Register now or log in to join your professional community.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فيقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].
هذا، والإنسان من طبيعته التقصير والنقص والسهو، فاللهم اجبر كسرنا، وتجاوز عن تقصيرنا، واجعل هذا العمل خالصًا لوجهك الكريم.
وإن كنتُ أعلم جيدًا أن هذا عمل أقلُّ من المتواضع، وأعلم أنني أقلُّ من أن أبحث في كتاب الله - عز وجل - عن مسألةٍ ما، أو أُخرِج حكمًا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أقول كما قال الشافعي:
تعلَّمْ فليس المرءُ يُولَد عالِمًا وليس أخو علمٍ كمَنْ هو جاهلُ
ولعل كلمةً لا تساوي في كلامِ الخلق شيئًا، يهتدي بها إلى الحقِّ رجلٌ مسلم، أو لعلها تشفع لي يوم القيامة، فالله - عز وجل - كريمٌ يَمُنُّ بفضله على مَن يشاء من عباده، وهو الذي يزِنُ العمل ويُقدِّره سبحانه وتعالى، يقول - عز وجل -: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7]، ويقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]، والتشبُّه بالعلماء والصالحين فخرٌ، وإن لم أكن منهم، ولكن حب أهل الفضل فضلٌ، وأقول كما قال الإمام الشافعي - مع أن الفرق بيننا يصل إلى ما بين السماء والأرض -:
أحبُّ الصالحين ولستُ منهم لعلِّي أن أنالَ بهم شفاعَهْ وأكرَهُ مَن تجارتُه المعاصي ولو كنا سواء في البضاعَهْ
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لزوالُ الدنيا جميعًا أهون على الله من دم يسفك بغير حق))[1].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال المؤمن في فسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا))[2].
وإياك ثم إياك أن تظنَّ أنك في فسحة من دينك؛ لأن يدَك لم تتلوَّث بدماء المسلمين فحسب، فكيف بك وقد فرِحتَ بنهرِ الدماء الطاهر الزَّكي، وهو يجري ويتدفَّق على الأرض، وما زلتَ تبتسمُ، بل وترضى وتُبرِّر، وما تأسَّفتَ على الدماء الزكية، وما تهدَّدت بوعيد الله عز وجل، بل رضِيتَ بالقتل، وساعدتَ القاتل ولو بالرضا عما فعل، وتخلَّيتَ عن إخوانك في محنة لم نرَ مثلها قط في زمننا المعاصر، ورضيتَ بأن تكونَ في صف أعداء الله عز وجل، وتخلَّيتَ عن أبناء دينك، وقد أمرك اللهُ تعالى بخلاف ذلك؟!
واعلَمْ أن الله عز وجل قال - وقوله الحق -: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120]، فما سألتَ نفسك: ما بالُهم رَاضُون بي؟!
وأسوق إليك قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ﴾ [التوبة: 10]، ويقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [النساء: 89].
فحكِّم عقلَك وقبلَه دينَك:
واحفَظْ لسانك أيها الإنسانُ لا يلدغنَّك إنه ثعبانُ كم في المقابر مِن قتيلِ لسانِه كانت تهابُ لقاءَه الأقرانُ
وهأنا أبدأ كلامي بهذه الكلمةِ التي تردَّدت على لسان كثير من الناس، وهي كلمة خطيرة، لعل بعض الناس يقولها بغير علم، والله - تبارك وتعالى - يقول: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
هذه الكلمة هي كلمة (الخوارج)، التي أصبحنا نسمعُها من الخاصة والعامة، وكثيرٌ من الناس يُردِّدها ولا يدري معناها، ولعلها لم تكن في كلام العامة قبل اليوم، وقد أصبح الكثير يتَّهِمُ بها فئةً من الناس ليست على هواه، دون علم ولا دراية، ولا دليل يقطع أن هؤلاء القوم يتصفون بهذه الصفات المَشِينة، حتى وإن قالها أحدٌ ممن يتصفون بالعلم، وقد اختلف معه كثيرون من أهل العلم الآخرين، فهل نجري وراء كل قائل، ونسمع كلام كل ناعق دون تدبر ولا بحث، ولا دليل يدلنا على الحق؟!
فأين هي عقولنا إذًا؟!
ولِمَ خلقها الله لنا؟!
﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2]، نعم فاعتبروا، وتدبروا، وابحثوا.
وبالطبع لا أقصد هنا أي مسألة قد أجمع فيها العلماء، أو ورَد فيها نص صريح ودليل قاطع لا يحتمل التأويل، فإجماع المسلمين قد ورد فيه ما ورد من الأحاديث وكلام أهل العلم بما لا يدع مجالاً للشك في وجوب الأخذ به، وليس هذا محل ذكره.
الخوارج
لنُخرِج من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كلام أهل العلم المعتبرين القدامى، ومصطلحاتهم الفقهية - تعريف الخوارج، وما هي صفتهم؟ ومَن أطلق هذا الاسم؟ وعلى مَن أطلق؟ وما هي أقوال أهل العلم فيهم؟ وهل ذُكِرت فيهم أحاديث؟ وما هي الأحاديث التي ذُكِرت فيهم؟ ولماذا سُمِّيت هذه الطائفة بهذا الاسم؟
لعلنا نتناول إجابات مختصرة لهذه الأسئلة الواردة، فالله المستعان، وهو الموفِّق سبحانه.
التعريف بكلمة الخوارج:
• الخوارج، ومفردها خارجيٌّ، نسبة لكلمة (خروج).
والخوارج هم الخارجون على إمام زمانهم، وأيضًا هم طائفةٌ خرجت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعد معركة صِفِّين، بعد التحكيم الذي حصل في القصة المشهورة[3].
• وفي المعجم الوسيط: "فرقة من الفرق الإسلامية خرجوا على الإمام علي، وخالفوا رأيه، ويطلق على مَن خرج على الخلفاء ونحوهم"[4].
وقد عرَّف أهل العلم الخوارج بتعريفات عدَّة، كلها تدور حول مصطلح الخروج على علي رضي الله عنه، أو الخروج على أحد الخلفاء ونحوهم.
• وقد عرَّف الشهرستاني في الملل والنِّحل الخوارج بتعريف عام؛ حيث قال: "كلُّ مَن خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يُسمَّى خارجيًّا"[5].
• وقد عرَّفهم ابن حجر العسقلاني بقوله: "الخوارج الذين أنكروا على علي التحكيم، وتبرؤوا منه ومن عثمان وذريته، وقاتَلوهم"[6].
• وقال ابن حزم: "ومَن وافق الخوارج من إنكار التحكيم، وتكفير أصحاب الكبائر، والقول بالخروج على أئمة الجَوْر، وأن أصحاب الكبائر مخلَّدون في النار، وأن الإمامة جائزة في غير قريش، فهو خارجي وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون، وإن خالفهم فيما ذكرنا، فليس خارجيًّا[7].
• وقد ذكر أهل العلم تعريفاتٍ كثيرةً جدًّا للخوارج، ليس هنا محل ذكرها[8].
أسماؤهم، ولماذا سُمُّوا بها؟
سُمِّيت هذه الفرقة الضالة بالخوارج؛ لخروجهم على الإمام علي رضي الله عنه بعد قصة التحكيم المشهورة[9].
ومن أسمائهم:
1- الحَرُورية:
لنزولهم في منطقة تُسمَّى "حَرُوراء"، بعد انفصالهم عن جيش علي رضي الله عنه أثناء عودته من صِفِّين إلى الكوفة.
2- الشُّراة:
لقولهم: شَرَيْنا أنفسنا في طاعة الله؛ أي: بِعْناها بالجنة.
3- المُحكِّمة:
لإنكارهم التحكيم والحكمينِ "في قصة التحكيم".
4- المارقة:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يمرُقون من الدين كما يمرُقُ السهم من الرمية)).
نشأة الخوارج والأحاديث التي وردت فيهم:
يقول الدكتور علي محمد محمد الصلابي: "من أهل العلم مَن يُرجِعُ بداية نشأة الخوارج إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعل أولَ الخوارج ذا الخُوَيْصرة الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم"؛ اهـ[10].
ولتوثيقِ ما ذكر الدكتور الصلابي نجد هذه القصة قد رواها البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "بعث عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذُهَيْبة في أديم مقروظ، لم تُحصَّل من ترابها، قال فقسَمها بين أربعة نفر: بين عُيَيْنة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة، وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحقَّ بهذا من هؤلاء، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ألا تأمنوني وأنا أمين مَن في السماء، يأتيني خبرُ السماء صباحًا ومساءً؟!))، قال: فقام رجل غائرُ العينَيْن، مشرف الوَجْنَتين، ناشر الجبهة، كثُّ اللِّحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله، اتَّقِ الله، قال: ((ويلك، أَوَلستُ أحقَّ أهل الأرض أن يتقي الله؟))، قال: ثم ولَّى الرجل، وقال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: ((لا، لعله أن يكون يُصلِّي))، فقال خالد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لم أؤمر أن أُنقِّب قلوب الناس، ولا أشق بطونهم))، قال: ثم نظر إليه وهو مُقَفٍّ، فقال: ((إنه يخرج من ضئضئ هذا قومٌ يتلون كتاب الله رطبًا لا يُجاوِزُ حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية))، وأظنه قال: ((لئن أدركتُهم لأقتلنَّهم قتل ثمود))[11].
وفي رواية مسلم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، اعدِلْ، فقال: ((ويلك ومَن يعدل إذا لم أعدل؟! قد خبتَ وخسرتَ إن لم أكن أعدل))، فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه، فأضرب عنقه[12].
قال ابن حجر في فتح الباري:
"وهذا الرجل هو ذو الخُوَيصِرة التَّميمي، وعند أبي داود اسمه نافع، ورجَّحه السهيلي، وقيل: اسمه حُرْقُوص بن زُهَير السَّعدي"[13].
وفي رواية للبخاري أيضًا[14] عن أبي سعيد قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبدالله بن ذي الخُوَيْصِرة التميمي فقال: اعدِل يا رسول الله، فقال: ((ويلك، ومَن يعدل إذا لم أعدل؟))، قال عمر بن الخطاب[15]: دَعْني أضرب عنقه، قال: ((دعه، فإنه له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته وصيامه مع صلاته وصيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)).
وعن يسير بن عمرو قال: "قلت لسهل بن حُنَيف: هل سمعتَ النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئًا؟ قال: سمعتُه يقول - وأهوى بيدِه قِبَل العراق -: ((يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيَهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية))[16].
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بعدي من أمتي - أو سيكون بعدي من أمتي - قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حَلاقيمَهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم يعودون فيه، هم شر الخلق والخَلِيقة))[17].
• هذا، والأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة، وقد أتينا بما فيه الكفاية؛ حتى يكون الكلام مختصرًا ومفيدًا، يستأنس القارئ بالأحاديث الصحيحة، ولا يمل من الإطالة.
• ومن هذه الأحاديث يتبيَّن لنا ضلال هذه الفِرْقة، وما هي الصفات القبيحة والمَشِينة التي اتَّصفت بها تلك الفرقة المارقة عن الإسلام.
• ومن صفاتهم القبيحة التي كانت ذمًّا لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم حُرِموا من معرفة الحق والاهتداء إليه[18]، فقد روى مسلمٌ في صحيحِه من حديث سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يتيهُ قومٌ قِبَل المشرق مُحلَّقة رؤوسهم))[19].
قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((يَتِيهُ قومٌ قِبَل المشرق))؛ أي: يذهبون عن الصواب وعن طريق الحق"؛ اهـ[20].
ومن الصفات المذمومة التي اتصفوا بها: "قتالهم أهل الإسلام"، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري: ((يقتلون أهل الإسلام، ويَدَعُون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية))[21].
فيا له من ورعٍ كاذب، وإيمان زائف؛ إذ كيف يستبيحون أن يسلُّوا سيوفَهم على أهل الإسلام، بل أطهر المسلمين، وهم الصحابة، كما سنرى في الصفحات القادمة، ويتركون قتال الكفار؟!
• كيف بدأت الخوارج بالظهور كفِرْقة لها أيدلوجيات، وصفات، وأماكن، ومناهج محددة؟
بدأ انفصال هذه الفِرْقة عن المسلمين بعد رجوع علي رضي الله عنه من الكوفة بعد (صِفِّين)[22].
انفصال الخوارج عن جماعة المسلمين:
انفصلت الخوارجُ عن جماعة المسلمين أثناء عودة أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه من صفِّين إلى الكوفة[23].
وقد اختُلِف في العدد الذي انفصل عن جيش أمير المؤمنين رضي الله عنه، ليُكوِّن مجموعةً بعد ذلك تُدعَى الخوارج، لهم صفاتٌ ومناهجُ وفكرٌ مختلفٌ ومُناهِض لهذا الفكر الذي كانت عليه الأمة منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم ومرورًا بخلافة الراشدينِ أبي بكر وعمر، اختُلِف في عدد هؤلاء الخوارج فقيل بأنهم كانوا ثمانية آلاف، وقيل كانوا اثنَي عشر ألفًا، وقيل بأنهم أربعة آلاف[24].
وكان انفصالُ تلك الفِرْقة عن جماعة المسلمين قبل وصول عليٍّ رضي الله عنه بجيشه إلى الكوفة بمراحل، مما هال أصحابَ عليٍّ رضي الله عنه وأقلقهم، أما بقية الجيش، فكان تحت إمرة علي رضي الله عنه، ومما أقلق أميرَ المؤمنين وهاله من أمر الخوارج بعد رجوعه إلى الكوفة بجيشه، أنه بلغه عنهم إصرارُهم على الانفصالِ والفتنة، وتعيينهم أميرًا للصلاة، وأميرًا للقتال، وبقولهم: إن البيعة لله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يعني إصرارَ هذه الفِرْقة على انفصالهم عن جماعة المسلمين، وقد حرَص أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه على إقناعهم وإرجاعهم إلى جماعة المسلمين؛ حتى لا تكون فتنةٌ وتفرُّقٌ.
مناظرة رائعة من حبر الأمة (ابن عباس) رضي الله عنهما:
ومن حرصِ أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه على عدم التفرُّق بين جماعة المسلمين، وحفاظه رضي الله عنه على الدماء، لِمَا فيها من حرمة عظيمة في الإسلام، فقد أرسل إليهم ابنَ عباس رضي الله عنهما لمناظرتِهم، وقد كان هذا الاختيارُ ينمُّ عن فطنة وذكاء أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فعبدالله بن عباس هو مَن هو، فهو حبر الأمة، وترجمان القرآن، والقوم كانوا يستدلون بآيات الله ويتناولون القرآن، فهذا هو ترجمان القرآن يناظرهم.
فلننظر ماذا جرى؟
يقول ابن عباس رضي الله عنه: "فخرجت إليهم ولبست أحسنَ ما يكون من حلل اليمن، وترجَّلت ودخلت عليهم في دارٍ نصف النهار - وكان ابن عباس رجلاً جميلاً جهيرًا - فقالوا: مرحبًا بك يا بن عباس، ما هذه الحُلَّة؟
قال: ما تعيبون عليَّ؟ لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل، ونزلت: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ [الأعراف: 32].
قالوا: فما جاء بك؟
قال: قد أتيتُكم من عند صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، من عند ابن عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم وصهرِه، وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد؛ لأبلغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون.
فانحنى لي نفر منهم.
قلت: هاتوا ما نقمتُم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه.
قالوا: ثلاث.
قلت: ما هن؟
قالوا: أما إحداهن: فإنه حكَّم الرجال في أمر الله، وقد قال الله: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 57]، فما شأن الرجال والحكم؟
قلت: هذه واحدة.
وأما الثانية، فإنه قاتل ولم يَسْبِ ولم يغنَمْ، فإن كانوا كفارًا لقد حل سبيُهم، ولئن كانوا مؤمنين ما حل سبيُهم ولا قتلهم.
قلت: هذه اثنتان، فما الثالثة؟
قالوا: محا نفسَه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين.
قلت: هل عندكم شيء غير هذا؟
قالوا: حسبنا هذا.
قلت لهم: أرأيتُكم إن قرأتُ عليكم من كتاب الله جل ثناؤه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يرد قولَكم، أترجعون؟
قالوا: نعم.
قلت: أما قولكم: حكَّم الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم من كتاب الله أن قد صيَّر الله حكمَه إلى الرجال في ثُمُن رُبُع درهم، فأمر الله - تبارك وتعالى - أن يحكموا فيه، أرأيتم قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة: 95]، وكان من حكم الرجال، أنشدكم بالله أفحُكم الرجال في صلاح ذات البَيْن وحقن دمائهم أفضل، أو في أرنب؟
قالوا: بلى، بل هذا أفضل.
وفي المرأة وزوجها: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 35]، فأنشدكم بالله، حكم الرجال في صلاح ذات بَيْنهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بُضْع المرأة؟!
خرجت من هذه؟
قالوا: نعم.
قلت: وأما قولكم: قاتل ولم يسبِ ولم يغنَم، أفتسْبُون أمَّكم عائشة، تستحلُّون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟
فإن قلتم: إنا نستحلُّ منها ما نستحلُّ من غيرِها، فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمِّنا فقد كفرتم، والله - عز وجل - يقول: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج، أفخرجتُ من هذه؟
قالوا: نعم.
وأما محا نفسَه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون، إن نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين، فقال لعليٍّ: ((اكتُبْ يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله))، قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((امحُ يا علي، اللهم إنك تعلم إني رسول الله، امح يا علي، واكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله))، والله لرسولُ الله خيرٌ من علي، وقد محا نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة.
أخرجتُ من هذه؟
قالوا: نعم.
فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقاتَلوا على ضلالتهم، فقتلهم المهاجرون والأنصار"[25].
لمحة رائعة من مناظرة حبر الأمة:
يقول ابن عباس: "وليس فيكم منهم أحد".
أي: ليس في الخوارج أحدٌ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه لمحة جميلة وقوية من ابن عباس.
يقول الدكتور الصلابي في كتابه أسمى المطالب:
"هذا نصٌّ صريح من ابن عباس في كون الخوارج لا يوجد فيهم أحد ٌمن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يعترض عليه أحدٌ من الخوارج، والرواية صحيحة وثابتة"[26].
لم يكتفِ أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه بهذه المناظرة الرائعة من ابن عباس، بل ذهب هو بنفسه رضي الله عنه، وكلَّمهم، فرجعوا ودخلوا الكوفة، ولكنهم فهِموا من هذا أن أمير المؤمنين قد رجع عن التحكيم، فلما علِم بذلك علي رضي الله عنه وأنه قد أشيع بين الناس أنه قد رجع لهم عن الكفر، خطب عليٌّ رضي الله عنه يوم الجمعة وبيَّن لهم، وحدث هرج ومرج في نواحي المسجد، وقاموا وتحدثوا بألاَّ حكم إلا لله، ورد عليهم أمير المؤمنين، ومن ثَمَّ قد أعلن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه موقفه تجاه هذه المجموعة، التي كان حريصًا رضي الله عنه على إرجاعهم إلى جماعة المسلمين، فقال لهم:
"إن لكم عندنا ثلاثة:
• لا نمنعكم صلاة في هذا المسجد.
• ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا.
• ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا".
وبهذا يتبيَّن لنا أن أمير المؤمنين قد جعل لهم حقًّا، ومقابل ذلك جعل عليهم واجبات مع احتفاظهم بتكفيرهم الخاص، بعيدًا عن أي تصوُّر يخص العقيدة الإسلامية، وعن خروجهم عن المسلمين، وحملهم السلاح لمقاتلة المسلمين، ولعل هذا كان رحمةً منه رضي الله عنه؛ لكيلا يحملَ المسلمون سلاحهم ليقتل بعضهم بعضًا، وهذا كان ديدن أمير المؤمنين رضي الله عنه.
يقول الدكتور الصلابي:
"ولم يزجَّ أمير المؤمنين بالخوارج في السجون، أو يُسلِّط عليهم الجواسيس، ولم يحجر على حريَّاتِهم، ولكنه رضي الله عنه حرَص على إيضاح الحُجَّة، وإظهار الحق لهم ولغيرهم ممن قد ينخدع بآرائهم"؛ اهـ[27].
الانفصال الفعلي:
أيقن الخوارجُ أن أمير المؤمنين عليًّا رضي الله عنه عازم على أمره ومنفِّذه، لِأَن يبعثَ أبا موسى الأشعريَّ حكمًا أيضًا بالعهد الذي أخذه على نفسه، منفذًا لقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ﴾ [النحل: 91].
فقرر الخوارج الانفصال الفعلي عن جماعة المسلمين، وتعيين أميرًا لهم، وهو "عبدالله بن واهب الراسبي"، وتأوَّلوا القرآن، وخرَجوا من بين أظهر المسلمين، وبعثوا إلى كلِّ مَن هو على شاكلتهم واعتقادهم؛ ليحثُّوهم على الخروج معهم، واجتمع الجميع بمنطقة تسمى "النهروان".
وقد بعث إليهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أكثر من مرَّة لإرجاعهم إلى الجماعة، خصوصًا بعد تفرُّق الحكمين[28]، فأبوا أن يرجعوا حتى يشهد عليٌّ رضي الله عنه على نفسِه بالكفر ويتوب!
قال الحافظ ابن كثير:
"وهذا الضربُ من الناس من أغرب أشكال بني آدم، فسبحان من نوَّع خلقه كما أراد وسبق في قدره العظيم، وما أحسن ما قال بعض السلف في الخوارج: إنهم المذكورون في قوله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الكهف: 103]"[29].
نقض الشروط وسفك الدماء:
قد علِمنا أن أمير المؤمنين عليًّا رضي الله عنه قد أخذ على الخوارج شروطًا ثلاثة، إذا أوفوا بها لم يقاتلهم، حفاظًا على حقن دماء المسلمين، وعدم التفرقة، ولكن الخوارج ارتكبوا كل المخالفات ولم يفوا بالعهد الذي أخذه عليهم أمير المؤمنين، بل كفَّروا مَن خالفهم، واستباحوا الدماء، ونقضوا العهود، وارتكبوا المحظورات، فذبحوا عبدالله بن خبَّاب بن الأرتِّ، ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشقوا بطن سُرِّيته!
وعندئذٍ بعث أمير المؤمنين إليهم أن يسلموا القتلة لإقامة الحدِّ عليهم، فأجابوه: "كلنا قتله"، فلم يتركوا بابًا إلا باب القتال، فذهب إليهم علي رضي الله عنه بجيش قد أعده لقتال أهل الشام، وعسكر على الضفة الغربية من نهر النهروان[30].
واستعدَّ للقتال وأمر الجيش ألا يبدؤوا بالقتال، وأرسل رسلَه يناشدهم الله ويأمرهم أن يرجعوا، فلم يستجيبوا، بل قتلوا رسله، واجتازوا النهر، فعندئذٍ استعدَّ أمير المؤمنين للقتال، وهيَّأ جيشه، وجعل لهم راية أمان يرفعها أبو أيُّوب الأنصاري لمن جاء منهم إليها فهو آمن، وقد أمَّن مَن انصرف إلى الكوفة منهم، وقد انصرف كثيرٌ منهم ولم يبقَ إلا أقل من ألفٍ، فأبوا إلا أن يقاتلوا أمير المؤمنين ومَن معه!
وكانت هذه المعركة قصيرةً وحاسمة، فلم تستغرق سوى عدة ساعات من اليوم، وكانت حاسمة في نتائجها، فلم يُقتَل من جيش علي رضي الله عنه سوى القليل، قال زيد بن وهب - وكان في جيش علي رضي الله عنه -: ما أصيب من الناس يومئذٍ إلا رجلان[31].
وقد ذُكِر غيرُ ذلك في بعض كتب السنن، وكلها لا تتعدَّى العشرة، أو الثلاثة عشر على اختلاف الروايات[32]، وأما في صفوف الخوارج، فقتلوا جميعًا، وقيل إنهم فرَّ منهم القليل، وحسمت المعركة وانتصر أمير المؤمنين وجيشه على هذه الفئة الباغية.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وبحث علي رضي الله عنه عن ذي الثُّدَيَّة:
• قد كان أمير المؤمنين حريصًا على البحث عن "ذي الثُّدَيَّة"، هذا الذي ورد وصفُه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه علامة هؤلاء.
• وبعد مدة من البحث مرَّت على أمير المؤمنين عليٍّ وأصحابه، وجد أمير المؤمنين علي جماعةً مكومة بعضُها على بعض على شَفير النهر، قال: أخرجوهم، فإذا المُخْدَج تحتهم جميعًا مما يلي الأرض، فكبَّر عليٌّ، ثم قال: صدق الله، وبلَّغ رسوله، وسجد سجود الشكر، وكبَّر الناس حين رأَوْه واستبشَروا[33].
• وكان هذا استبشارًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم السابق ذكره، والمشهور بحديث ذي الخُوَيْصِرة، وقد جاء فيه: ((آيتُهم رجلٌ أسود، إحدى عَضُدَيْه مثل ثَدْي المرأة، ومثل البَضْعة تَدَرْدَرُ، ويخرجون على حين فُرْقةٍ من الناس))، قال أبو سعيد: فأشهَدُ أني سمعتُ هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن عليَّ بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل، فالتُمِس فأُتِي به حتى نظروا إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته[34].
• انتهت المعركة، ودُفِع شرُّ الخوارج، ووُئِدت الفتنة، ولم يتبع أميرُ المؤمنين الذين فرُّوا، ولم يُمثِّل بقتيل، ولم يقتل جريحًا، ولم يسب نساءهم ولم يغنَمْ أموالهم ولا ذراريَّهم.
وهذا يدل على أن قتال أمير المؤمنين لهم لم يكن لمجرد القتال لذاته، بل كان لردِّهم عن طريق البغاة، وإرجاعهم لجماعة المسلمين، وكان ذلك ظاهرًا جليًّا في فعل أمير المؤمنين معهم.
يقول ابن قدامة: "ولأن قتال البغاة إنما هو لدفعهم وردهم إلى الحق لا لكفرِهم، فلا يستباح منهم إلا ما حصل لضرورة الدفع؛ كالصائل وقاطع الطريق، وبقي حكم المال والذرية على أصل العصمة"[35].
ويتبيَّن لنا من قول ابن قدامة أنهم ليسوا كفارًا، بل هم فِرْقة من المسلمين بغَوْا عليهم وتفرَّقوا، وفارقوا الجماعة.
وقد سُئِل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: أكفَّار هم؟ قال: من الكفر فرُّوا، فقيل: منافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم؟
قال: قوم بغَوْا علينا فقاتلناهم.
وفي رواية: قوم بغوا علينا فنُصِرنا عليهم.
وفي رواية: قوم أصابتهم فتنة فعمُوا فيها وصمُّوا[36].
قلت: ولعل مما أباح قتالَهم وهم من المسلمين:
• أولاً الأحاديث التي وردت فيهم صريحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحثه على قتالهم.
• ولأنهم فارَقوا جماعة المسلمين، وبدَّلوا دينهم بأفعالهم الشنيعة التي فعلوها، وقتال الناس بغير حق، وهذا كله داعٍ إلى قتالهم.
وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: سألتُ أبي عن هذه الآية: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103، 104]: أهم الحرورية؟
قال: لا، هم أهل الكتاب اليهود والنصارى؛ أما اليهود، فكذَّبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأما النصارى، فكفَروا بالجنة، وقالوا: ليس فيها طعام ولا شراب، ولكن الحرورية ﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 27][37].
قلت: ولعلنا نخلصُ مما ذكر في هذا الموضوع من أحاديث، وأقوال مأثورة عن صحابة رسول الله، وما ورد عن سلفنا الصالح والعلماء: أن هذه الفِرْقة لها صفات قد وردت في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ظهرت من أفعالهم واعتقاداتهم المخالفة لمنهج النبوة، وما كان عليه الخلفاء الراشدون، ومنها:
أولاً: إنكارهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وردُّهم ما يفعله، وعدم الرضا بما قسم النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا كان ظاهرًا في حديث ذي الخُوَيْصِرة لَمَّا أنكر على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اعدل يا محمد، وما كان هذا ليكون من مؤمن أبدًا رضي بالله ربًّا ومحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً.
ثانيًا: تأويلهم القرآن بغير علم ولا ورود نص صريح يدل على تأويلهم الخاطئ.
ثالثًا: تكفيرهم لصاحب الكبيرة؛ فإنهم يُكفِّرون مرتكب الكبيرة، ويحكمون بخلوده في النار، وهذا مخالف للأدلة والنصوص الصريحة الصحيحة[38].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
"وكانت البدعُ الأولى؛ مثل بدعة الخوارج، إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضتَه، لكن فهِموا منه ما لم يدل عليه، فظنُّوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب؛ إذ كان المؤمنُ هو البرَّ التقي، قالوا: فمَن لم يكن برًّا تقيًّا، فهو كافر، وهو مُخلَّد في النار"[39].
رابعًا: ترويعهم للمسلمين، فقد عُرِف الخوارج بالشدة والغلظة، وهذا مخالف لقوله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].
خامسًا: استحلالهم لدماء المسلمين بغير حق، وقد ظهر هذا جليًّا في قتلهم "عبدالله بن خباب بن الأرتِّ"، ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بغير ذنب ولا جريرة، واستحلالهم دماء غيره لمجرد عدم موافقتهم في منهجهم، أو مخالفتهم في فكرهم.
سادسًا: ترويعهم الناس وقتالهم حتى للنساء.
قال ابن كثير: "فجعلوا يقتلون النساء والولدان، ويبقُرونَ بطون الحبالى، ويفعلون أفعالاً لم يفعلها غيرهم"[40].
سابعًا: تكفيرهم لبعض كبار الصحابة؛ مثل عثمان وعلي رضي الله عنهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"ثم قالوا: وعثمان وعلي ومَن والاهما ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله، فكانت بدعتهم لها مقدمتان:
الأولى: أن مَن خالف القرآن بعمل أو برأيٍ أخطأ فيه، فهو كافر.
الثانية: أن عثمان وعليًّا ومَن والاهما كانوا كذلك.
ولهذا يجب الاحتراز من تكفير المؤمنين بالذنوب والخطايا، فإنهما أولُ بدعة ظهرت في الإسلام"؛ اهـ[41].
ثامنًا: قولهم: إن الإمامة جائزةٌ في غير قريش، وبهذا القول قد خالفوا أحاديث رسول الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحدٌ إلا أكبَّه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين))[42]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال هذا الأمر في قريشٍ ما بقي منهم اثنان))[43].
تاسعاً: إنكارهم التحكيم.
وهو ما حصل بين علي ومعاوية رضي الله عنهما من تحكيم.
ولابن حزم كلامٌ جميل في هذا الموضوع، يُبيِّن فيه أن الحكم على جماعة بالخروج، أو ما يسمى "بالخوارج"، يجبُ أن يكون بصفات معينة تجتمع فيها الصفات التي اتصفت بها الخوارج في عهد أمير المؤمنين، وما عدا ذلك فليس لأحد أن يحكم على جماعة بالخوارج من هوى نفسه أو بغير دليل.
يقول ابن حزم: "ومَن وافق الخوارج من إنكار التحكيم، وتكفير أصحاب الكبائر، والقول بالخروج على أئمة الجَوْر، وأن أصحاب الكبائر مخلدون في النار، وأن الإمامة جائزة في غير قريش، فهو خارجي وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون، وإن خالفهم فيما ذكرنا، فليس خارجيًّا"[44].
خاتمة
فهذه هي أوراق معدودة، جمعت فيها ما استطعتُ جمعَه من الآيات والأحاديث، وما ورد من أقوال العلماء عن الخوارج، تلك الفِرْقة التي خرجت عن جماعة المسلمين، واتصفت بصفات معدودة خارجة عن تعاليم الدين القويم، ومنهاج النبوة المنير، وهَدْي الحبيب صلى الله عليه وسلم، ومُخالِفة لِمَا كان عليه الرَّعيل الأول من الخلفاء الراشدين والقرون الخيرة.
وأختم بما بدأتُ به من قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، فليس لآحاد الناس أن يتكلَّم في الحكم على أشخاص بعينهم بالكفر أو الخروج عن الإسلام بأي طريقة كانت، فضلاً عن أن يستحلَّ دماء المسلمين بمجرد خلافه الفكري أو السياسي الدنيوي البحت معهم، فالدماء ليست لُعبةً يتلاعب بها أصحاب الأهواء.
وانظر أخي فيمَن حكمتَ عليهم، فإنهم سيُحاجُّونك يومَ القيامة، وانظر إلى عليٍّ رضي الله عنه وورعه، وكيف كان جيشُه ومَن كان فيه من صحابة رسول الله بحلمهم وورعهم وفقههم، وحملهم لكتاب الله - عز وجل - وحفظهم لحدوده، فشتان بين الثرى والثريَّا.
واعلم أخي أنه ليس لآحاد الناس أن يرفعَ سيفه على مسلم ليزهق نفسًا بدون حق وبدون علم ولا فقه ولا حكمٍ بما أنزل الله فيه.
فالحذرَ الحذرَ من الخوض في أعراض المسلمين ودمائهم، واتهامهم بما ليس فيهم، فإنك إن خضتَ في عِرْضِ أخيك اليوم واستحللتَ دمه، فلا تدري ولا تعلم مَن سيخوض في عِرْضك غدًا ويستحلُّ دمك، ومَن سينالُ منك ويتَّهِمك بما ليس فيك، ساعتها - وساعتها فقط - ستذوق كأسَ المرارة الذي قد أذقتَ منه إخوانك بالأمس كذبًا وزورًا!
فاللهَ اللهَ في دماء المسلمين.
واعلم أخي أنك واقف أمام ربك مسؤول عما قلت.
واعلم أن:
الدهر يومانِ ذا أمن وذا خطر والعيش عيشانِ ذا صفو وذا كدر أمَا ترى البحرَ تعلو فوقَه الجِيَف وتستقرُّ بأقصى قاعه الدُّرَر وفي السماءِ نجومٌ لا عدادَ لها وليس يكسف إلا الشمس والقمرُ من الشعراء الأصم الضبي قيس بن عبد الله عبيدة بن هلال وهو أحد فرسانهم من أبيات يرد بها على عمرو بن عبد الله بن معمر التميمي (22) : ولكن نقول الحكم لله وحده وبالله نرضى والنبي المقرب.
الخوارج: فرقة ظهرت في النصف الأول من القرن الأول الهجري، وبالذات في مناسبة حرب صفين التي دارت بين امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الخليفة الشرعي من جهة، وبين معاوية بن أبي سفيان، الذي كان يحاول الاستئثار بهذا الامر لنفسه من جهة أخرى، حيث رأى معاوية: أن علياً سيربح الحرب لو استمرت، فأمر ـ بمشورة من عمرو بن العاص ـ برفع المصاحف، الأمر الذي إنجر إلى التحكيم. وكان أولئك المعترضون على قبول علي للتحكيم هم أنفسهم الذين كانوا قد أجبروه عليه من قبل، كما اعترفوا به هم أنفسهم، كما صرحت به النصوص التاريخية الكثيرة جداً، وهذا ما يكذب ما يدعيه البعض من أن الخوارج كانوا هم المعارضين للتحكيم من أول الأمر.
. إن هؤلاء قد حكموا على علي عليه السلام بالكفر لأجل قبوله التحكيم الذي أجبروه هم عليه، كما كفروا الخليفة الثالث عثمان بسبب بعض المخالفات التي صدرت عنه في السنين الأخيرة من خلافته، هذا فضلاً عن تكفيرهم طلحة والزبير وعائشة وغيرهم.
ثم إنهم خرجوا على علي عليه السلام وحاربوه، وكان من جملة ما احتجوا به لحربهم إياه: أن قالوا: "زعم أنه وصي فضيّع الوصيّة" كما ذكره اليعقوبي، نعم وهؤلاء بالذات وأتباعهم هم الذين سموا بالخوارج. وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [سورة النساء: 100]. وهذه تسمية مدح.
وينفونه إذا أريد به أنهم خارجون عن الدين أو عن الجماعة أو عن علي رضي الله عنه؛ لأنهم يزعمون أن خروجهم على علي رضي الله عنه كان أمراً مشروعاً بل هو الخارج عليهم في نظرهم.
و الإباضيون بخصوصهم يسمونها فتناً داخلية بين الصحابة.
قال نور الدين السالمي الإباضي عن تسميتهم خوارج على سبيل المدح: (ثم لما كثر بذل نفوسهم في رضى ربهم وكانوا يخرجون للجهاد طوائف – سُمُّوا خوارج، وهو جمع خارجة وهي الطائفة التي تخرج في سبيل الله) (1) .
وقال أحد شعراء الخوارج (2) .
كفى حزناً أن الخوارج أصبحوا وقد شتت نياتهم فتصدعوا
(24)
ويقول محمد بن عبد الله السالمي أيضاً: وكان اسم الخوارج في الزمان الأول مدحاً لأنه جمع خارجة وهي الطائفة التي تخرج للغزو في سبيل الله تعالى، قال عز وجل: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً [التوبة:46]، ثم صار ذماً لكثرة تأويل أحاديث الذم فيمن اتصف بذكر آخر الزمان، ثم زاد استقباحه حين استبد به الأزارقة والصفرية فهو من الأسماء التي اختفى سببها وقبحت لغيرها فمن ثم نرى الإباضية لا يتسمون بذلك وإنما يتسمون بأهل الاستقامة (3) .
