفعلة وذلك خضوعا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وهذا ما يصطلح بتسميه بعملية التكييف التي تتأثر بجملة من المعطيات الواقعية وهذا ينسحب على جميع الجرائم بما في ذلك جرائم المواقعة التي يتوقف تكييفها على مجموعة من المعطيات أهمها سن المجني عليها ومدى رضاها بوقوع الفعل الجنسي عليها .
يعتبر سن المتضررة في جرائم المواقعة من أهم العناصر المؤثرة في تكييف ذلك إذ آن هذه الجرائم تهدف أساسا إلى حماية الصغير خاصة منها جريمة المواقعة بالرضا التي وضعت خصيصا لحماية القصر والتي حدد مجال تطبيقها بعامل السن فجعل النص يطبق على القصر الذين لم يبلغوا بعد سن العشرين عاما.
بذلك يظهر أن المسألة الأساسية في جرائم المواقعة يجب ضبطها في بقية التفاصيل نظرا لما لها من تأثير على تكييف الجريمة وتحديد النص المنطبق عليها.
ففي جريمة المواقعة بالرضا يكون سن المتضررة أقل من عشرين سنة ذلك أن مواقعة أنثى برضاها سنها فوق العشرين لا يكون جريمة في القانون التونسي بإستثناء حالات البغاء أو الزنا. أما في خصوص الطفلة التي لم تتجاوز عمرها سنوات فإن حصول المواقعة ولو تمت برضاها تغير وصف الجريمة فتحولها من جريمة مواقعة أنثى برضاها الخاضعة للفصل مكرر إلى جريمة مواقعة أنثى بدون رضاها طبقا للفصل الفقرة الثانية من نفس المجلة.
وبالنظر إلى ما حدده المشرع بشكل صريح في الفصول نجد أنه تحدث صراحة عن مواقعة البنت التي لم تبلغ العاشرة من ناحية، وتحدث بشكل عام عن الأنثى التي لم تتجاوز سن العشرين من عمرها وتكفل بحمايتها، وفي هذا المستوى يطرح إشكال حول وضعية البنت التي لم تبلغ العاشرة من ناحية، وتحدث بشكل عام عن الأنثى التي لم تتجاوز بعد سن الثالثة عشر فإذا ما واقع رجل طفلة سنها أكثر من سنوات واقل من سنة برضاها هل تعتبر جريمة مواقعة بالرضا أم لا ؟
بالرجوع إلى الفصل مكرر من المجلة الجنائية نرى أن جريمة المواقعة بالرضا يمكن أن تقع على فتاة لم تبلغ سن الخامسة عشر بشكل مطلق على أن تعتبر الجريمة من قبل الجنايات الخطيرة ويتواصل هذا الفصل مع الفصل من نفس المجلة فبقراءة متوازية لكلا الفصلين نجد أن مَن واقع أنثى سنها دون العاشرة وبرضاها يُعد مرتكبا لجريمة الاغتصاب على معنى الفقرة الثانية من الفصل جنائي. وهذا يعني أن المشرع لم يشرط بالنسبة لمواقعة الطفلة التي لم تبلغ العاشرة من عمرها أن تكون المواقعة غصبا بل إنّ هذه المواقعة تُعد اغتصابا وتدخل تحت طائلة هذه الفقرة من الفصل م ج حتى وإن كان المواقعة برضاها.
وبمواصلة الاطلاع على الفصل جنائي في فقرته الأخيرة نجده ينص على أنه "يعتبر الرضا مفقودا إذا كان سن المجني عليها دون الثلاثة عشر عاما كاملة".
وهذا راجع إلى كون الصغير الذي لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره يُعد في القانون التونسي طفلا غير مميز وعدم التمييز يجعله قاصرا عن إبداء رضا صحيحا بالموافقة مما يجعل الجريمة الواقعة في حقه تنقلب من مواقعة بالرضا إلى جريمة المواقعة بدون رضا. وهذه القرينة غير قابلة للدحض وضعها المشرع حماية للطفل غير المميز من الإعتداءات الجنسية المرتكبة ضده.
