Register now or log in to join your professional community.
المدخل هو الأساس الذي تستند إليه عملية تعلم اللغة وتعليمها فمن خلاله يمكن أن تستمد الأسس والمبادئ اللازمة التي يرتكز عليها تصميم المواد التعليمية، وطريقة التعليم ونحو ذلك. وهناك مداخل عديدة لتعليم اللغات ولكل منها وجهة نظر محددة يتم على أساسها اختيار محتوى المواد التعليمية وتصميمها. ويُعرّف المدخل بأنه "المنطلقات التي تستند إليها طريقة التدريس مثل تصورها لمفهوم اللغة وفلسفة تعليمها، والنظرة إلى الطبيعة الإنسانية، وشخصية المتعلمين" . فالمدخل هو المرجع الذي يمكن الاهتداء به للتمكن من تصميم المواد التعليمية وفق أسس صحيحة. وينطلق معدو المواد التعليمية من مداخل محددة يتم على أساسها اختيار المحتوى وتنظيمه وترتيبه والجمع بين عناصره بالنظر إلى طبيعة المتعلم وما يناسبها، ثم تتحدد طريقة التدريس بناء على المدخل الذي تم اتباعه في التأليف.
ويعد المدخل الاتصالي من أهم المداخل في تعليم اللغة الثانية، نظراً لقدرته على توفير الأسس المهمة المساعدة على تعليم اللغة بصورتها الطبيعية الواقعية التي تكون هدفاً رئيساً لكثير من الدارسين، فتعليم اللغة اتصالياً لا يهدف فقط إلى جعل المتعلمين يكتسبون المهارات اللغوية ونموها بشكل يساعد على تمكينهم من إتقان المهارات اللغوية، واستخدام قواعد اللغة لأداء وظائف اتصالية في مواقف محددة فحسب، بل إنه يفرض خلق مواقف طبيعية اتصالية فردية وجماعية في المحتوى، ويركز على التدريب على المحادثة الشفوية بالدرجة الأولى، وعلى باقي المهارات بالدرجة الثانية، مع ضرورة التنبه إلى المحافظة على التكامل بين المهارات . فأهمية هذا المدخل الاتصالي تكمن في كونه يساعد على تنمية المهارات اللغوية، وفي كونه يضع المتعلم في مواقف طبيعية تعكس البيئة اللغوية والثقافية الواقعية للناطقين باللغة، فالربط بين اللغة وبيئتها وواقعها في كل ما يتم تقديمه من مواد تعليمية يرسخ أسلوب اللغة المتعلمة ويساعد المتعلم على أن يفكر بنفس طريقة الناطقين باللغة.
ويهدف هذا المدخل إلى تمكين المتعلم من تحقيق الوظيفة الاتصالية، وهذا لا يتطلب إغراقه بكم كبير من الموضوعات النحوية، فهذه الموضوعات ضرورية بقدر معين وهو المساعدة على التواصل، فهي ليست هدفاً بحد ذاتها، لأنها قد تكون سبباً في نفور المتعلم من اللغة إن تم التركيز عليها بدون التركيز على أهميتها في الاستخدام الاتصالي، ومن هنا فالمدخل الاتصالي "هو ذلك المدخل الذي يركز في تعليم اللغة على اللغة ذاتها ووظائفها، وكذلك الكفاية الاتصالية، وليس على البنى النحوية" .
فاللغة العربية ليست مجرد قوالب لغوية معقدة يقف المتعلمون أمامها في حالة من العجز لعدم قدرتهم على فهمها، وإنما هي لغة تتميز بقدر كبير من المرونة والعذوبة والسلاسة التي تظهر بشكل واضح في تنوع أساليب تعبيرها. وإن اعتماد كثير من كتب تعليم اللغة العربية لغير الناطقين في جزء كبير من مادتها على تقديم القواعد بطريقة مجردة، وبدون ربطها بالسياق اللغوي الاتصالي الذي يهم المتعلم في كثير من الأحيان، يجعل من عملية تعلمها في غاية الصعوبة، فالقواعد ضرورية بقدر ما تساعد المتعلم على حسن استخدام اللغة، والتعبير عن أغراضه بشكل واضح ومفهوم في شتى المواقف الحياتية التي يواجهها في أثناء استخدام اللغة العربية، أما الغوص في التفاصيل فلن يكون له دور إلا في نفور المتعلم من اللغة وبخاصة فيما إذا كان دافعه الأساسي لتعلمها هو تحقيق الكفاية الاتصالية. ومن هنا فإن المدخل الاتصالي يتميز بالقدرة على إرضاء حاجة المتعلم الاتصالية، ويمكنه من مواجهة مختلف المواقف اللغوية بثقة واقتدار، ويساعده على فهم السياق الاجتماعي للغة، إذ إنه من خلال أسسه ومبادئه يركز على أهم ما يساعد المتعلم على إتقان استخدام اللغة.
ويهتم المدخل الاتصالي ببيان ضرورة إلمام المتعلم بجميع الموضوعات الاتصالية التي يجب تعلمها في كل مستوى من المستويات المبتدئ والمتوسط والمتقدم، ومن تلك الموضوعات (الأعداد، الألوان، وسائل النقل، أثاث المنزل، الطعام والشراب، الملابس، المهن، وقت الفراغ، الصحة والمرض، السفر، الطقس، التسوق، ونحو ذلك). كما يهتم بتمكين قدرة المتعلم على استخدام اللغة في المواقف المختلفة من خلال بيانه لأهمية إلمام المتعلم بمختلف أساليب التعبير التي يجب تعلمها في كل مستوى من المستويات، ومن تلك المواقف (تقديم النفس، الطلب، الشكر، الاستئذان، الاعتذار، التهنئة، وصف الأشياء والأشخاص، التعبير عن الموافقة أو الرفض، التعبير عن الحزن أو الفرح، توجيه الدعوة، التحذير، المقارنة، التعجب، ونحو ذلك).
ومما يعزز أهمية المدخل الاتصالي أنه يؤكد على ضرورة تحقيق التكامل بين المهارات الأساسية الاستماع والكلام والقراءة والكتابة في أثناء تعليم اللغة، بحيث تنضم كل مهارة إلى الأخرى لإنجاز المهمة الاتصالية بشكل تبدو فيه بصورتها الواقعية، فثمة علاقة متبادلة بين المهارات، وإن عزلها عن بعضها في تعليم اللغة يفقد المهارة صورتها الطبيعية وقدرتها على تمثيل المواقف الحياتية.
وبذلك تبرز ضرورة اعتماد المدخل الاتصالي أساساً للانطلاق منه في تصميم مختلف المواد التعليمية لتلبية حاجة الطلاب الذين يدرسون اللغة العربية لغرض التواصل مع الناطقين بها. فهناك حاجة كبيرة
إلى إعداد كتب لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها قادرة على تحقيق الكفاية الاتصالية للمتعلم وفق أسس علمية صحيحة، فمعظم الطلاب الذين يدرسون العربية
في الجامعات الأجنبية غير قادرين على استخدام اللغة العربية رغم أنهم تجاوزوا المستوى المتقدم، ولا يعود ذلك إلا لوجود خلل في كيفية تقديم الناحية الاتصالية في الكتب التي يدرسونها. ومن هنا فإنه ينبغي توجيه الجهود الأكاديمية إلى تصميم كتب لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بناء على اعتماد المدخل الاتصالي أساساً لها تستمد منه المبادئ اللازمة للتصميم، والطريقة التي يجب اعتمادها في التدريس، لتلبية حاجة ملحة لمتعلمي اللغة العربية من غير الناطقين بها.