وقال الأصم الضبي قيس بن عبد الله يرثي الخوارج الذين قتلوا عند الجوسق (4) :
إني أدين بما دان الشراة به يوم النخيلة عند الجوسق الخرب
النافرين على منهاج أولهم من الخوارج قبل الشك والريب
وقد أجمع مؤرخو الفرق على تسميتهم بهذا الاسم (الخوارج).وإذا ذكرهم أحد المؤلفين باسم من أسمائهم الأخرى فإنه يفسره بالخوارج، أو يذكرهم مرة بهذا الاسم ومرة أخرى باسم الخوارج. (25)
2- الحرورية
نسبة إلى المكان الذي خرج فيه أسلافهم عن علي، وهو قرب الكوفة. قال شاعرهم مقارناً بين جحف الثريد أي أكله وبين جحف الحروري بالسيف أي ضربه به:
ولا يستوي الجحفان جحف ثريدةوجحف حروري بأبيض صارم (5)
ووردت هذه التسمية في قول عائشة رضي الله عنها: (أحرورية أنت) (6) .
قالته للمرأة التي استشكلت قضاء الحائض والصوم دون الصلاة. (26)
وقد وردت هذه التسمية في (الصحيحين) عن مصعب قال سألت أبي قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا [الكهف: 103], هم الحرورية؟ قال: لا، هم اليهود والنصارى ، أما اليهود فكذبوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأما النصارى كفروا بالجنة وقالوا لا طعام فيها ولا شراب ، والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ، وكان سعد يسميهم الفاسقين (7) .
وعن أبى سلمة وعطاء بن يسار أنهما أتيا أبا سعيد الخدرى فسألاه عن الحرورية أسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال: لا أدري ما الحرورية سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: ((يخرج في هذه الأمة - ولم يقل منها - قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم - أو حناجرهم - يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافه ، فيتمارى في الفوقة ، هل علق بها من الدم شيء)) (8)
وعن عبد الله بن عمر - وذكر الحرورية - فقال قال النبي - صلى الله عليه وسلم – (( يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية)) (9) .
3- الشراة
نسبة إلى الشراء الذي ذكره الله بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:111]
وهم يفتخرون بهذه التسمية ويسمون من عداهم بذوي الجعائل: أي يقاتلون من أجل الجُعْل الذي بذل لهم. قال شاعرهم عيسى بن فاتك:
فلما استجمعوا حملوا عليهم فظل ذوو الجعائل يقتلونا (10)
(27)
أما هم فليسوا كذلك بل هم – عند أنفسهم – شراة باعوا أنفسهم لله يقول معاذ بن جوين بن حصين الطائي السنبسي (11) :
ألا أيها الشارون قد حان لامرئ شرى نفسه لله أن يترحلا
ويقول كعب بن عميرة في أبي بلال يرثيه (12) :
شرى ابن حديد نفسه لله فاحتوى جناناً من الفردوس جماً نعيمها
ويقول الأشعري في سبب تسميتهم بالشراة: والذي له سموا شراةً: قولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بعناها بالجنة (13) . (28)
4- المارقة
وأما (هذه) التسمية فهي من خصوم الخوارج، لتنطبق عليهم أحاديث المروق الواردة في (الصحيحين) في مروقهم من الدين كمروق السهم من الرمية. قال ابن قيس الرقيات من أبيات له:
إذا نحن شتى صادفتنا عصابة حرورية أضحت من الدين مارقة (14) .
(29)
عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيخرج قوم في آخر الزمان ، حداث الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة)) (15) وهي تسمية قديمة قد أطلقها عليهم مخالفوهم منذ خروجهم عن جيش الإمام علي.
ويروي أبو الحسين الملطي إجماع الأمة إجماعاً لا يختلف فيه ناقل ولا راوٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم مارقة، وفسر المارقة بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (16) ، وربما كان مستنده في حكاية هذا الإجماع وصف النبي صلى الله عليه وسلم للخارجين بالمروق وانطباق أوصافهم على هؤلاء الخوارج كما ظهر ذلك للإمام علي والمسلمين معه... قال صعصعة بن صوحان من خطبته أمام جمع من قومه يذم الخوارج في كلام طويل: ولا قوم أعدى لله ولكم ولأهل بيت نبيكم ولجماعة المسلمين من هذه المارقة (17) . وقال الشهرستاني: وهم المارقة الذين اجتمعوا بالنهروان (18) . (30)
5- المحكمة
هي من أول أسمائهم التي أطلقت عليهم، وقيل: إن السبب في إطلاقها عليهم إما لرفضهم تحكيم الحكمين، وإما لتردادهم كلمة (لا حكم إلا لله) (19) وهو الراجح، وهي كلمة حق أريد بها باطل، ولا مانع أن يطلق عليهم لكل ذلك، غير أن السبب الأول ينبغي فيه معرفة أن الخوارج هم الذين فرضوه أولاً، وهم يفتخرون بهذه التسمية كما قال شاعرهم شبيل بن عزرة:
حمدنا الله ذا النعماء أنّا نحكم ظاهرين ولا نبالي (20)
(31)
وقد صارت هذه الكلمة (لا حكم إلا لله) شعاراً لهم عندما يريدون الخروج عن طاعة الولاة أو الهجوم على خصومهم في المعركة فكانت إنذاراً شديد الخطورة لمن تقال له. وهم يفخرون بهذا الاسم على خصومهم كما قال سميرة بن الجعد الخارجي في وصف الخوارج (21) :
ينادون بالتحكيم لله أنهم رأوا حكم عمرو كالرياح الهوائج
وحكم ابن قيس مثل ذاك فأعصموا بحبلٍ شديد المتن ليس بناهج
وقال عبيدة بن هلال وهو أحد فرسانهم من أبيات يرد بها على عمرو بن عبد الله بن معمر التميمي (22) :
ولكن نقول الحكم لله وحده وبالله نرضى والنبي المقرب.
(32)
6- النواصب
وأما تسميتهم بالنواصب فلمبالغتهم في نصب العداء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. (33)
7- أهل النهروان
نسبة إلى المكان الذي قاتلهم فيه علي وهم الحرورية المحكمة (34)
8- المكفِّرة
لأنهم يكفرون بالكبائر ويكفّرون من خالفهم من المسلمين، وهذا وصفٌ لكل من نهج هذا النهج في كل زمان. (35)
9- السبئية
لأن منشأهم من الفتنة التي أوقدها ابن سبأ اليهودي، وهذا وصف لأصول الخوارج الأولين ورؤوسهم. (36)
10- الشكاكية
وذلك أنهم لما رفضوا التحكيم، قالوا لعلي: شككت في أمرك وحكمت عدوك من نفسك، فسموا بذلك الشكاكية (23) . (37)
تلك أسماء الخوارج وألقابهم وهم يحبون هذه الأسماء كلها ولا ينكرون غير اسم واحد وهو تسميتهم بالمارقة، فإنهم لا يرضون به لأنهم يعتبرون أنفسهم على الهدى والحق وأما من عداهم فإنهم ظالمون أهل جورٍ وكفر. قال الأشعري: وهم يرضون بهذه الألقاب كلها إلا بالمارقة فإنهم ينكرون أن يكونوا مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
قال هُبَيرةُ بنُ أبي وَهبٍ المخزومي: من الطويل وإنَّ مقال المرءِ في غير كُنِهِه لكالنَّبِل تَهْوِي ليسَ فيها نصالُهَا وقال الرّاجز: من الرجز والقولُ لا تَملكُهُ إذَا نما كالسَّهم لا يَرجِعُهُ رامٍ رَمى وإلى هذا ذهب َ عامِرٌ الشَّعبيُّ حيث يَقُول: وإنّك على إيقاعِ ما لم تُوقع أقدَرُ مِنكَ عَلَى رَدِّ ما قد أوقَعت وأنشد: من الطويل فداويتُهُ بالحِلم والمرءُ قادِرٌ عَلَى سَهمِه ما دامَ في كفِّهِ السَّهمُ وقال الأنصاري: من الكامل وبعضُ خلائق الأقوام داءٌ كداء الشيخ ليس له دَواءُ وقال الآخر: من الطويل ومَوْلىً كداءِ البطن أمّا لقاؤهُ فحِلمٌ وأما غيبُهُ فظَنونُ وقال الآخرُ: من الطويل تُقَسَّمَ أولادُ المُلِمَّةِ مغنَمِي جِهاراً ولم يَغلبكَ مثل مُغلَّبِ وقال الثِّلْبُ اليمانيُّ: وهُنَّ شَرُّ غالبٍ لمن غُلِبْ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كتب أحدُكُم فَليُتَرِّبْ كتابَه فإنّ التُّرابَ مبارَك وهو أنجح للحاجَةِ وذكر اللَّه آدَمَ الذي هو أصلُ البَشر فقال: " إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ " آل عمران: 59 ولذلك كَنَّى النبي عليه السلام عليّاً أبَا تُرَاب قالوا: وكانت أحَبَّ الكُنَى إليه وقال الآخَر: وإن جئت الأميرَ فقُلْ سلامٌ عليك ورحمةُ اللَّهِ الرحيمِ وأمَّا بعدَ ذاكَ فلى غَريمٌ من الأعرابِ قُبِّحَ من غريمِ له ألفٌ عليّ ونصفُ ألفٍ ونِصفُ النصفِ في صَكٍّ قديم وقال الكميت: من الطويل حَلفتُ بربِّ الناسِ: ما إمُّ خالدٍ بأَمِّكَ إذْ أصواتُنا الهَلُ والهَبُ ولا خالدٌ يستَطعِمُ الماءَ قائماً بعِدْلِكَ والدَّاعي إلى الموت ينعَبُ وقال ابن نَوْفلٍ: من الوافر تقُولُ لِمَا أصابكَ أطعموني شَرَاباً ثمّ بُلْتَ على السَريرِ لا عْلاَجٍ ثمانيةٍ وشيخ كبير السِّنِّ ذي بصَرٍ ضريرِ وقال ابنُ هَرْمَة: من الطويل تراهُ إذا ما أبصَرَ الضَّيفَ كلبُهُ يكلِّمُهُ من حُبِّهِ وهو أعجَمُ قال: وقال المهلَّبُ: عجبت لمن يشتري المماليك بمالِهِ ولا يشتري الأحرارَ بمعروفه وقال الشاعر: من البسيط رُزِقتُ لُبّاً ولم أُرزَقْ مُروُءَتَه وما المُرُوءَة إلاّ كثرةُ المالِ إذا أردتُ مُسَاماةً تَقَعَّدني عمَّا يُنَوِّهُ باسمي رقّةُ الحالِ وقال الأحنف: من المتقارب فلَوْ مُدَّ سَروْي بمالٍ كثير لَجُدْتُ وكنْتُ لَهُ باذِلا وقال جريرُ بن يزيدَ: من المنسرح خيرٌ من البُخْلِ للفتى عَدَمُهْ ومن بَنين أعِّقَّةٍ عَقَمُه قال: ومشَى رجال من تميمٍ إلى عَتّاب بن ورقاءَ ومحمد بن عُمَير في عَشْرٍ دياتٍ فقال محمد بن عُمَير: عَلَيَّ ديَةٌ فقال عتَّابٌ: عليَّ الباقيَة فقال محمد: نِعم العَوْنُ على المروءةِ المال وقال الآخر: من الطويل ولا خيرَ في وصلٍ إذا لم يكنْ له على طول مرّ الحادثَاتِ بقاءُ وقال الآخر: من الوافر شفاءُ الحُبِّ تقبيلٌ وضَمٌّ وجَرٌّ بالبُطُونِ على البُطُونِ وأنشد: من الرجز واللِّهِ لا أرْضَى بطُول ضَمٍّ ولا بتقْبيلٍ ولاَ بِشَمِّ إلاّ بهَزهازٍ يُسَلّي همِّي يسقطُ مني فَتَخِي في كُمِّي لمِثلِ هذا ولدتني أمِّي وأنشد: من الرجز لا ينفَعُ الجاريَةَ الخِضَابُ ولا الوشاحانِ ولاَ الجِلبابُ ويخرجَ الزُّبُّ له لعابُ وقال الآخر: من الكامل ولقد بَدَا لي أنَّ قلبَكَ ذاهِلُ عنِّي وقلبي لو بدا لك أذهَلُ كلٌّ يُجامِلُ وهو يُخفي بُغضَهُ إنَّ الكريمَ على القِلَى يَتجمَّلُ وقال الآخر: من الرجز وحظُّكَ زورة في كُلِّ عامٍ موافقةً على ظَهر الطَّريقِ سَلاماً خالياً من كُلِّ شيءٍ يعود به الصَّديق على الصَّديقِ وقال الآخر: من الكامل وزعمتَ أنِّي قد كذبتُكَ مَرَّة بعضَ الحديثِ فما صدقتُكَ أكثرُ وقال الآخر: من الطويل أهينُوا مَطاياكُم فإنِّي وجدتُه يهُونُ على البرذَون موتُ الفتى النَّدْبِ وقال الآخر: من البسيط لا يَحفِلُ البُردُ من يُبلِي حواشيَهُ ولا تُبالي عَلَى مَن راحت الإبِلُ وقال الآخر: من الطويل وقال الآخر: من الطويل وإنّي لأرثي للكريم إذا غدَا على حاجةٍ عند اللّئيمِ يُطالِبُهْ وأرثِي له من مَجلسٍ عند بابه كمَرْثِيَتِي للطِّرف والعِلجُ راكبُه وقال الفرزدق: من الطويل أترجو رُبَيعٌ أن تجيءَ صغارُها بخيرٍ وقد أعيا رُبَيْعاً كبارُها وقال الشاعر: من الوافر ألم تَر أنّ سيْرَ الخير رَيثٌ وأنّ الشَّر راكبهُ يَطيرُ وقال ابن يَسيرٍ: من الكامل تأتي المكارِهُ حينَ تأتي جُمْلةً وترى السُّرورَ يَجي مع الفلَتَاتِ قبل لبلاَلِ بن أبي بُرْدَة: لم لا تُوَلِّي أبا العَجُوزِ بن أبي شَيخ العَرّافَ - وكان بلالُ مسترضَعاً فيهم وهو مِن بَلْهُجَيْم - قال: لأني رأيتُ منه ثلاثاً: رأيتُه يحتَجمُ في بُيوتِ إخوانه ورأيتُ عليه مِظلّةً وهو في الظلِّ ورأيتُه يُبادِرُ بَيضَ البُقَيْلة وكان عندي شيخٌ عظيمُ البدَنِ جَهير الصّوتِ يستَقصِي الإعراب وقد ولَدَه رجلٌ من أهل الشُّورى وكان بقُرْبي عبد أسوَدُ دقيق العَظم دَميم الوجهِ ورآني أُكبِرُهُ فقال لي حينَ نَهضَ ورأى عَظْماً: يا أبا عُثمان لا واللَّهِ إنْ يُسَاوِي ذلك العَظْمَ البالي بصُرَتْ عيني به في الحمامِ وتَناوَلَ قطعةً من فَخّارٍ فأعطاها رجُلاً وقالَ له: حُكَّ بها ظَهرِي أفتظنُّ هذا يا أبا عُثمانَ يُفلح أبداً قال أبو الحسن: سأل الحجّاجُ غُلاماً فقال له: غُلامُ مَن أنت قال: غلامُ سيِّدِ قيس قال: ومَن ذاك قال: زُرارةُ بنُ أوفَى قال: وكيف يكون سيِّد قيس وفي دارِهِ التي ينزِلُ فيها سُكّان قال: وقال رجل لابنه: إذا أردتَ أن تَعرِفَ عيبَك فخاصِمْ شيخاً من قُدماءِ جيرانِك قال: يا أبَتِ لو كنتُ إذا خاصَمتُ جاري لم يَعرِفْ عيبِي غيري كانَ ذلك رأياً ولكن جاري لا يُعرِّفُني عيبي حتى يُعرِّفه عدوِّي وقد أخطأ الذي وَضَع هذا الحديث لأنّ أباه نهاه ولم يأمُرُه وقال الآخر: من الرمل اصْطَنِعني وأقِلْني عثرَتي إنّها قد وقَعَت مني بقُرّ واعْلَمَنْ أن ليس ألفا دِرْهَمٍ لمديحي وهجائي بخَطَر يذهَبُ المالُ ويبقى مَنطقٌ شائعٌ يأْثُِرُهُ أهل الخبَرْ ثمّ أرميكُمْ بوجهٍ بارزٍ لست أمشي لعَدُوِّي بخمَرْ وقال أشهَبُ بن رُمَيْلةَ يومَ صِفِّين: إلى أين يا بَني تميم قالوا: قد ذهب الناسُ قال: تَفِرُّونَ وتعتذرُون قال: ونهض الحارث بن حَوطٍ اللَّيثيّ إلى عليّ بن أبي طالب وهو على المنبر فقال: أتظُن أنّا نظُنُّ أنّ طلحة والزُّبير كانا على ضَلال قال: يا حَارِ إنه ملبوسٌ عليكَ إنّ الحقَّ لا يُعرفَ بالرّجال فاعرف الحقَّ تَعرِفْ أهله وقال عمر بنُ الخطّابِ رحمهُ اللَّه: لا أدركتُ أنا ولا