بذلك يظهر أنّ للسنّ دور في غاية الأهمية في تكييف الجريمة بل لعلّه يمكن القول أنه معيار أساسي للتكييف في جرائم المواقعة على أساسه نميز بين جرائم المواقعة بالرضا وجرائم المواقعة بدون رضا حسب الجدول التالي :
سن الفتاة المتضررة تكييف الجريمة
طفلة اقل من العاشرة من عمرها جريمة المواقعة بدون رضا ( مشددة )
طفلة سنها أكثر من عشر سنوات واقل من الثالثة عشر جريمة المواقعة بدون رضا ( مجردة )
طفل جاوز الثالثة عشر واقل من الخامسة عشر جناية المواقعة بالرضا
قاصرا أكبر من الخامسة عشر من عمرها واقل من العشرين جنحة المواقعة بالرضا
ونجد معطى ثانٍ لا يقل أهمية عن عامل السنّ وهو رضا المتضررة بوقوع الفعل الجنسي عليها وهذا المعطي يعتبر أهم عامل في تأثيره على تكييف جرائم المواقعة فالرضا هو معيار تكييف الجريمة الواقعة على الطفل بكونها جريمة مواقعة بالرضا أو جريمة اغتصاب.
فإن لم يتوفر رضا المجني عليها بالفعل الجنسي الذي تتحمله مستجمعا شروط صحته يكون هذا الفعل قد وقع دون رضا المجني عليها ويكون بالتالي مشكلا لجناية الاغتصاب() وأمّا إذا ثبت رضاها بهذا الفعل فإن الجريمة لا تدخل في إطار الاغتصاب المنظم بالفصل جنائي وإنما تدخل في إطار الفصل مكرر من نفس المجلة الذي يُعني بجريمة مواقعة أنثى قاصر برضاها وبالتالي فإن ركن الرضا هو الركن المميز بين جريمتي المواقعة بالرضا أو بدونه وهو الأساس المادي لتكييف هذه الجرائم.
ولكن ولئن كان هذا الركن واضح فإنه من أدق العناصر وأكثرها تشعبا إذ أنه في بعض الحالات يصعب على المحكمة معرفة ما إذا كان هذا الركن متوفرا أو منعدما وذلك خاصة في جريمة الاغتصاب لأنه غالبا ما ترتكب الجريمة في ظروف غير واضحة وقد تتضارب الادعاءات والتصريحات وتنعدم وسائل الإثبات والإقناع أو تكاد فيصبح الكشف عن الحقيقة عسيرا خاصة وأن الأحكام الجزائية ينبغي أن تبنى على الجزم واليقين(). لذا يجب قبل كل شيء، وحتى يتسنى التكييف، التأكد من وجود رضا المجني عليها من عدمه.
ويرجع تقدير وجود الرضا أو انعدامه إلى محكمة الموضوع التي تعلل استنتاجها بالوقائع المطلع عليها بأوراق الملف هذا ما أقرته محكمة التعقيب وأكدت عليه في مناسبات عدّة من ذلك القرار التعقيبي عدد بتاريخ// الذي جاء فيه "يرجع تقدير توّفر ركن الإكراه من عدمه لاجتهاد محكمة الموضوع المطلق ولا رقابة عليها في ذلك محكمة التعقيب مادام حكمها معللا تعليلا سابقا قانونا أو مأخوذا من واقع الأوراق"().
وهكذا يظهر أن فقه القضاء في تونس قد استقر على إسناد مهمة تقدير وجود الرضا من عدمه إلى محكمة الموضوع غير انه و في هذا المستوى يجب ابداء ملاحظتين:
أولا : إن المشرع قد وضع قرينه على انعدام الرضا في جرائم المواقعة تتمثل في استعمال العنف ضد المجني عليها أو استعمال السلاح أو التهديد به.
ثانيا : قرينة السن فقد حاول المشرع التونسي تركيز حماية للطفل الذي لم يبلغ بعد سن الثالثة عشر وهي سنّ التمييز نظرا لكون هذا الطفل هو طفل غير مميز فإن المشرع لم يأخذ برضاه واعتبر الرضا الصادر عنه بمثابة المعدوم ومواصلة في الاتجاه الحمائي للطفل وضع المشرع التونسي إطار خاصا للطفلة إذ لم تبلغ بعد العاشرة من عمرها فجعل مواقعتها جناية اغتصاب مشددة يعاقب عليها بالإعدام حتى ولو لم يستعمل ضدها وسائل العنف أو التهديد.