Register now or log in to join your professional community.
"التبيان في شرح الديوان"، ديوان أبي الطيّب المتنبّي [ت 354هـ]" (3/ 85- 86) لأبي البقاء العكبريّ [ت 616 هـ]:
قال المتنبّي في مدح سيف الدولة الحمدانيّ [ت 356هـ]:
أَقِلْ أَنِلْ أَقْطِعْ احملْ علِّ سلِّ أعِدْ *** زدْ هِشَّ بِشَّ تفضّلْ أَدْنِ سَرِّ صِلِ
قال العكبريّ شارحًا:
الغريب: أمره بأربعة عشر أمرًا في بيت واحد. (أَقِلْ) من الإقالة وأقلته من عثرته وأقلته من البيع عند الندم فيه. (أَنِلْ) من الإنالة نلته وأنلته. (أَقْطِعْ) من الإقطاع أقطعته أرض كذا. (احمِلْ) من قولهم: حملته على فرس. ومنه حديث عمر ابن الخطّاب: "حملت على فرس في سبيل الله تعالى". وقوله (علِّ) من العلوّ والرفعة. و(سلّ) من السلوّ. و(أعِدْ) من الإعادة. و(زِدْ) من الزيادة. و(هِشَّ) من قوله: هششتُ إلى كذا وهو التهلّل نحو الشيء. و(بِشَّ) من البشاشة وهي الطلاقة، بششت بالرجل أبشّ. (تفضَّلْ) من الإفضال. (أَدْنِ) من الدنوّ. (سرّ) من السرور [قال أسعد: انظر الشرح]. (صِلِ) من الصلة وهي العطيّة.
المعنى: يقول: أقلْ مَن استنهَضَكَ من عثرته، وأنِلْ من استعان بفضلك على قِلَّتِهِ وفقره، وأقْطِعِ الضياعَ لمن أمَّلَكَ وقصدَكَ، واحمِلْ على سوابق الخيل من استحملك، وعلِّ قدرَ مَنِ اعتلق بك، وسلِّ عن كلّ ذي همٍّ همّه بما تجدّده من بِرّك وتسبغه من فضلك، وأعدْ ذلك وأدِمْهُ وجدّدْهُ، وزدْ في غدك ما تفضّلت به في يومك، وهشّ ورحّب بمن قصدك، وأظهرِ البشاشة لمن اعتمدك، ودُمْ على ما عُهِدَ من تفضّلك، وأَدْنِ الوافدَ عليك، وسرّه بمتابعة إحسانك، وصل الجميع بتطوّلك وإنعامك.
فوقّع سيف الدولة تحت (أقِلْ): أقلناك، وتحت (أنِل): يحمل إليك من الدراهم ما تحبّ، وتحت (أَقْطِع): أقطعناك ضيعة كذا بباب حلب، وتحت (احمل): تحمل إليك الفرس الفلانيّة، وتحت (علِّ): قد فعلنا، وتحت (سلّ): قد فعلنا فاسلُ، وتحت (أعد): أعدناك إلى حالك، وتحت (زد): يزاد كذا وكذا، وتحت (تفضّل): قد فعلنا، وتحت (أدنِ): أدنيناك، وتحت (سرّ): سررناك، قال أبو الفتح: قال أبو الطيّب: إنّما أردت من التسرية فأمر له بجارية، وتحت (صل): قد فعلنا.
وكان بحضرة شيخ يضحك منه يقال له: المعقليّ، حسد المتنبّي على ما أعطاه سبف الدولة، فقال: يا مولاي! هلّا قلت له لمّا قال: هشّ بشّ هئ هئ تحكي الضحك لأنّك قد وقّعت له بما أراد فهلّا ضحكت؟! فضحك سيف الدولة منه وقال: اذهب يا ملعون.
وقد حذا في هذا حذو أبي العميثل بقوله:
يا من يؤمّل أن تكون خلالـــه *** كخلال عبد الله أنصت واسمــعِ
اصدق وعفّ وبرَّ وانصر واحتمل *** واحلم وكافِ ودارِ واصبر واشجع
ويروى: وابذل واشجع.
والأصل فيه قول امرئ القيس:
أفاد وجاد وساد وزاد *** وذاد وقاد وعاد وأفضل.
كلها أفعال أمر مبنيه وفاعل كل منها مستتر وجوبا تقديره أنت .