أنتَ زماناً يتغايرُ الناس فيه على العِلم كما يتغايرونَ على الأزواج قال: وبَعثَ قَسامةُ بن زُهَير العنبَريُّ إلى أهله بثلاثينَ شاةً ونِحْي صغير فيه سمنٌ فسَرَقَ الرّسول شاةً وأخذ من رأسِ النِّحْي شيئاً من السمنِ فقال لهُم الرسولُ: ألكُم إليه حاجةٌ أُخبِرهُ بها قالت له امرأتُه: أخبِرْه أنّ الشهرَ محاقٌ وأنّ جَدْيَنا الذي كان يُطالِعنا وجدناهُ مرثوماً فاستَرْجَعَ منه الشاةَ والسَّمن قال عليّ بن سليمان لرؤبَةَ: ما بقيَ من باهِكَ يا أبا الجحّاف قال: يمتَدُّ ولا يَشتَدُّ وأستعينُ بيَدِي ثم لا أُورد وأُطيلُ الظِّمْءَ ثم أقَصِّرُ قال: ذاك الكِبَر قال: لا ولكنَّه طُولُ الرِّغاث وقيل لأعرابيّ: أيُّ الدّوابِ آكَلُ قال: بِرْذَوْنَةٌ رَغُوث وقيل لغيره: لم صارَتِ اللَّبؤةُ أنْزَقَ وعلى اللحم أحْرصَ قال: هي الرَّغُوث قال: وقال عُبَيدُ اللَّه بنُ عمر: اتّقُوا مَن تبغضُه قلوبكُمْ وقال إسماعيل بن غَزوانَ: لا تُنفِقْ درهماً حتَّى تراه ولا تَثِق بِشُكر من تُعطيهِ حتَّى تمنَعَه فالصابرُ هو الذي يشكُر والجازعُ هو الذي يكفُر عامرِ بنُ يحيى بنُ أبي كثيرٍ قال: لا تشهَدْ لمن لا تَعرف ولا تشهَدْ على مَن لا تَعرِف ولا تشْهَدْ بما لا تَعرِف أبو عبد الرحمن الضرير عن علي بن زيد بن جُدعان عن سعيد بن المُسَيَّبِ قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: رأسُ العقل بعد الإيمانِ باللَّه التَّودّد إلى الناس وقالت عائشة: لا قال: وقال معاوية يوماً: مَن أفصَحُ الناس فقال قائل: قوْم ارتفعوا عن لَخْلخانيَّةِ الفُراتِ وتَيامَنُوا على عَنْعَنةِ تميمٍ وتَياسَرُوا عن كسكَسةِ بكرٍ ليست لهم غَمغَمةُ قُضَاعَة ولا طُمْطُمانيَّة حِمْير قال: مَن هم قال: قُرَيْش قال: ممّن أنتَ قال: مِن جَرْم قال: اجْلِسْ وقال الرَّاجز: من الرجز إنّ تميماً أعطيتْ تماما وأعطِيَتْ مآثراً عِظاما وعدَداً وحَسباً قَمْقامَا وباذِخاً من عِزِّها قُدَّاما في الدهر أعيا الناسَ أن يُرَاما إذا رَأيتَ منهُم الأجْساما والدَّلَّ والشِّيمة والكلاَما وأذرُعاً وقَصَراً وهَاما عَرَفت أن لم يُخلَقُوا طَغَاما ولم يكُن أبُوهُمُ مِسقَاما لم تَرَ فِيمَن يأكُلُ الطّعَاما أقَلّ مِنهمْ سقَطاً وذاما تقولُ العَرَب: لو لم يكن في الإبلِ إلاّ أنَّها رَقوء الدّم قاتل جَندَلُ بن صخرٍ وكان عبداً مملوكاً: من الطويل وَمَا فَكَّ رِقِّي ذاتُ دَلٍّ خَبَرْنجٍ ولا شَاقَ مالي صَدْقَةٌ وعُقُولُ ولكنْ نَماني كُلُّ أبيضَ خِضرِمٍ فأصبَحتُ أدرِي اليومَ كيفَ أقُولُ وما كنتُ نوَّاماً ولكنّ ثائراً أنَاخَ قليلاً فوقَ ظَهرِ سبيلِ وقد كنتُ مجرورَ اللِّسانِ ومُفحَماً فأصبحتُ أدري اليومَ كيفَ أقولُ قال المُغيرةُ بن شُعْبةَ: من دخَلَ في حاجةِ رجُلٍ فقد ضَمِنَها وقال عُمرُ رِحمَه اللَّهُ: لكلِّ شيءٍ شَرَفٌ وشرفُ المعروفِ تعجيلُه وقال رجلٌ لإبراهيمَ النخعيّ: أَعِدُ الرّجُلَ المِيعادَ فَإلى متى قال: إلى وقتِ الصلاة قال: وقال لي بعضُ القُرشيِّينَ: من خافَ الكذِبَ أقلَّ من المواعيد وقالوا: أمرَان لا يسلمَانِ من الكذب: كثرةُ المواعيدِ وشِدَّةُ الاعتذار وقال إبراهيم النَّظَّام: قُلتُ لخنجيركُون ممرورِ الزياديِّين: اقعد هاهُنا حتّى أرجعَ إليك قال: أمّا حتّى ترجعَ إليّ فإنِّي لا أضمنُ لك ولكن أقعَد لك إلى اللَّيل
هذه رسالة إبراهيم بن سَيابَة إلى يحيى بن خالد بن برمك
وبلغني أنَّ عامَّةَ أهلِ بغدادَ يحفظونها في تلك الأيام وهي كما ترى وأوّلُها: للأصْيَدِ الجواد الوارِي الزِّنَاد الماجد الأجداد الوزير الفاضل الأشمِّ الباذِل اللُّباب الحُلاَحِل من المُستكينِ المستجير البائس الضَّرير فإنِّي أحْمَدُ اللَّه ذا العِزَّةِ القدِيرَ إليك وإلَى الصَّغير والكبير بالرحمةِ العامّة والبركةِ التامة أمّا بعد فاغنَمْ واسلَم واعلَمْ إن كنت تَعلم أَنَّه مَن يرحَم يُرحَم ومن يَحرِم يُحرَم ومن يُحسِن يَغْنَم ومَن يَصنع المعرُوفَ لا يَعدَم وقد سبَقَ إليَّ تَغضُّبك عَليَّ واطِّراحُكَ لي وغَفلتُكَ عنِّي بما لا أقُوم له ولا أقعُد ولا أنتَبهُ ولا أرقدُ فلستُ بذي حياةٍ صَحيح ولا بمَيْتٍ مُستَرِيح فررتُ بعد اللَّه مِنكَ إليك وتحمّلتُ بكَ عليك ولذَلِك قُلت: من الخفيف أسرعَتْ بي حثّاً إليك خِطائي فأَناخَت بمُذْنبٍ ذي رجاءِ راغبٍ راهبٍ إليك يُرجِّي مِنكَ عفواً عنه وفَضلَ عطاءِ ولَعمرِي ما مَن أَصَرَّ ومن تا - بَ مُقِرّاً بذنبه بِسواءِ فإنْ رأيتَ - أراكَ اللَّه ما تُحبُّ وأبقاكَ في خَيرٍ - ألاّ تَزهد فيما ترى من تَضرُّعِي وتَخشُّعِي وتذَلُّلِي وتضَعُّفِي فإنَّ ذَلكَ ليسَ مِني بنحيزةٍ ولا طبيعَةٍ ولا على وجهِ تصيُّدٍ وتَصنُّعٍ وتخدُّع ولكنه تذلُّل وتخشُّع وتَضَرُّع من غير ضَارع ولا مَهين ولا خاشعٍ لمن لا يستحق ذلك إلاّ لمن التضَرُّعُ له عِزٌّ ورفعَةٌ وشرف والسَّلام محمدُ بنُ حَربٍ الهلاليّ قال: دخل زُفَرُ بنُ الحارث على عبدِ الملك بعد الصّلحِ فقال: ما بقِيَ من حُبّكَ لِلضّحّاك فقال: ما لا ينفعُني ولا يضُرُّك قال: شَدَّ ما أحببتُموهُ معاشِر قيس قال: أحببنَاهُ ولم نُوَاسِهِ ولو كُنَّا آسيْناهُ لقد كُنَّا أدركْنا ما فاتَنَا منه قال: فما منعَكَ من مواساتِه يوم المَرْج قال: الذي مَنع أباكَ من مُواسَاةِ عثمان يوم الدَّار لكُلّ كريمٍ من ألائِم قومِهِ على كلِّ حالٍ حاسِدُونَ وكُشَّحُ قال: وقال سليمان بن سعدٍ لو صَحِبَني رجُل فقال اشتَرطْ عَليَّ خَصلةً واحِدةً لا تزيدُ عليها لقُلتُ: لا تَكذِبْني قال: كان يُقال: أربع خِصالٍ يسُودُ بها المرء: العلم والأدب والعِفَّة والأمانة وقال الشّاعر: من الطويل لَئِن طبتَ نَفساً من ثنائي فإنَّني لأطيَبُ نفساً عن نَداكَ على عُسرِي فلستُ إلى جدواك أعظَمَ حاجةً على شِدَّةِ الإعسارِ منك إلى شُكرِي وقال الآخَر: من الطويل أأن سُمتَني ذُلاًّ فَعِفتُ حياضَهُ سَخِطتَ ومَن يأْبَ المذلّة يُعذَرِ فها أنَا مُسترضِيكَ لا مِن جنايةٍ جنيتُ ولكِن من تجنِّيكَ فاغفرِ وقال إيَاسُ بن قَتادة: من الطويل وإنّ من السَّاداتِ من لو أطعمتَهُ دعاكَ إلى نار يَفورُ سعيرُها وقال الآخر: من الوافر عَزَمتُ على إقامَةِ ذي صَباحٍ لأمرٍ ما يُسَوَّدُ من يَسُودُ وقال الهُذَلِيُّ: وقال حارثةُ بن بَدر: من الطويل إذا الهمُّ أمسَى وهو داءٌ فأمْضِهِ ولستَُ بممضيهِ وأنت تُعادلُه ولا تُنزِلَنْ أمرَ الشّديدَةِ بامرئٍ إذا رامَ أمراً عَوّقَتهُ عواذِلُه وقُلْ للفُؤادِ إن نَزا بك نَزْوَةً من الرَّوْعِ أفرخْ أكثر الرّوعِ باطِلُهْ وقال الآخر: من الطويل وإنَّ بقومٍ سَوّدُوكَ لفاقةً إلى سَيِّدٍ لو يظفَرُونَ بِسَيِّدِ وقال الآخر: من الطويل وما سُدْتَ فيهم أنّ فضلَك عمَّهُم ولكنّ هذا الحظَّ في الناسِ يُقسَمُ وقال حارثةُ بن بَدر: من الكامل خَلَتِ الدِّيارُ فَسُدْتُ غير مُسوّدِ ومنَ الشَّقاءِ تفرُّدي بالسُّودَدِ الفضل بنُ تميم قال: قال المغيرة: مَن لم يَغضَب لم يُعرَفْ حلمُه وقال الشاعر: من الطويل ما بالُ ضَبْع ظلَّ يطلبُ دائباً فريستَهُ بين الأسودِ الضّراغمِ وقال الآخر: من الطويل ذَكَرتُ بها عهداً على الهجر والقِلَى ولا بُدّ للمشتاقِ أن يَتَذَكَّرا إذا ما شفيتَ النفس أبلغتَ عُذرَها ولا لوم في أمرٍ إذا بلغ العذرُ وقال الآخر: من الطويل لعَمرُك ما الشكوَى بأمرِ حَزَامَةٍ ولا بُدّ من شكوَى إذا لم يكن صَبْرُ وقال الآخر: من الرجز لولا ثلاثٌ هنَّ عيشُ الدّهرِ الماء والنّومُ وأُمّ عمرو لَمَا خشيتُ مِن مَضيق القبرِ وقال لَقِيطُ بن زُرارة: من الرجز شَتَّانَ هذا والعِناقُ والنّوْمْ والمشرَبُ البارِدُ والظِّلُّ الدَّوْمْ وقال والبة: مجزوء الكامل ما العَيشُ إلاّ في المُدَام وفي اللِّزَامِ وفي القُبَلْ وإدارةِ الظَّبي الغرِيرِ تَسُومُهُ ما لا يَحِلّ وقال شيخ من أهل المسجدِ: ما كنتُ أُريدُ أن أجْلِسَ إلى قوْم إلا وفيهم من يحَدِّثُ عن الحسَن ويُنشِدُ للفرزدقَ وقال أبو مُجيب: لا تَرَى امرأةً مُصَبَّرةَ العينِ ولا امرأةً عليها طاق يَمْنَةٍ ولا شَريفاً يهنَأُ بعيراً وقال أبو بَراح: ذهب الفتيانُ فلا ترى فتىً مفرُوقَ الشعرِ بالدُّهن مُعلِّقاً نعلَهُ ولا دِيكَين في خِطارٍ ولا صديقاً له صديقٌ إن قمَرَ ضَغَا وإنْ عوقِبَ جَزِع وإن خلا بصَدِيق فتىً خبَّبَه وإن ضُرِبَ أقَرّ وإن طال حَبسُه ضَجِرَ ولا ترى فتًى يُحسِنُ أن يمشيَ في قيدِه ولا يُخاطِب أميرَه وقال أبو الحسَن: قال أبو عَباية: ترى زُقاقَ بَراقشَ وبَسَاتين هَزَارِ مَرْدَ ما كان يَسلكُهُ غُلاَمٌ إلاّ بخفير وهُمُ اليوْمَ يخترقونَه قُلتُ: هذا من صَلاحِ الفِتيان قال: لا ولكن من فسادهِم البقطَريُّ قال: قِيلَ لطُفَيل العرائس: كم اثنان في اثنين قال: أربعَةُ أرْغفة وقال رَجُل لرجُل: انتظرتُك على الباب بقدر ما يأكلُ إنسانٌ جَرْدَقتين عبدُ اللَّهِ بن مُصعَب قال: أرسلَ علي بن أبي طالب رحمه اللَّه عبد اللَّه بن عباسٍ لما قَدِمَ البَصْرة فقال له: ايتِ الزبيرَ ولا تَأتِ طلحة فإنّ الزبيرَ ألْيَن وإنّك تجد طلحةَ كالثَّورِ عاقصاً قَرْنَه يَرْكَبُ الصُّعُوبة ويقول: هي أسهل فأقرئه السلامَ وقل له: يقول لك ابنُ خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتَني بالعِراق فما عَدَا مما بَدَا لك قال: فأتيت الزبيرَ فقال: مرحباً يا ابنَ لُبابة أزائراً جئتَ أم سفيراً قلت: كلَّ ذلك وأبلغتُه ما قال عليّ فقال الزبير: أبلغه السلامَ وقُل له: بيننا وبينَك عهدُ خليفةٍ ودمُ خليفة واجتماعُ ثلاثةٍ وانفراد واحد وأُمٌّ مبرورة ومشاوَرَةُ العشيرة ونشْرُ المصاحف فنحِلُّ ما أحلَّتْ ونُحرِّم ما حرَّمَت فلما كان من الغدِ حَرَّشَ بين الناسِ غوغاؤهم فقال الزبير: ما كنت أرى أنّ مثلَ ما جئنا له يكونُ فيه قِتال لئن عَمِرَتْ تَيمٌ زماناً بغِرَّةٍ لقد حُدِيتَ تَيمٌ حُدَاءً عَصَبْصبَا فلا يَضْغَمنَّ الليْث ُ تَيماً بغرّةٍ وتَيم يَشمُّونَ الفَريسَ المُنَيَّبَا وقال أعرابيٌّ: كحِّلْني بالمِيلِ الذي تُكحَلُ به العيونُ الدَّاءة وقال ابنُ أحمرَ: من الوافر بهَجْلٍ من قَساً ذَفِرِ الخُزَامَى تَهادَى الجِربياءُ به الحنينا به تَتَزَخَّرُ القَلَعُ السَّوَاري وجُنَّ الخازِبازِ بهِ جُنُونا تكادُ الشمس تخشعُ حين تبدو لهنَّ وما نزلن وما عَسِينا وقال الحَكم الْخُضْريُّ: من الكامل كُومٌ تظاهَرَ نَيُّها وتربَّعتْ بقْلاً بعَيْهَم والْحِمَى مجنُونا والمجنونُ: المصروعُ ومجنونُ بَني عامر ومجنونُ بني جَعدة وإذا فخر النباتُ قيل قد جُنَّ وقال الشَّنْفَرى: من الطويل فدَقّت وَجَلَّت واسبكرَّت وأَنَضَرَت فلو جُنَّ إنسانٌ من الْحُسن جُنَّتِ قال: وسمع الحجّاجُ امرأةً من خلِف حائطٍ تُنَاغي طفلاً لها فقال: مجنونةٌ أو أمُّ صَبَيّ وقال أبو ثُمامة بن عازِب: من الطويل وكُلهمُ قد ذاقنا فكأَنّما يرونَ علينا جلْدَ أجْرَب هامِلِ يَرى الناسُ منَّا جلْدَ أسْودَ سالخ وفَرْوَةَ ضِرْغامٍ من الأُسْدِ ضَيْغَمِ وأنشدنا الأصمعيُّ: من الرجز مُنْهَرِتُ الشِّدقَين عَودٌ قد كَمَل كأنّما قُمِّص من لِيطِ جُعَلْ وقال نُصَيب لعُمَر بن عبد العزيز: إنّ لي بُنَيّةً ذَررتُ عليها من سوادِي وقال عبد الملك للوليد: لا تَعزِل أخاكَ عبدَ اللَّه عن مصر وانظُر عمَّك محمدَ بن مروان فأقِرَّهُ على الجزيرة وأما الحجّاجُ فأنت أحوَجُ إليه منه إليك وانظُر عليّ بنَ عبدَ اللَّه فاستَوْصِ به خيراً فضَرَبَ عليّاً بالسِّياطِ وعزَل أخاه وعَمَّه قال أبو نُخَيلة: من الرجز أنَا ابنُ سَعدٍ وتوسَّطْتُ العجَمْ فأنا فيما شيتُ من خالٍ وعمّ وأنشد: من الطويل هُمُ وسَطٌ يرضى الإلهُ بحُكمهم إذا طَرقَت إحدَى الليالي بمُعظمِ يجعلُونَ ذلك من قولِ اللَّه تبارك وتعالى: " وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكْونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ ويكُونَ الرَّسُولُ عليكُمْ شَهيداً " البقرة: 143 وأنشد: من الوافر ولولا خُلَّةٌ سَبقَتْ إليه وأَخْوٌ كانَ من عَرَق المدَامِ دَلَفتُ لهُ بأبيض مَشرَفِيٍّ كما يَدنو المصافِحُ بالسَّلاَم لا تُبدِيَنَّ مقالةً مأثورةً لا تستطيع إذا مَضَتْ إدراكها وقال ابنُ ميَّادَة: من البسيط يا أيُّها النّاسُ رَوُّوا القولَ واستَمِعُوا وكلُّ قولٍ إذا ما قيلَ يُسْتَمَعُ وقال الآخر: من الكامل ما المُدلجُ الغادِي إليه بسُحرةٍ إلاّ كآخرَ قاعدٍ لم يَبرَحِ وقال العلاءُ بنُ مِنهالٍ الغنويّ في شَريك بن عبدِ اللَّه: من الوافر فَليتَ أبا شَريك كان حَيّاً فَيُقصِرَ عن مقالَتِه شريكُ وَيترُكَ مِن تدرُّئِهِ علينا إذا قلنا لهُ هذا أبوكا وقال طارقُ بن أُثَال الطائيُّ: من البسيط ما إنْ يزال ببغدَادٍ يزاحِمُنا على البَراذِين أشباهُ البَرَاذينِ أعطاهُمُ اللَّهُ أموالاً ومنزلةً من الملوكِ بلا عَقلٍ ولا دِينِ ما شِئتَ من بغلَةٍ سَفواء ناجيَةٍ ومن أثاثٍ وقول غيرِ موزُونِ وقال مُنقِذُ بنُ دِثَارٍ الهلاليُّ: من المنسرح لا تترُكَنْ - إن صَنيعَةٌ سَلَفَتْ منك وإن كنتَ لستَ تنكرُها فإنَّ إحياءَها إماتتُها وإنّ مَنّاً بها يُكدِّرُها وقال بعضُ الحكماء: صاحِبْ مَن ينسَى معروفَهُ عِندك ويتذكّرُ حقوقَك عليه وقال مِنْقَرُ بن فروةَ المِنْقريِّ: من الطويل وإن خفتَ من أمرٍ فواتاً فَوَلِّهِ سِواكَ وعن دَارِ الأذَى فتَحَوَّلِ وما المرء إلاّ حيثُ يجعَلُ نفسَهُ ففي صلاح الأخلاقِ نفسَكَ فاجعَلِ ونظر أبو الحارث جُمَّين إلى برذَونٍ يُستَقى عليه الماءُ فقال: وما المرءُ إلاّ حيث يجعلُ نفسَهُ لو هملَجَ هذا البِرذَونُ لم يُجعَل للرَّاوِيَة وأنشد: من الرجز لا خيرَ في كلِّ فتىً نَؤُومِ لا يعتريهِ طارِقُ الهُمُوم وأنشد: من الكامل اجعلْ أبا حَسَنٍ كمن لم تَعرِفِ واهجرْهُ مُعتزماً وإن لم يُخلفِ آخِ الكرامَ المُنصِفينَ وصِلْهُمُ واقطَعْ مودَّةَ كلِّ من لم يُنصِف وقال عُمارةُ بن عَقيل بن بلالِ بن جرير: من البسيط ما زال عِصيانُنا للَّه يُسْلِمُنا حَتَّى دُفِعنا إلى يَحيَى ودينارِ وشاتَم أعرابيٌّ أعرابيّاً فقال: إنَّكم لتعتَصرُونَ العطاءَ وتُعيرونَ النِّساء وتَبيعُون الماءَ وقال أبو الأسْودِ الدؤليُّ: من الطويل لنا جِيرة سَدُّوا المَجَازةَ بيننا فإن ذكَّروكَ السَّدَّ فالسَّدُّ أكيسُ ومِن خير ما ألْصَقْتَ بالدارِ حائطٌ تزِلُّ به صُقعُ الخطاطيفِ أملَسُ وأنشد: من الطويل إذا لم يكُن للمرءِ بُدٌّ من الرَّدَى فأكرَمُ أسبابِ الردى سَبب الحُبِّ وقال الآخر: من الكامل وإذا شَنِئْتُ فتىً شَنِئْتُ حديثَهُ وإذا سَمِعتُ غِناءَهُ لم أطرَبِ وأنشد المسرُوحيّ لكامِل بن عِكرِمة: من الطويل لها كلَّ عامٍ موعِدٌ غَير مُنجَزٍ ووقتٌ إذا ما رَأسُ حولٍ تَجرَّمَا فإنْ وَعَدَت شرّاً أتى دُون َ وقتِه وإن وَعَدَت خيراً أراثَ وعَتَّما وقال الآخر: من الوافر ألم تَرَ أنَّ سَيرَ الخبْر ريثٌ وأنَّ الشرَّ راكبُهُ يطيرُ وقال محمدُ بنُ يَسير: من الكامل وقال الآخر: من الطويل إذا ما بَرِيدُ الشامِ أقبَلَ نحونا ببَعض الدّواهي المُفْظِعات فأَسرَعا فإن كان شرّاً سارَ يوماً وليلةً وإن كان خيراً قصَّد َ السَّيرَ أربَعا وقال آخر: من الطويل وتُعجِبُنا الرُّؤيا فجُلُّ حَدِيثنا إذا نحن أصبَحنَا الحديثُ عن الرُّؤيا فإنْ حَسُنَت لم تَأتِ عجلَى وأبطأَت وإن قَبُحَت لم تحتَبِس وأتت عَجلَى وقال آخر: من الكامل وإذا نَهضَتُ فما النُّهوضُ بدائمٍ وإذا نُكِبتُ توالَتِ النَكَباتُ قال: قيل لأعرابيًّ: ما أعددْتَ للشِّتاء قال: جُلّةً رَبوضاً وصيصيَةً سَلُوكاً وشَملةً مَكُوداً وقُرْمُوصاً دَفيئاً وناقةً مُجَالِحة وقيل لآخر: ما أعددتَ للشّتاءِ قال: شِدَّةُ الرّّعدة وقيل لآخر: كيف ليلكم قال: شِدهَةُ الرِّعدة وقيل لآخر: كيف ليلكم قال: سَحَرٌ كلُّه وقيل لآخَر: كيف البردُ عندكم قال: ذَاك إلى الرِّيح وقال مَعنُ بن أَوس: من الوافر فلاَ وَأبي حَبيبٌ ما نَفاهُ منَ أرضِ بني ربيعةَ من هوانِ وكان هو الغَنيُّ إلى غِناهُ وكانَ من العشيرة في مَكَانِ فلوْلا أنّ أُمَّ أبيه أُمّي وأنْ مَنْ قد هَجاهُ فقد هجاني وأنّ أبي أبوه لذاقَ منِّي مَرارةَ مِبردي ولكان شانِي إذاً لأَصابه منِّي هجاءٌ يُمِرُّ به الرَّوِيُّ على لِسَاني أَعَلِّمُه ُ الرِماية كلَّ يومٍ فلا استَدّ ساعِدُه رماني وقال بعض اليهود: من الطويل ولَو كنتُ أرضى لا أبا لَك بِالذي به العائلُ الجثَّامُ في الخَفضِ قانِعُ إذا قَصُرتْ عِندي الهمومُ وأصبحَتْ عليَّ وعندِي للرِّجال صنائع ذكر ما قالوا في المَهَالبة: من الكامل إنّ المَهالِبةَ الكِرامَ تحمَّلوا دَفْعَ المكارِهِ عن ذِوِي المكرُوهِ زانوا قدِيمَهُم بحُسن حَديثِهم وكَريمَ أخلاقٍ بحُسنِ وجُوهِ وقال أبُو الجَهم العدَوِيُّ في معاوية بن أبي سُفيانَ: من الوافر نُقَلِّبُهُ لنَخْبُرَ حالتَيهِ فنَخبرُ مِنهُما كرماً ولِينا نَميلُ على جوانِبِهِ كأنّا نَميلُ إذا نَمِيلُ على أبينا لأحبَّني حُبَّ الصَّبِّي ورمَّني - رَمَّ الهديِّ إلى الغَنيّ الواجِدِ ولقد شفيتُ غلِيلَتي فنقعتُها من آلِ مسعودٍ بماءٍ بارِدِ وقال بُكَيرُ بن الأخنَس: من الطويل نَزلتُ على آلِ المُهلَّب شاتياً فقيراً بعيدَ الدارِ في سَنَةٍ مَحْلِ فما زالَ بي إلطافُهم وافتقادُهُم وإكرامُهم حتى حَسِبتُهُمُ أهلي وقال في كلمةٍ له أخرى: من الطويل وقد كنت شيخاً ذا تجارِبَ جَمَّةٍ فأصبحت فيهِمْ كالصبيِّ المُدلَّلِ ورأى المُهلَّبَ وهو غلامٌ فقال: من الطويل خُذُوني به إن لم يَسُدْ سَرَاوتِهم ويبرعَ حتّى لا يكونَ له مِثْلُ وقال الحَزِينُ في طلحة بن عَبدِ اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي بكرٍ الصديق رضي اللَّه عنه وأُمه عائشةُ بنتُ طلحةَ بن عُبيد اللَّه من ولَدِ أبي بكرٍ الصّدِّيق رحمه اللَّه: من المتقارب فإنّ تَكُ يا طَلحُ أعطيتَني جُماليَةً تستَخِفُّ السِّفَارَا فما كان نَفعُك لي مرّةً ولا مَرَّتَين ولكن مِرارا وقال أبو الطِّمَحان: من الوافر فما أنا والبِكارَةَ مِنْ مَخَاضٍ عِظَامٍ جِلَّةٍ سُدُسٍ وَبُزْلِ وقد عَرفت كِلابُكم ثيابي كأنِّي منكمُ ونسِيتُ أهلِي نمتكُم من بني شَمْخٍ زِنَادٌ لها ما شئِتَ مِن فرعٍ وأصلِ وقال أبو الشَّغب: من الطويل ألا إنَّ خيرَ الناسِ قد تعلمونه أسيرُ ثقيفٍ مُوثَقاً في السلاسلِ لَعَمري لئِنْ أعمرتُم السِّجنَ خالداً وأوطأتُموهُ وطأَةَ المتثاقلِ لقد كان نَهّاضاً بِكُلِّ مُلِمَّةٍ ومُعطِي اللُّهَى غَمراً كثير النوافِلِ فإنّ تسجُنوا القَسريَّ لا تَسجنُوا اسمَهُ ولا تسجنوا معروفَهُ في القبائِل ومن هذا الباب قَولُ أعشََى هَمْدانَ في خالِد بن عتّابِ بنِ ورقاءَ: من الطويل رأيت ثناءَ النّاس بالغَيب طيّباً عليكَ وقالوا: ماجدٌ وابنُ ماجِِد بني الحارثِ السّامِينَ للمجدِ إنَّكم بَنيتُم بناءً ذِكرهُ غيرُ بائِدِ هنيئاً لِمَا أعطاكم اللَّهُ واعلَموا بأنِّي سأُطْرِي خالِداً في القصائِد فإنْ يَكُ عَتَّابٌ مَضَى لسبيله فما مَاتَ من يَبقَى له مِثلُ خالِدِ فَيا قَبرَ معنٍ كُنتَ أوّلَ حُفرةٍ من الأرضِ خُطَّت للسماحِ وموضِعا ويا قبر معن كيف واريتَ جودَه وقد كان منه البَرُّ والبحرُ مُترَعا بلى قد وسِعت الجودَ والجودُ ميِّتٌ ولو كان حيّاً ضقت حتى تصدّعا فلمّا مضَى مَعنٌ مضى الجودُ والنَّدى وأصبحَ عِرنينُ المكارمِ أجدعا فَتىً عِيشَ في مَعروفِهِ بعد موته كما كان بَعدَ السّيلِ مَجراهُ مَرتَعا تَعزَّ أبا العباس عنه ولا يكُنْ جَزَاؤُكَ من مَعنٍ بأنْ تتضَعضَعَا فما ماتَ من كُنْتَ ابنَه لا ولا الذي لهُ مثل مَا أسدَى أبوكَ وما سَعَى تمنَّى أناسٌ شَأوَه من ضلاَلِهم فأضحَوا على الأذقانِ صَرعى وظُلَّعا وهذا مِثلُ قولِ مسلمٍ بنِ الوليدِ في يزيدَ بن مَزْيَد: من الكامل قَبرٌ ببرذَعَةَ استسرّ ضريحُهُ خَطَراً تقاصَرَ دونَهُ الأخطارُ أبقَى الزّمانُ على مَعَدٍّ بعدَه حُزْناً كعُمر الدَّهر لَيسَ يُعارُ نَفَضَت به الآمالُ أحلاسَ الغِنَى واسترجَعت نُزّاعَها الأمْصارُ قيل: إذا رَسخَ الرّجُلُ في العِلم رُفِعت عنه الرُّؤْيا الصالحة مَسْلَمة قال: كان عند عُمَر بن عبد العزيز رجلان فجعلا يلحنانِ فقال الحاجبُ: قُومَا فقد أَوْذَيْتُمَا أمير المؤمنينَ قال عُمَر: أنتَ آذَى لي منهما المدائني قال: قعد قُدّامَ زياد رجلٌ ضائعي - من قرية باليمن يقال لها ضياعٌ - وزيادٌ يبني داره فقال له: أيُّها الأمير لو كنتَ عملت باب مشْرقها قِبَل مغربها وباب مغربها من قِبَل مشرقها فقال: أنَّى لك هذه الفصاحة قال: إنّها ليست من كتاب ولا حساب ولكنها من ذكاوة العقل فقال: ويلك الثاني شرّ شُعبة عن الحكم قال: قال عبدُ الرحمنِ بن أبي ليلَى: لا أُمارِي أخي فإما أن أكذِبَهُ وإما أن أُغْضِبَه ابنُ أبي الزِّناد قال: إذا اجتَمعت حُرمَتان تُركَت الصُّغرى للِكُبْرَى وعن أبي بكر الهُذَلي - واسمه سُلْميٌّ - قال: إذا جَمَع الطّعامُ أربعة فقد كَمُلَ: إذا كان حلالاً وكثُرَت عليه الأيدي وسُمّيَ اللَّهُ على أوّلِه وحُمِد على آخِره: وقال ابن قميئةَ: من الطويل وأهوَنُ كفٍّ لا تضِيركَ ضَيْرةَ يَدٌ بينَ أيْدٍ في إناءِ طعَامِ يدٌ مِن قريبٍ أو غريبٍ بقفرةٍ أتتك بها غبراءُ ذاتُ قَتامِ وقال حمّادُ عجردٍ: من المتقارب حُبَيشٌ أبو الصلتِ ذو خِبرةٍ بما يُصلِحُ المِعدَة الفاسِدَهْ وقال سُويدُ المَرَاثد: من الكامل إنِّي إذا ما الأمرُ بَيَّنَ شكهُ وبَدَت بصائرهُ لمن يتأمَّلُ وتَبرَّأَ الضعفاءُ من إخوانِهم وألحَّ مِن حَرِّ الصَّميمِ الكلكلُ أدَعُ التي هي أرفَقُ الخَلاَّتِ بي عند الحفيظةِ للّتي هي أجملُ
قوله: من الكامل قالت أُمامةُ يوم برقةِ واسطٍ بابنَ الغَدِير لقد جَعلتَ تَغَيَّرُ أصبحتَ بعد شبابكَ الماضي الذي ذَهَبتْ بشاشَتُه وغصْنُك أخضُر شيخاً دِعامتُكَ العصا ومُشيَّعاً لا تبتَغي خَيرا ً ولا تسْتَخْبَرُ ويُضَمُّ البيت الأخير إلى قوله: من الطويل وهُلْكُ الفتى ألاَّ يَراحَ إلى النَّدَى وألاَّ يرى شيئاً عجيباً فيَعجبا ومن يَتَتبَّعْ منِّيَ الظّلْع َ يلقَنِي إذا ما رآني أصلَعَ الرأسِ أشيبا وقال بعض الحكماء: أعجب مِن العَجَب ترْكُ التعجُّبِ من العَجَب وقيل لشيخٍ هِمٍّ: أيَّ شيءٍ عَريضُ البِطانِ جديب الخِوان قريبُ المَرَاثِ من المرتَع فنصفُ النَّهارِ لكِرْياسِهِ ونِصفٌ لمأكلِهِ أجمَعِ ومما يضم إلى العصا قوله: من الطويل لعَمْري لئن حُلِّئْتُ عن مَنهل الصِّبا لقد كنتُ وَرَّاداً لمشرِبِه العَذبِ لياليَ أغْدو بين بُرْدَينِ لاهياً أمِيسُ كغُصْنِ البانَةِ النَّاعمِ الرّطْبِ سلامٌ عَلَى سيرِ القِلاصِ مع الرَّكْبِ ووَصلِ الغواني والمُدامَةِ والشَّربِ سلامَ امرئٍ لم تَبقَ منه بقيَّةٌ سِوى نظر العينينِ أو شهوة القَلْب وقال حاجبُ بنُ ذُبيان لأخيه زُرارةَ: من الطويل عَجِلْتَ مَجيءَ الموتِ حتَّى هَجَرَتني وفي القبر هجرٌ يا زُرَارُ طويلُ وقال الآخر: من الطويل ألم تَعلمي عَمَّرتُكِ اللَّهَ أنني كريمٌ على حِينَ الكرامُ قليلُ وأنِّيَ لاَ أخزَى إذا قيل مُمْلِقٌ جَوادٌ وأخْزَى أن يُقالَ بَخيلُ وإلاَّ يكُن عظمي طويلاً فإنّني له بالخصالِ الصالحاتِ وَصولُ وكائِنْ رأينا من فروعٍ طويلةٍ تموت إذا لم تُحيهِنَّ أُصُول ولم أرَ كالمعروف أمّا مَذاقُه فَحُلوٌ وأمّا وجهُهُ فجميلُ وقال زيادَةُ بنُ زيد: من الطويل إذا ما انتَهى علمي تناهَيتُ عِندَهُ أطالَ فأمْلَى أم تَنَاهَى فأقصَرَا ويُخبرُني عن غَائبِ المرءِ فِعلُه كفى الفِعلُ عما غَيّب المرءُ مُخْبِرَا وقال آخر: أبَرَّ فما يزدادُ إلاّ حماقةً ونُوكاً وإن كانت كثيراً مخارِجُه وقال ابنُ الرِّقَاع: من الكامل وقصيدةٍ قد بتُّ أجمَعُ بينَها حتَّى أقَوِّمَ مَيلَها وسِنادَها نظَرَ المُثَقِّفِ في كُعوب قَناتِه حتَّى يُقيمَ ثِقافُه مُنْآدَها وعلمتُ حتَّى لستُ أَسألُ واحِداً عن حَرفِ واحدةٍ لكي أَزدادَها وقال بعضُ الأعراب: من البسيط لولا مَسَرَّةُ أقوامٍ تَصعَّدُني أو الشّماتةُ من قومٍ ذوي إحَنِ وإنِّي لأهوَى ثمّ لا أتْبَعُ الهوَى وأَكرِمُ خِلاَّنِي وفيَّ صُدُودِ وفي النَّفسِ عن بعضَ التعرُّض غِلظةٌ وفي العين عن بعضِ البُكاءِ جُمُودُ وقال كُثيِّر: من الطويل ترى القومَ يُخفونَ التبسُّمَ عندَهُ وينذرُهُم عُورَ الكلامِ نذيرُها فلا هاجراتُ القولِ يُؤثَرْنَ عندَهُ ولا كلماتُ النُّصح مُقصىً مُشيرُها وقال المُقْشَعِرُّ: من الطويل يُقِرُّ بعَيني أن أَرَى قِصَدَ القنا وصَرعَى رجالٍ في وَغىً أنا حاضرُهْ وقال الكميتُ: من المنسرح أحْسَنُ منها ذِيادُ خامِسَةٍ في الوِردِ أو فَيْلَقٌ تجالِدُها وقال صالِحُ بن مخراق في كلامٍ له: لولا أنّ اللَّه قال: " كُتِبَ عَلَيْكُم القِتالُ وهُوَ كُرْهٌ لكم " البقرة: 12 لأنبأتُكُم أنِّي لا أكرَهُه وقال الآخر: من المتقارب تركتُ الرِّكابَ لأربابها وأكرهتُ نفسي على ابنِ الصَّعِقْ جَعَلْتُ يديّ وِشاحاً لهُ وبعضُ الفوارسِ لا يعتَنقْ قال: وقال عُمَر بنُ عبد العزيز يوماً في مجلسِهِ: مَن أُمُّ النُّعمان بن المنذِر فقال رَوحُ بن الوليدِ وقالوا: عَشْرُ خِصالٍ في عشْرَةِ أصنافٍ من النّاسِ أقبحُ منها في غَيرهم: الضِّيقُ في الملوكِ والغَدرُ في الأشرافِ والكذِبُ في القُضاةِ والخديعة في العُلماءِ والغَضبُ في الأبرارِ والحِرْصُ في الأغنياءِ والسَّفَهُ في الشيوخ والمرضُ في الأطبّاء والزَّهو في الفقراء والفَخرُ في القُرَّاء وأنشد: من الطويل ولا تَقْبَلوا عَقلاً وأُمُّوا بغارَةٍ بني عَبدِ شمسٍ بين دُومةَ والهضْبِ وهُزُّوا صُدُورَ المَشْرَفيِّ كأنّما يَقَعْنَ بهامِ القومِ في حَنظَلٍ رَطبِ ويُضَمُّ إلى بيت الكُميت وَبيت الْمُقشَعِرّ قولُ الحَكَميّ: من المنسرح أحسنُ عندي من انكِبابك بال - فِهْرِ مُلحّاً به على وَتِدِ وُقُوفُ ريحانَةٍ على أُذُنٍ وسَير ُ كأسٍ إلى فَمٍ بيَدِ وفي بابٍ غير هذا يقول حسَّانُ بن ثابت: من الخفيف ما أُبالي أنَبَّ بالْحَزْنِ تَيسٌ أمْ لَحانِي بظَهرِ غَيبٍ لئيمُ وأنشد: من الكامل خُبِّرْتُ أنّ طُوَيلباً يغتابُنا بعضيهةٍ يتنحَّلُ الأقوالا ما ضَرَّ سادة َ نَهْشَلٍ أهَجَاهُم أم قامَ في عُرْض الخَويِّ فبالا ما ضرّ تَغلِبَ وائِلٍ أهَجوتَها أم بُلْتَ حيثُ تناطَحَ البحرانِ وقال الآخر في هذا المعنى: من الرمل ما يَضيرُ البحرَ أمسَى زَاخِراً أنْ رَمى فيه غلامٌ بحجَرْ ومما يزاد في ذكر باب العصا قولُ جرير بن الخَطَفَى: من الوافر ويُقضَى الأمرُ حين تغيب تَيمٌ ولا يُستأمَرُون وهم شُهودُ وقد سَلَبت عصاك بنو تميم فما تدري بأيِّ عصاً تَذُودُ وقال الحسين بن عُرفُطة بن نَضْلَة: من الطويل ليَهنيكَ بُغضٌ في الصّديق وظِنَّةٌ وتحديثُك الشيءَ الذي أنت كاذبُه وأنَّكَ مِهْدَاءُ الخَنَا نَطِفُ النَّثَا شَديد السِّبابِ ورافعُ الصَّوت غالِبُه وأنّك مَشنوءُ إلى كلِّ صاحبٍ بَلاكَ ومثلُ الشرِّ يُكرَهُ جانبُهْ ولم أرَ مثلَ الجهل أدنَى إلى الرّدَى ولا مِثل بُغض الناس غُمِّصَ صاحِبُهْ وقال قَتادة بن خرجة الثَّعْلبيّ من بني عَجَب: من الطويل خليلَيَّ يومَ السِّلسِلين لو أنّني بَهبْر اللّوَى أنكَرْتُ ما قلتما لِيا إذا كنتَ في قومٍ عِدىً لستَ منهُم فكُلْ ما عُلِفْتَ من خَبيثٍ وطيِّبِ وقال أحمد بن يوسف وكان يتعشَّق يحيى بن سعيد بن حَمَّاد: مجزوء الكامل إنّ يحيى بنَ سعيدٍ يشتهي أنْ أشتهيهِ فهو يلقاني بتَوْرِي - مٍ وأحياناً بتيهِ وقال أبو سَعْدٍ دَعِيُّ بني مخزوم في مُهَاجاة دِعبِل: من المتقارب ولولا نَزَارٌ لَضَاقَ الفضاءُ ولم يَبقَ حرزٌ ولا مَعْقِلُ وأخرجت الأرضُ أثقالَها وأُدخلَ في است أمِّه دعِبِلُ وقال: من المديد حدَقُ الآجال آجالُ والهوى للمرء قتَّال والهوى صعبٌ مراكبه وركوب الصعب أهوالُ ليس من شكلي فأشْتُمَه دِعْبلٌ والنَّاس أشكالُ هِمَّتي في التاج أَلبَسُه وله في الشِّعْرِ آمالُ وقال: من المجتث وفي حِرِ امِّي وإن كُنْ - تُ سيِّدَ الشعَراءِ وقال محمد بن يسير: من المديد في حِرِامِّ الناسِ كُلّهِمِ وأنا في ذا مِنَ أوِّلِهمْ لستَ تدرِي حين تَخْبُرهم أين أدناهُم مِن أفضلهمْ وقال: من الوافر إذا ما جاوَزَ النُّدَمَاءُ خَمْساً بربِّ البيت والسّاقي اللَّبيبِ فأيرٌ في حِرِ امِّ فتىً دَعَانا وأيرٌ في حِرِ امِّ فتىً مجيبِ وقال سَلْمٌ الخاسر: من الطويل بهارون قرّ الملكُ في مستقَرِّه وأَبْهَجت الدُّنيا وأشرق نورُها وليسَ لأيّام المَكارمِ غاية تتمّ بها إلاّ وأنت أميرُها وقال بشَّار بن بُرد: من الخفيف مِن فَتاةٍ صُبَّ الجمال عَلَيها في حديث كلَذَّةِ النّشوانِ ثم فارقتُ ذاك غيرَ ذميمٍ كلُّ عيشِ الدُّنيا وإن طال فَانِ وجوه ٌ لو ان َّ المُدْلِجِينَ اعتَشَوْا بها صَدَعْن الدُّجَى حتَّى ترَى الليلَ ينجلي وقال المسعوديّ: مجزوء الكامل إن الكرام مُناهبو - ك المجدَ كلّهم فناهِبْ أخْلِفْ وأتِلفْ كلُّ شي - ءٍ زعزعته الرِّيحُ ذاهِبْ وقال شيخ من الأطباء: الحمدُ للَّه فلانٌ يزاحمنا في الطِّبِّ ولم يختلف إلى البِيمارِستانات تمامَ خمسين سنةً وحدثني محمد بن عبد الملك - صديقٌ لي - قال: سمعتُ رجلاً من فُرسان طَبَرِستان يقول: فلانٌ يدَّعي الفروسيَّة ولو كُلِّفَ أن يُخْلِيَ فُرُوجَ فَرسِه منحدِراً لما قَدَر عليه وقال بعض العبيد: من الطويل أيبعَثُني في الشَّاء وابنُ مُوَيلِكٍ على هَجْمةٍ قد لوّحَتها الطَّبائخُ مَتَى كان حُمرَانُ الشَّبابيّ رَاعياً وقد راعه بالدّوِّ أسودُ سالخ وقال كثيِّر في عمر بن عبد العزيز رحمه اللَّه: من الطويل تكلَّمتَ بالحقِّ المبينِ وإنما تَبيَّنُ آياتُ الهُدَى بالتَّكلّمِ ألا إنَّما يكفي القَنا بعدَ زَيغِه من الأوَدِ الباقي ثِقَافُ المُقَوِّم الأصمعي قال: قال يُونس بن عبد الأعلى: لا يزال الناسُ بخير ما داموا إذا تخَلَّج في صَدْر ترى مِنبرَ العبدِ اللَّئِيم كأنّما ثلاثةُ غربَانٍ عليه وُقُوعُ وقال الأعشى: رُبّ رِفدٍ هَرقتَه ذلك اليَوْ - مَ وأسرى من مَعْشَرٍ أقيالِ وقالوا: لا وَكْسَ ولا شَطَط وقا الشاعر: من الكامل ومُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزَالَهُ لا مُمْعِنٍ هَرَباً ولا مستسلمِ وقال زهير: من البسيط دُون السَّماء وفوقَ الأرض قدرُهُما عند الذُّنابَى فلا فَوْتُ ولا دَرَكُ وقالوا: خير الأمور أوساطها وشرّ السَّير الحَقحقة قال: والمَثلُ السائر والصوابُ المستعمَل: لا تكُنْ خُلْواً فتُزدَرَدَ ولا مُرّاً فتلْفَظ وقال عمر بن الخطّاب رحمه اللّه: إنّ هذا الزمرَ لا يُصْلِحُه إلاّ لِينٌ في غير ضَعف وشِدّةٌ في غير عُنف وكان الحجّاج يُجاوز العُنف إلى الخُرق وكان كما وصف نفسه فإنّه قال: أنَا حديدٌ حقُودٌ وذو قَسوةٍ حَسُود وذكره آخر فقال: كان شرّاً من صبيٍّ وقال أكثم بن صَيفيّ: تناءَوا في الدِّيار وتواصلوا في المَزَار وكان ناسئُ الشُّهورِ يقول: اللهُمَّ باعِدْ بين نسائِنا وقارِبْ بين رِعائنا واجعل الأموال في سُمَحائنا وقال آخر: من البسيط وقال الآخر: تركُ الوطن أَحَدُ السِّبَاءَين وقالوا: من أجدَبَ انتجع وقال آخر: مَن أمّل امرأ هابَهُ ومن قصَّر عن شيءٍ عابَهُ وقال الآخر: من الوافر رجعنا سَالمين كما بدَأْنا وما خابت غنيمةُ سالمينا وقال امرؤ القيس بن حُجْر: من الوافر لقد نقّبتُ في الأفاق حَتَّى رضِيتُ من الغنيمة بالإيَابِ وقيل لابن عباس: أيُّما أحَبُّ إليك رجل يُكثِرُ من الحسنات ويكثُر من السّيّئات أو رجلٌ يُقِلُّ من الحسنات والسِّيئات قال: ما أعْدِلُ بالسّلامة شيئاً وقالت أعرابية: من الطويل فلا تَحمَدوني في الزِّيارة إنّني أزوركمُ إلا أَجدْ مُتعَلَّلا يعقوب بن داود قال: ذَمَّ رَجُلٌ الأشْترَ فقال له رجلٌ من النَّخَع: اسكتْ فإنَّ حيَاتُهُ هَزَمتْ أهلَ الشّام وموتَه هَزَم أهل العراق أبو الحسن قال: أُرسِلت الخيلُ أيّامَ بِشر بن مروان فسبقَ فرسُ عبدِ الملك بن بشرٍ فقال له إسماعيل بن الأشعث: واللَّه لأُرْسِلَنَّ غداً مع فرسك فرساً لا يَعرِفُ أنّ أباكَ أمير العراق فجاء فرسُ إسماعيل سابقاً فقال: ألم أُعلِمْك وقال أبو العتاهية: من كفى حَزَناً بِدفنْكَ ثم إنِّي نَفَضْتُ تُرابَ قَبرِكَ عن يَديَّا طَوتْكَ خُطُوبُ دَهركَ بعد نَشرٍ كذاك خُطوبُهُ نشراً وطَيّا فلو نَشرتْ قواكَ ليَ المنايا شكوتُ إليك ما صنعَتْ إليّا بكيتُك يا أُخَيَّ بدَرِّ عينِي فلم يُغنِ البكاءُ عليك شيّا وكانت في حياتك لي عِظاتٌ وأنت اليومَ أوعَظُ منك حيَّا وقال الآخر: من الطويل أبعْدَ الذي بالنَّعْف نعفِ كُويكبٍ رَهينَةُ رمسٍ بين تُرب وجندَلِ أُذكَّرُ بالبُقْيا على مَن أصابني وبُقيَاي أنِّي جَاهِدٌ غير مؤتَلِ يقول: هذه بُقياي قال: قيل لشَريك بن عبد اللَّه: كان معاويةُ حليماً قال: لو كان حليماً ماسَفِهَ الحقّ ولا قاتلَ عليّاً ولو كان حليماً ما حَملَ أبناء العبيدِ على حُرمه ولَمَا أنكح إلاّ الأكْفاء وأصوَبُ من هذا قول الآخر قال: كان معاويةُ يتعرَّض ويحلُم إذا أُسْمِعَ ومَنْ تَعرَّضِ للسّفيه فهو سفيه وقال الآخر: كان يحبُّ أن يُظهِرَ حلمَه وقد كان طار اسمُه بذلك فكان يحبُّ أن يزداد في ذلك وقال الفرزدق: من الطويل وكان يُجير النّاسَ من سَيفِ مالكٍ فأصبح يبغي نفسَه مَن يُجيرها وقال التُّوتُ اليمانيّ: على أيِّ بابٍ أطلُبُ الإذنَ بَعْدما حُجِبْتُ عن الباب الذي أنا حاجِبُه وهذا مثل قوله: والسَبَبُ المانعُ حَظَّ العاقِل هو الذي سَبَّب رِزْقَ الجاهلِ ومثله: من الطويل ورُبَّتَ حزمٍ كان للسُّقمِ عِلّةً وعلَّةُ بُرءِ الدَّاء حظُّ المغفَّلِ وقال آخر: من الطويل يَخيبُ الفتى مِن حيثُ يُرزَق غَيرُه ويُعطَى الفتى من حيث يُحرمَ صاحبُه وقال عثمان بن الحُويرث لعمرو بن العاصي: من الطويل لهُ أبَوانِ فهو يُدعَى إليهما وشرّ العبَادِ من لَهُ أبَوانِ وقد حَكَّما فيه لتصدُقَ أُمُّه وكان لها علمٌ به ببيانِ فقالت: صُراحٌ وهي تعلم غيرَهُ ولكنّها تَهذِي بغير لسانِ وقال الآخَر: من البسيط يَطلُبْن بالقومِ حاجاتٍ تضمَّنها بَدرٌ بكلِّ لسانِ يَلُبَسُ المِدَحا وكّلتَ بالدَّهر عيناً غير غافلةٍ من جُودِ كفِّك تأسو كُلَّ ما جَرَحا ومثله: من الطويل إذا افتقر المِنهالُ لم يُرَ فقرُه وإن أيْسَر المنهال أيسر صاحبُه وقال عليُّ بن أبي طالبٍ رضي اللَّه عنه: من أفضل العبادة الصَّمت وانتظارُ الفَرَج وقال يزيد بن المُهَلَّب وكان في سجن الحجّاج: لهفي على طَلِيَّةٍ بمائة ألف وفرج في جَبْهَةٍ أسَد وأنشدَ: رُبَّما تَجزَعُ النُّفوسُ من الأم - ر له فِرْجةٌ كحَلِّ العِقَالِ وأنشد: من الطويل كَرِهتُ وكان الخَيرُ فيما كرِهتُه وأحبَبتُ أمراً كان فيه شَبَا القتلِ مثلُ قول اللَّه تبارك وتعالى: " وَعَسَى أنْ تَكْرَهوا شَيْئاً وهو خَيْرٌ لَكُم وَعَسَى أن تُحِبُّوا شَيئاً وهو شَرٌّ لَكُمْ " البقرة: 216 وكان يقال: خُذْ مقتصِدَ العِراق ومجتهدَ الحجاز وقال الآخر: من الطويل لكلِّ كريمٍ من ألائم قومه على كلِّ حالٍ حاسدون وكُشَّحُ وقال جرير: من الكامل وقال اللَّه تبارك وتعالى: " قُلْ مَا أسألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكلِّفين " ص: 86 وقال ابنُ هَرْمة: من الوافر أشَمُّ من الَّذِينَ بهم قريشٌ تُدَاوِي بينها غَبَنَ القَبيلِ كأنّ تلألُؤ المعروفِ فيهِ شُعاع الشَّمْس في السَّيف الصَّقِيلِ وقال امرؤ القيس: من الطويل أجارتَنا إنّ المَزارَ قريبُ وإنِّي مُقيمٌ ما أقامَ عَسِيبُ أجارتنا إنّا غريبانِ هاهنا وكلّ غريبٍ للغريب نسيبُ وقال بشار: من الكامل وإذا اغتربتَ فلا تكن جَشِعاً تسمُو لغَثِّ الكسب تكسِبُه وقال حَسّان بن ثابت: من البسيط أهدَى لهمْ مِدَحي قلبٌ يوازِرُهُ فيما أحَبَّ لسانٌ حائكٌ صَنَعُ وقال الأصمَعيُّ: أنشدنا أبو مَهديّة: من البسيط ضَحَّوْا بأشمَطَ عُنوانُ السُّجودِ به يُقطِّعُ اللَّيلَ تسبيحاً وقُرآنا وقال الخزرَجيُّ يردُّ على أبي قيس بن الأسْلَتِ واسمُه صَيْفيّ: من المتقارب عَرَانينَ كلُّهُمُ ماجِدٌ كثيرُ الدّسائعِ والمنْفَعَهْ فهَلاَّ حضرتَ غداةَ البَق - يعِ لمَّا استمات أبو صَعْصَعَهْ ولكنْ كرهتَ شُهودَ الوَغَى وكنتم كذلك في المَعْمَعهْ سِرَاعاً إلى القَتلِ في خِفْيةٍ بطاءً عن القَتْلِ في المجمعَهْ وأنشد الأصمعي: من الكامل آتِي النَّديَّ فلا يُقَرَّب مجلسي وأقود للشرفِ الرّفيع حِمارِيَا وقال حبيبُ بن أوْس: من المنسرح كالخُوط في القَدِّ والغَزَالةِ في البَهْ - جِة وابنِ الغزالِ في غَيَدِه وما حكاه ولا نعِيمَ لَهُ في جِيدِه بل حَكاهُ في جَيَدِه إلى المُفدَّى أبي يزيدَ الّذي يَضِلّ غَمْرُ المُلوك في ثَمَدِهْ ظِلُّ عُفَاةٍ يُحب زَائرَهُ حُبَّ الكبيرِ الصغيرَ من وَلَدِه إذا أَناخُوا ببابهِ أخَذُوا حُكْمَهُمُ من لسانِه ويَدِه وقال أيضاً: من الطويل قَطرِيُّ بن الفُجَاءَة أحدُ بني كابِيةَ بن حُرقُوص وكنيته أبو نعامة في الحرب وفي السلم أبو محمد وهو أحد رؤساء الأزارقة وكان خطيباً فارساً خرج زَمن مُصعب بن الزُّبير وبقي عشرين سنةً وكان يَدِين بالاستعراض والسِّباء وقتل الأطفال وكان آخرُ من بُعِث إليه سفيان بن الأبرد الكلبيّ وقَتلَه سَورَة بن أبْجَر الدارمي من بني أبان بن دارم
ومن خطباء الخوارج وشعرائهم وعلمائهم
حَبيب بن خُدرة عِدَاده في بني شَيبان وهو مولىً لبني هلال بن عامر ومن علمائهم وخطبائهم وأئمتهم: الضحَّاك بن قيس أحد بني عمرو بن مُحلِّم بن ذُهْل بن شَيبان ويكنى أبا سعيد ملَكَ العراقَ وصَلَّى خَلفَه عبد اللَّه بن عمر بن عبد العزيز وعبد الواحد بن سليمان وقال شاعرهم: ألم تر أنَ اللّه أظهر دينَه وصلَّتْ قريشٌ خلف بكر بن وائِل ومن علمائهم: وخطبائهم: نصر بن مِلْحان وكان الضَّحَّاك ولاّه الصلاةَ بالناس والقضاءَ بينهم ومن علمائهم: مُليلٌ وأصغرُ بن عبد الرحمن وأبو عبيدة كورين واسمه مُسلِم وهو مولىً لعروة بن أذينة ومن علمائهم وخطبائهم وشعرائهم وقَعَدِهم وأهل الفقه: عِمران بن حِطّان ويكنى أبا شهاب أحد بني عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة ومن الخوارج من بني ضَبَّة ثم أحد بني صَبَّاح: القاسم بن عبد الرحمن بن صُدَيقة وكان ناسباً عالماً داهياً وكان يشوب ذلك ببعض الظَّرف ومن علمائهم ونُسَّابهم وأهل اللَّسَن منهم: الجَون بن كِلاب وهو من أصحاب الضّحَّاك ومن رجالهم وأهل النَّجْدة والبيان منهم: خُرَاشة وكان ركّاضاً ولم يكن اعتَقَد أخبرني أبو عبيدة قال: كان مِسمارٌ مستخفياً بالبَصرة فتخلّصت إليه فأخبرني أنه الذي طعن مالكَ بن عليٍّ في فيه وذلك أنه فتح فاه يقول: أنا أبو علي فشَحا بها فاهُ فطعنتُه في جوف فمه ومن شعرائهم عِتبان بن وَصيلَة الشّيباني وهو الذي يقول: من الطويل ولا صُلحَ ما دامَتْ منابرُ أرضنا يقوم عليها من ثقيفَ خطيبُ وعن عيسى بن طلحة قال: قلتُ لابن عبَّاس: أخبِرْني عن أبي بكر قال: كان خيراً كلّه على الحِدَّة وشدّة الغضب قال: قلتُ: أخبرني عن عمر قال: كان كالطائر الحِذِر قد عَلِم أنه قد نُصب له في كلِّ وجهٍ حِبالة وكان يعمل لكلِّ يوم بما فيه على عُنْفِ السِّباق قال: قلت: أخبِرْني عن عثمان قال: كان واللَّه صَوَّاماً قوَّاماً لم يخدعه نومُه عن يَقَظته قال: قلت: فصاحبُكم قال: كان واللّه مملوءاً حِلماً وعِلماً غَرَّته سابقتُه وقرابته وكان يَرََى أنه لا يطلبُ شيئاً إلاّ قَدرَ عليه قلت: أكنتم تُرَونَه محدوداً قال: أنتم تقولون ذاك قال معاوية: ما رأيتُ سَرَفاً قطُّ إلاّ وإلى جَنبِه حقٌّ مضَيّع وقال عثمانُ بن أبي العاص: الناكح مغترِس فلينظر امرؤٌ أينَ يضع غَرْسه وقالت هندُ بنت عُتبة: المرأة غُلٌّ ولا بدَّ للعنق منه فانظر مَن تضعُه في عنقك وقال ابن المُقَفَّع: الدَّينُ رِقٍّ فانظر عند مَن تضَعُ نفسَك وقال عمرو بن مَسْعَدة أو ثابتٌ أبو عَبَّاد: لا تستصحِبْ من يكون استمتاعُه بمالك وجاهك أكثر من إمتاعه لك بِشُكر لسانه وفوائد علمه ومن كانت غايتُه الاحتيالَ على مالِكَ وإطراءَك في وجهك فإنّ هذا لا يكون إلاَّ رديَّ الغَيب سريعاً إلى الذمّ بسم اللَّه الرحمن الرحيم قد قلنا في صدر هذا الجزء الثالث في ذكر العصا ووجوهِ تصرُّفِها وذكَرْنا من مقطَّعات كلام النُّسَّاك ومن قِصار مواعظ الزُّهَّاد وغير ذلك مما يجوز في نوادر المعاني وقِصار الخُطَب ونحن ذاكرون على اسم اللّه وعونِه صدراً من دُعاء الصَّالحين والسَّلَف المتقدِّمين ومن دُعاء الأعراب فقد أجْمَعوا على استحسان ذلك واستجادته وبعضَ دعاءِ الملهوفين والنُّسَّاك المتبتِّلين وقال اللَّه لنبيّه صلى الله عليه وسلم: " قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُم رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُم " الفرقان: 7 وقال: " ادْعُونِي أستَجِبْ لَكُمْ " غافر: 60 وقال: " يَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً " الأنبياء: 90 وقال: " والمستَغْفِرينَ بالأسْحَار " آل عمران: 17 قالوا: كان عمر بن معاويةَ العُقَيليّ يقول: اللهمَّ قِني عَثَرات الكِرَام والكلام وقال أعرابيُّ لرجل سألَه: جَعلَ اللَّه الخيرَ عليك دليلاً ولا جعل حَظَّ السّائِل منك عِذْرَةً صادقة وقال بعضُ: كِرام الأعراب ممّن يقرِض الشّعر ويؤثر الشَّكر: من الطويل لعلَّ مُفَيداتِ الزّمانِ يُفِدنَني بني صامتٍ في غيرشيءٍ يَضيرُهَا قال شيخٌ أعرابيّ: اللهمَّ لا تُنزِلْني ماءَ سَوء فأكونَ امرأَ سَوءٍ قال: وسمعت عُمر بن هُبَيْرة يقول في دعائه: اللّهم إني أعوذ بك من صديقٍ يُطِري وجَليسٍ يُغْرِي وعَدُو يَسرِي قال: وكتب ابن سَيَابة إلى صديق له إمّا مُستقرِضاً وإمّا مستفرِضاً فذكر صديقُه خَلّةً شديدة وكثرةَ عيالٍ وتعذُّرَ الأمور عليه فكتب إليه ابن سَيَابة: إن كنتَ كاذباً فجعلك اللَّه صادقاً وإن كنتَ مَليماً فجعلك اللَّه معذوراً وقال الأصمعيّ: سمعتُ أعرابيّاً يقول: أعوذ بك من الفَواقر والبواقر ومن جَارِ السَّوء في دار المُقامة والظَّعْنِ وما ينكِّس برأس المرء ويُغْرِي به لئامَ النّاس قال الأصمعي: قيل لخالد بن نَضْلَة: قال عبد يغوث بن وَقّاص ما أذُمُّ ما فيها إلاّ عَطْنَى ليس خالدَ بنَ نَضْلة يعني مُضر قال خالد: اللهمّ إن كان كاذباً فاقتله على يد ألأمِ حيٍّ في مُضَر فقتَلتْه تَيم الرِّباب قالوا: وقف سائلٌ من الأعراب على الحسن فقال: رحم اللَّه عبداً أعطى من سَعَة وآسَى من كَفاف وآثر من قِلَّة وقال: في الأثر المعروف: حصِّنوا أموالَكم بالزّكاة وادفعوا أمواج البَلاء بالدُّعاء ومن دعائهم: أعوذُ بك من بَطر الغِنى وذِلَّة الفقر قال: ومن دعاء السَّلَف: اللهمّ احمِلْنا من الرُّجلْة وأغْنِنَا من العَيْلة وسأل أعرابيٌّ فقيل له: بُورِكَ فيك فتوالى ذلك عليه من غير مكان فقال: وَكَلَكم اللَّهُ إلى دعوةٍ لا تحضُرها نِيّة وقال أعرابيّ: أعوذُ بك من سُقْم وعَدْوَاه وذِي رحِم ودَعْواه ومن فاجرٍ وجَدْواه ومن عملٍ لا ترضاه وسأل أعرابيٌّ فقال له صبيٌّ من جَوف الدار: بُورِك فيك فقال: قَبح اللَّه هذا الفم لقد تعوّد الشرّ صغيراً وهذا السَّائل هوالذي يقول: من الرجز رُبّ عجُوزٍ عِرمِسٍ زَبُونِ سريعةٍ الرّدِّ على المسكين تحسَبُ أنَّ بُورِكاً يكفيني إذا غدوتُ باسطاً يميني وقال آخر: اللهمّ أعِنِّي على الموت وكُربته وعلى القبر وغُمّته وعلى الميزان وخِفّته وعلى الصِّراط وزَلَّته وعلى يوم القيامة ورَوْعته وقالت عجوزٌ وبلَغَها موتُ الحجّاج: اللهمَّ إنّكَ أمَتَّه فأمِتْ سُنّته قال: وكان محمد بن علي بن الحسين بن عليّ يقول: اللهمَّ أعنِّي على الدنيا بالغنى وعلى الآخرة بالتَّقوى وقال عَمرو بن عُبيَد: اللهمَّ أغْنِنِي بالافتقار إليك ولا تُفْقِرْني بالاستغناء عنك وقال عمرو بن عُبيَد: اللهمَّ أغْنِنِي على الدُّنيا بالقناعة وعلى الدِّين بالعِصمة قال: ومرض عوفُ بن أبي جَميلة فعاده قومٌ فجعلوا يُثنون عليه فقال: دَعُونا من الثَّناء وأمِدُّونا بالدُّعاء قال: وسمعتُ عمرَ بنَ هبيرةَ يقول: اللَّهمَّ إنِّي أعوذ بك مِن طُول الغفلة وإفراط الفِطنة اللهمَّ لا تجَعْل قولي فوقَ عملي ولا تجعل أسوأَ عملي ما قاربَ أجلي وقال أبو مَرْجَحٍ: اللهمَّ اجعل خيرَ عملي ما وَلِيَ أجلي قال: ودعتْ أعرابيَّةٌ لرجل فقالت: كبَتَ اللَّه كلَّ عدوٍّ لك إلاّ نفسَك وقال يزيد بن جَبَل: احرُسْ أخاك إلاّ من نَفْسِه قال: ودعا أعرابيٌّ فقال: اللهمَّ هب لي حقَّك وأرضِ عَنِّى خلقك قال: وكان قومٌ نُسّاكٌ في سفينةٍ في البحر فهاجت الرِّيح بأمرٍ هائل فقال رجلٌ منهم: اللهمَّ قد أريتَنا قدرتَك فأرِنا عفوَك ورحمتَك قال: وسمع مُطَرِّف بن عبد اللَّه رجلاً يقول: أستغفر اللَّه وأتوبُ إليه فأخَذَ بِذراعه وقال: لعلَّك لا تفعل مَن وعَدَ فقد أوجب وقال رجلٌ لابن قُثم: كيف أصبحت قال: إنْ كان من رأيك أن تَسُدَّ خَلَّتي وتقضِيَ دَيني وتكسُوَ عُرْيِي خَبَّرتك وإلاّ فليس المجيب بأعجب من السائل وقال آخَر: اللهم أمِتعْنا بخيارنا وأعِنَّا على شِرارنا واجعل الأموالَ في سُمحائنا وقال أعرابيّ: اللهمَّ إنّك قد أمرتنا أن نَعفُوَ عمّن ظلمنا وقد ظلَمْنا أنفسَنا فاعفُ عنَّا وقال أعرابيٌّ ورأى إبلَ رجلٍ قد كثُرَت بعدَ قِلّة فقيل له: إنَّه قد زَوَّج أمَّه فجاءته بنافجة فقال: اللهمَّ إنّا نعوذ بك مِن بعض الرِّزق الأجوفان: البَطْن والفرْج والأَمَرَّانِ: الجوع والعُرْي وجاء في الحديث: من وُقِيَ شرّ قَبقَبه وذَبْذَبِه ولَقْلَقِه فقد وُقِيَ الشَّرَّ كُلَّه وقال الأعرابيّ: مَنَحكم اللَّه مِنحةً ليست بِجَدَّاءَ ولانَكْداء ولا ذاتِ داء قال: قيل لإبراهيم المحلِّميّ: أيُّ رجل أنت لولا حِدّةٌ فيك قال: أستغفر اللَّه مِمَّا أملك وأستصلِحُه ما لا أملك وقال أعرابيٌّ وماتَ ابنٌ له: اللَّهمَّ إنِّي قد وهبتُ له ما قصَّر فيه مِن بِرّي فهَبْ لي ما قصَّرَ فيه من طاعتك الفضل بن تميم قال: قال أبو حازم: لأَنَا مِنْ أن أُمنَع الدّعاءَ أخوَفُ منِّي من أن أُمنَع الإجابة قال: ولما صَافَّ قتيبةُ بن مسلمٍ التُّرْكَ وهاله أمرُهم سأل عن محمد بن واسع وقال: انظروا ما يصنع فقالوا: ها هو ذاك في أقصى الميْمنة جانحاً على سِيَة قوسه يُنَضنض بإصبعه نحو السَّماء قال قتيبة: تلك الإصبعُ الفاردة أحبُّ إليّ من مائةِ ألفِ سيفٍ شهير وسنانٍ طرير وقال سعيد بن المسِّيبِ ومرَّ به صِلَةُ بن أَشْيَمَ: يا أبا الصَّهباء ادعُ اللَّه لي بدَعوات قال: زهَّدك اللّهُ في الفاني ورغَّبك في الباقي وَوَهَب لك يقيناً تسكُنُ إليه أبو الدَّرداء قال: إنّ أبغضَ الناس إليَّ أنْ أظلِمَه مَنْ لم يستعن عليَّ إلاّ باللَّه وقال: لا يُسْتجاب إلاّ لمُخْلصٍ أو مظلوم قال: وكان عليُّ بن أبي طالبٍ رضي اللَّه عنه يقول: اللهمَّ إنّ ذُنوبي لا تضُرُّك وإنّ رحمتَك إيَّاي لا تنقُصك فاغفِر لي ما لا يضرُّك وأعطِني ما لا ينقُصك وقال أعرابيّ: اللهمّ إنك حَبسْت عنّا قطرَ السماء فَذَابَ الشّحم وذهب اللَّحم ورقّ العَظْم فارحم أنين الآنَّة وحنين الحانَّة اللهمّ ارحَمْ تحيُّرَها في مراتعها وأنينَها في مَرابِضها قال: وحجَّت أعرابيَّة فلما صارت بالموقِف قالت: أسألك الصُّحبةَ يا كريمَ الصُّحبة وأسأَلُك سِتْرك الذي لا تُزيلُه الرِّياح ولا تُخَرِّقه الرّماح وقيل لعليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه: كم بيْنَ الأرض والسماء قال: دعوة مُستجابة قالوا: كم بين المشرق إلى المغرب قال: مسيرة يوم للشمس ومن قال غيرَ هذا فقد كذب قال: وحجّ أعرابيٌّ فقال: اللّهمّ إن كان رزقي في السماء فأنْزِلْه وإن كان في الأرض فأخرِجْه وإن كان نائياً فقرِّبْهُ وإن كان قريباً فيسِّره أبو عثمان البَقطُريّ عن عبد اللَّه بن مسلم الفِهري قال: لمّا وَلِيَ مسروقٌ السِّلسِلة انبرى له شابٌّ فقال له: وقَاك اللَّه خشيةَ الفقر وطُولَ الأمل حتى لا تكونَ درِيّة للسُّفَهاء ولا شَيناً على الفقهاء وقال أَعرابيٌّ في دعائه: اللّهم لا تُخَيِّبْنِي وأنا أرجوك ولا تعذِّبْني وأنا أدعوك اللَّهمّ فقد دعوتُك وقال عبدُ اللَّه بنُ المبارك: قالت عائشة: يا بَنِيَّ لا تطُلبوا ما عند اللَّه مِن عندِ غير اللَّه بما يسخِط اللَّه قال: وقال رجلٌ من النُّسَّاك: إن ابتُلِيتَ أن تدخل مع ناسٍ على السُّلطان فإذا أخَذُوا في الثَّناءِ فعليك بالدُّعاء وكان الفضل بن الربيع يقول: مسألة الملوك عن حالهم من تحيَّة النَّوْكَى وتَقَرُّبِ الحمقَى عليكم بأوجَزِ الدُّعاء وقال الكذَّاب الحِرْمازيّ: من الرجز لا هُمَّ إن كانت بنو عَمِيره رهط التِّلِبّ دعوةً مستوره قد أجمعوا لِحِلْفة مَصْبُوره واجتمعوا كأنَّهُم قارُورَه في غَنَمٍ وَإبلٍ كثيرَهْ فابعثْ عليهم سَنةً قاشُورَه تحتلق المالَ احتلاقَ النُّورَه وقال أعرابيّ: من الرجز لا هُمَّ أنتَ الربُّ تُسْتَغاثُ لَكَ الحيَاةُ ولَكَ المِيرَاثُ وقد دَعاك الناسُ فاستغاثوا غَياثَهُمْ وعِندك الغِياثُ ولم يكن سَيَبُك يُسْتَراثُ لم يبقَ إلاّ عِكرِشٌ أنكاثُ وشيجةٌ أُصولُها مُثَاثُ وطاحت الألبان والأرماثُ وكان سعد بن أبي وقّاص يسمَّى: المستجابَ الدَّعوة وقال لعمر حِين شاطره مالَه: لقد وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كم مِن ذي طِمْرينِ لا يُؤْبَهُ له لو أَقسَمَ على اللَّه لأبَرَّه منهم البَرَاء بن مالك واجتمعَ الناسُ إليه وقد دَهَمهم العدوّ فأقسَم على اللَّه فمنحهم اللَّهُ أكتافَهم الأصمعيّ وأبو الحسن قالا: أخبرنا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن أبيه أو عن غيره قال: بلغ سعداً شيءٌ فعَلهُ المهلَّب في العدوّ والمهلَّب يومَئذٍ فتىً فقال سعد: اللهمّ لا تُرِه ذُلاًّ فيَرَوْنَ أنَّ الذي ناله المهلَّب بتلك الدّعوة وقال الآخر: من الرجز الموت خَيرٌ من ركوب العارِ والعارُ خيرٌ من دخول النَّارِ واللَّه من هذا وهذا جارِي قالها الحسَن بن عليّ رضي اللَّه عنهما وقال الآخَر وكان قد وقَع في الناس وباءٌ جارفٌ وموتٌ ذريع فهرَب على حِماره فلمّا كان في بعض الطَّريق ضَربَ وجهَ حمارِه إلى حَيِّه وقال: لن يُسبَقَ اللَّه على حمارِ ولا على ذي مَيْعةٍ مُطَارِ أو يأتيَ الحتفُ على مقدارِ قد يصبحُ اللُّهُ أمامَ السّارِي قال: سمع مُجاشِعٌ الرَّبَعيُّ رجلاً يقول: الشَّحيح أعذَرُ من الظالم فقال إنّ شيئين خيرهُما الشُّحُّ لنَاهيك بهما شرّاً قال المغيرة بن عُيَيْنةَ: سمع عمرُ بن الخطاب رحمه اللَّه رجلاً يقول في دعائه: اللهمّ اجعلني من الأقلِّينَ قال له عمر: ما هذا الدُّعاء قال: سمعت اللّه يقول: )وقليلٌ ما هُمْ( صلى الله عليه وسلم: 42 وسمعتُه يقول: " وقَليلٌ مِن عبادِيَ الشَّكُور " سبأ: 13 فقال عُمر: عليك من الدُّعاء بما يُعرَف وقال ناسٌ من الصحابة لِعُمر: ما بالُ النّاس كانوا إذا ظُلِموا في الجاهليّة فدَعَوا استُجيب لهم ونحنُ لا يستجاب لنا وإنْ كُنّا مظلومين قال: كانوا ولا مَزَاجِرَ لهم إلاّ ذاك فلَّما أنزَلَ اللَّه عزّ وجلّ الوعدَ والوعيد والحُدود والقَوَد والقِصاص وَكَلَهم إلى ذلك وقال عمر بن الخطاب: إنَّ في يوم كذا وكذا من شهر كذا لساعةً لا يدعُو اللَّه فيها أحدٌ إلاّ استُجيب له فقال له قائل: أرأيت إن دعا فيها منافق قال: فإنَّ المنافق لن يُوفَّقَ لتلك السّاعة ولمّا صعِد المنبرَ قابضاً على يد العبّاس يوم الاستسقاء لم يزدْ على الدُّعاء والاستغفار فقيل له: إنَّك لم تستسقِ وإنّما كنتَ تستغفر قال: قد استسقيتُ بمَجادِيح السماء ذهبَ إلى قوله: )استغفِروُا رَبَّكُم إنّه كانَ غَفَّاراً يُرسِلِ السّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً( نوح: 10 - 11 وكان عُمرُ حَمَل الهُرمُزان مع جماعةٍ في البحر فغرِقوا قال ابنُ سيرين: لو كان دعا عليهم بالهلاك لَهَلكوا قال: وقال محمّد بن عليّ لابنه: يا بُنيَّ إذا أنعَمَ اللَّهُ عليك نعمةً فقل: الحمدُ للَّه وإذا حَزَبَكَ أمرٌ فقل: لا حَول ولا قُوّة إلاّ باللَّه وإذا أبطأ عنك رزقٌ فقل: أستغفِرُ قال: وقال قومٌ ليزيد بن أسد: أطال اللَه بقاءك قال: دَعُوني أمُتْ وفيَّ بقيَّةٌ تبكون بها عليّ ورأى سالمُ بنُ عبد اللَّه سائلاً يسأل يوم عرفةَ فقال: يا عاجزُ في هذا اليوم تَسأل غيرَ اللَّه قال: وكان رجلٌ من الحكماء يقول في دعائه: اللهمَّ احفَظْني من الصَّديق وكان آخر يقول: اللهمّ اكفِنِي بَوائق الثِّقات وحدّثني صديقٌ لي كان قد ولي ضِياع الرّيّ قال: قرأتُ على باب شيخٍ منهم: جزَى اللَّه من لا نعرفُ ولا يعرفُنَا أحسنَ الجزاء ولا جزَى مَن نعرِفُ ويعرفُنا إلاّ ماهو أهلُه إنّه عَدْلٌ لا يَجُور وكان على رُشوم عُمَر بن مِهرانَ التي كان يَرشُم بها على الطّعامِ: اللهم احفَظْه ممن يحفظُه وقال المغيرة بن شعبة في كلامٍ له: أنّ المعرفة لتنفع عند الكلب العقور والجمل الصَّؤُول فكيف بالرجل الكريم أبو الحسن قال: قالت امرأة من الأعراب: اللهمّ إنِّي أعوذ بك من شرِّ قريشٍ وثَقيف وما جَمَعتْ من اللَّفيف وأعوذُ بك من عبدٍ مَلَك أمرَه ومن عبدٍ مَلأ بطنَه قال: مرَّ عمرُ بن عبد العزيز برجلٍ يُسَبِّح بالحَصَى فإذا بلغ المائةَ عَزلَ حصاة فقال له عمر: ألقِ الحصَى وأخْلِصِ الدُّعاء وكان عبدُ الملك بن هلال الهُنَائيّ عنده زِنَبيلٌ ملآنُ حصىً فكان يسبِّح بواحدةٍ واحدة فإذا مَلَّ شيئاً طَرح ثنتين ثنتين ثم ثلاثاً ثلاثاً فإذا مَلَّ قَبض قَبضة وقال: سبحانَ اللَّه بعدَدِ هذا فإذا مَلَّ شيئاً قبض قُبضتين وقال: سبحانَ اللَّهِ بعدد هذا فإذا ضَجِر أخذ بِعُرْوَتَي الزَّنبيل وقَلَبه وقال: سُبحانَ اللَّهِ بعدد هذا كلِّه وإذا بَكَّرَ لحاجة لحَظ الزَّنبيل لحظةً وقال: سبحان اللَّهِ عددَ ما فيه قال غَيلان: إذا أردت أن تتعلم الدُّعاء فاسمَعْ دعاءَ الأعراب قال سعيد بن المُسِيَّب: مَرَّ بي صِلةُ بن أَشْيَم فما تمالكت أن نهضت إليه فقلت: يا أبا الصَّهباء ادعُ اللّه لي فقال: رَغّبكَ اللّه فيما يبقى وَزَهَّدَكَ فيما يفنَى ووهب لك اليقينَ الذي لا تسكُن النُّفوس إلاّ إليه ولا تُعَوِّلُ في الدِّين إلاّ عليه أبو الحسن قال: سمع رجلٌ بمكّةَ رجلاً يدعو لأمِّه فقال له: ما بال أبيك قال: هو رجلٌ يحتالُ لنفسه أبو الحسن بن عُروة بن سليمان العَبديّ قال: كان عندنا رجلٌ من بني تميم يدعو لأبيهِ ويَدَعُ أمَّه فقيل له في ذلك فقال: إنَّها كَلْبيَّة ورفع أعرابيٌّ يدَه بمكة قبل الناس فقال: اللهمَّ اغْفِرْ لي قبل أن يدهمَكَ النّاس وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنّ اللَّه يحبُّ المُلحِّينَ في الدُّعاء وقال آخر: دعوتانِ أرجو إحداهما وأخاف الأخرى: دعوةُ مظلومٍ أعَنْتُه ودعوةُ ضعيفٍ ظلمتُه قال: كان من دُعاء أبي الدَّرداء: اللهمَّ أمِتعْنا بخيارِنا وأعِنّا على شِرارنا واجعلنا خياراً كلَّنا وإذا ذهب الصالحون فلا تُبْقِنا وقال آخر لبعض السَّلاطين: أسألك بالذي أنت بين يديه أذَلُّ منِّي بين يديك وهو على عِقابك قالوا: وكان مُطرِّف بن عبد اللَّه بن الشِّخّير يقول: اللهمَّ إنّك أمرتَنا بما أمرتنا به ولا نَقوَى عليه إلاّ بعونك ونهيتنا عمَّا نهيتنا ولا ننتهي عنه إلاّ بعصمتك واقعةٌ علينا حُجّتُك غيرُ معذورين فيما بيننا وبينك ولا مَبخوسين فيما عمِلْنا لوجهك عبد العزيز بن أُبان عن سفيان في قوله: " دَعْواهُمْ فِيها سُبحانَكَ " يونس: 10: كان أحدُهم إذا أراد أن يدعُوَ قال: سبحانك اللّهمّ سفيان عن ابن جُريج عن عِكرمة قال في قوله تعالى: " قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكما " يونس: 89 قال: كان موسى عليه السلام يدعُو وهارونُ يُؤمِّن فجعلهما اللَّه داعِيَيْن قال: ولمّا وقَع يونُس في البحر وقد وُكِّل به حوتٌ فلمَّا وقَع ابتلعَه فأهوى به إلى قَرار الأرض فسمع تسبيحَ الحصى فنادَى يونُس في الظُّلمات " أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالمِين " الأنبياء: 87 قال: ظُلمةُ بَطنِ الحوت وظلمةُ البحر وظلمةُ الليل وقال اللَّه تبارك وتعالى: " فَلَوْلاَ أنَّهُ كَانَ مِنَ المسبِّحِينَ لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثون " الصافات: 143 - 144 وفي الحديث المرفوع أنّ مِن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بك من قلبٍ لا يخشع وبطنٍ لا يشبَع ودُعاءٍ لا يُسمع عليّ بن سليم أن قيس بن سعد قال: اللهم ارزقني حمداً ومجداً فإنّه لا حَمدَ إلاّ بفَعال ولا مَجدَ إلاّ بمال عوفٌ قال: قال رجلٌ في مجلس الحَسَن: ليهِنئْك الفارس قال له الحسن: فلعلَّه حَامِر إذَا وهَبَ اللَّهُ لرجلٍ ولداً فقل: شكرتَ الواهب وبُورِك لك في الموهوب وبَلَغَ أشُدَّه ورُزقتَ بِرَّه أبو سَلمة الأنصاريّ قال: كان عمر بن عبد العزيز يقول: ما أحسن تعزيةَ أهلِ اليمن وتعزيتُهم: لا يحزُنْكُم اللَّه ولا يَفتِنْكم وأثابَكَم ما أثاب المتقين الشاكرين وأوجَبَ لكمُ الصَّلاَةَ والرّحمة قال: وكان أبو بكر - رحمه اللَّه - إذا عزَّى رجلاً قال: ليس مع العَزاء مُصيبة ولا مع الجزَع فائدة الموتُ أشدُّ ما قبْلَه وأهونُ ما بعدَه اذكروا فَقْدَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم تَهُنْ عندكم مصيبتكم صلَّى اللَّه على محمَّدٍ وعظّم اللَّه أجرَكم وكان عليُّ بن أبي طالب - رحمه اللَّه - إذا عَزّى قوماً قال: إنْ تجزعوا فأهلُ ذلك الرّحِم وإن تصبروا ففي ثواب اللَّه عِوَضٌ من كلِّ فائت وإنَّ أعظمَ مصيبةٍ أُصيب بها المسلمون محمّد صلى الله عليه وسلم وعَظَّم أجركم وعَزّى عبد اللَّه بن عبّاس عمرَ بن الخطاب رحمهما اللَّه على بنيٍّ له مات فقال: عَوّضك اللَّه منه ما عَوَّضه منك وهذا الصبيُّ الذي مات هو الذي كان عمر بن الخطاب قال فيه: ريحانةٌ أشُّمُّها وعن قريب ولد بارٌّ أو عدوٌّ حاضر سفيان قال: كان أبو ذرٍّ يقول: اللهمّ أمِتعْنا بخيارنا وأعنَّا على شِرارنا قال: ودعا أعرابيٌّ فقال: اللهمّ إني أعوذ بك مِنَ الفقر المُدْقع والذلِّ المُضْرِع عَزَّت امرأةٌ المنصور على أبي العباس مَقدمَه مكة فقالت: عظّم اللَّه أجرَك فلا مصيبةَ أعظَمُ من مصيبتك ولا عِوضَ أعظم من خِلافتك قالوا: وقال عمر بن عبد العزيز وقد سمعوا وقع الصّواعق ودَوِيّ الريح وصوت المطر فقال وقد فزِع الناس: هذه رحمتُه فكيف نِقمتُه وقال أبو إسحاق: اللهمّ إن كان عذاباً فاصرفْه وإن كان صلاحاً فزِدْ فيه وهَبْ لنا الصّبرَ عند البلاء والشكر عند الرخاء اللهم إن كانت محنةً فمُنَّ علينا بالعصمة وإن كان عقاباً فمُنَّ علينا بالمغفرة قال أبو ذَرّ: الحمد للَّه الذي جعلنا من أمةٍ تُغفَر لهم السيِّئات ولا تُقبل من غيرهم الحسنات وكان الفضلُ بن الرَّبيع يقول: المسألة للموك من تحية النوكى فإذا أردت أن تقول: كيف أصبحتَ فقل: صبّحك اللَّه بالخير وإذا أردت أن تقول: كيف تجدك فقل: أنزَلَ اللّه عليك الشِّفاء والرحمة قال أحمد الهُجَيميّ أبو عُمر أحد أصحاب عبد الواحد بن زيد: اللهمَّ يا أجودَ الأجودِينَ ويا أكرم الأكرمِينَ ويا أعفى العافين ويا أرحم الراحمين ويا أحكم الحاكمين ويا أحسن الخالقين فرِّج عني فرَجاً عاجلاً تامّاً هنيئاً مباركاً لي فيه إنّك على كل شيءٍ قدير وكان عبد اللَّه الشَّقَرِي وهو الكعبيّ أحد أصحاب المِضمار من غِلمان عبد الواحد بن زيد - وكنية عبد الواحد أبو عبيدة - يقول: اللهمَّ إني عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أمَتِك ناصيتي بيدك اللهمَّ هَبْ لي يقيناً وأَدِمْ لي العافية وافتح عليَّ بابَ رزقي في عافية وأعوذ بك من النار والعار والكذِب والسُّخْف والخَسف والقَذْف والحِقْد والغضب وحَبِّبْنِي إلى خلقك وحَبِّبْهمْ إليّ وأسألُك فَرَجاً عاجلاً في عافية إنّك على كلِّ شيءٍ
الخوارج هي فرقة إسلامية، نشأت على أثر عملية التحكيم التي تمت بين الإمام علي بن ابي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان إثر منازعة معاوية لعلي على الخلافة (وما سميت بقميص عثمان)، حيث رفضوا نتائج التحكيم لأنه تم بخديعة من عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري
فكر الخوارج
يرون السلطة العليا للدولة (الإمامة والخلافة): مشروطة بصلاح وصلاحية المسلم لتولي هذا المنصب بصرف النظر عن نسبه وجنسه ولونه، وهم بذلك يتميزون عمن اشترطوا النسب القرشي أو العربي. ومنهم من أجاز ولاية المرأة
أجمع الخوارج على وجوب الثورة على أئمة الجور والفسق والضعف.
يتبنى الخوارج ولاية أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وخلافة عثمان بن عفان حتى ما قبل السنين الست الأخيرة فهم يبرءون منه فيها فقد آثر قرابته ، ويكفرون عليا بعد واقعة "التحكيم". "كفر نعمة" أي جحود النعم الإلهية في واجبات الخلافة. ويبرأون من معاوية
يتبنى الخوارج "الاختيار والبيعة" ويردون قول من قالوا أن الإمامة شأن من شئون السماء، والإمامة عندهم من "الفروع" وليست أصلا من أصول الدين.
اتفق الخوارج على "نفي الجور عن الله سبحانه وتعالى"، بمعنى ثبات القدرة والاستطاعة المؤثرة للإنسان ومن ثم تقرير حريته واختياره.
أجمع الخوارج على تنزيه الذات الإلهية عن أي شبه بالمحدثات بما في ذلك نفي مغايرة صفات الله لذاته أو زيادتها عن الذات. وانطلاقا من هذا الموقف قالوا "بخلق القرآن".
جعل الخوارج للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأصل صلة وثيقة بتغيير الظلم والجور والثورة على الحاكم الفاسد.
من شعرائهم: عيسى بن فاتك موقال شاعرهم عمران بن حطان و الوليد بن طريف والصلت بن مرة:
الخوارج هي فرقة إسلامية، نشأت على أثر عملية التحكيم التي تمت بين الإمام علي بن ابي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان إثر منازعة معاوية لعلي على الخلافة (وما سميت بقميص عثمان)، حيث رفضوا نتائج التحكيم لأنه تم بخديعة من عمرو بن العاص.
أصول الفكر الخوارجي
في نظام الحكم
أي السلطة العليا للدولة (الإمامة والخلافة): يشترطون صلاح وصلاحية المسلم لتولي هذا المنصب بصرف النظر عن نسبه وجنسه ولونه، وهم بذلك يتميزون عمن اشترطوا النسب القرشي أو العربي. ومنهم من أجازولايةالمرأة
في الثورة
أجمع الخوارج على وجوب الثورة على أئمة الجور والفسق والضعف. حد الشراء: عندهم، يجب الخروج إذا بلغ عدد المنكرين على أئمة الجور أربعين رجلا ويسمون هذا "حد الشراء" أي الذين اشتروا الجنة بأرواحهم. مسلك الكتمان: لا يجوز للثائرين القعود إلا إذا نقص العدد عن ثلاثة رجال، فإن نقصوا عن الثلاثة جاز لهم القعود وكتمان العقيدة. حد الظهور: عند قيام دولتهم ونظامهم تحت قيادة "إمام الظهور". حد الدفاع: التصدي لهجوم الأعداء تحت قيادة "إمام الدفاع".
في التقويم الإسلامي
يتبنى الخوارج ولاية أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وخلافة عثمان بن عفان حتى ما قبل السنين الست الأخيرة فهم يبرءون منه فيها فقد آثر قرابته ، ويكفرون عليا بعد واقعة "التحكيم". واختلفوا في نوع هذا الكفر، بعضهم كفروه "كفر شرك" في الدين، والبعض الآخر كفروه "كفر نعمة" فقط، أي جحود النعم الإلهية في واجبات الخلافة. يبرأون من معاوية
في طريق الإمامة
يتبنى الخوارج "الاختيار والبيعة" ويردون قول من قالوا أن الإمامة شأن من شئون السماء، والإمامة عندهم من "الفروع" وليست أصلا من أصول الدين.
في مرتكبي الكبائر
يحكم الخوارج على مرتكبي الكبائر الذين يموتون قبل التوبة، بالكفر والخلود في النار وهذا هو خلافهم الأساسي مع أهل السنة - بالإضافة إلى قتال علي. وقد تبلورت تلك الفكرة في صراعهم الفكري والمسلح ضد بني أمية، عندما ظهرت قضية "الحكام الذين ارتكبوا الكبائر واقترفوا المظالم".
في العدل
اتفق الخوارج على "نفي الجور عن الله سبحانه وتعالى"، بمعنى ثبات القدرة والاستطاعة المؤثرة للإنسان ومن ثم تقرير حريته واختياره.
في التوحيد
أجمع الخوارج على تنزيه الذات الإلهية عن أي شبه بالمحدثات بما في ذلك نفي مغايرة صفات الله لذاته أو زيادتها عن الذات. وانطلاقا من هذا الموقف قالوا "بخلق القرآن".
في الوعد والوعيد
قالت الخوارج بصدق وعد الله للمطيع وصدق وعيده للعاصي، دون أن يتخلف عن وعده أو وعيده لأي سبب من الأسباب.
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
جعل الخوارج لهذا الأصل صلة وثيقة بتغيير الظلم والجور والثورة على الحاكم الفاسد.
من شعرائهم: عيسى بن فاتك و عمران بن حطان و الوليد بن طريف والصلت بن مرة:
شكرا للدعوة واتفق مع الاجابة المميزة والرائعة من الخبراء اعلاه