Register now or log in to join your professional community.
اضحك ... وانظر للأمور برؤية جديدة
" الضحك أفضل دواء" . -مثل شعبي. إن فصلي من العمل وميلاد طفل جديد لي على نحو غير متوقع وأنا في السابعة والخمسين من عمري اتضح أنهما نعمتان مفاجئتان، وعلى الرغم من أن كلا من هذين الحدثين كانا صدمتين كان يبدو أنهما ستعصفان بحياتي، إلا أنهما كانتا هبتين رائعتين في حد ذاتهما، ونظراً لأنني لم أكن أعمل، فإنني كنت قادراً على قضاء الوقت مع ابني حين كان صغيراً جداً حتى على الزحف، وكنت أشعر بالمتعة حين أراه وهو في هذه السن حين أقذف دمية صغيرة على شكل غزال إلى السقف، فكان يضحك مسروراً. فقبل ميلاد " جوناثان" ، كنت في حالة من الإحباط تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ونسيت كيف أضحك من نفسي أو أضحك من الاندهاش أو أضحك حتى على أبسط المشاهد: مشهد الرياح وهي تحمل ورقة شجر وتأرجحها في الهواء، والأمطار الغزيرة المفاجئة التي تنزل علينا على نحو غير متوقع هذه المئات من اللحظات خلال كل يوم والتي إن أعطينا أنفسنا فرصة لمعايشتها حقاً، أصبح بإمكاننا الضحك مع الحياة.
الضحك مع الحياة
إن الضحك مع الحياة -بدلاً من أخذ كل شيء يحدث على محمل الجد- يعد بمثابة وصفة لنمط من السعادة العقلية والعاطفية الصحية التي نسيتها لوقت طويل. لقد استعدت البهجة التلقائية للحياة في اللحظة التي سنحت لي فيها الفرصة لقضاء الوقت مع وليدي. لقد كان جديداً على الحياة، ولم يكن يخاف من أن يضحك بسعادة بالغة علىَّ وعلى كل شيء آخر كان يراه. حين أتى " جوناثان" إلى حياتي أعملاني رؤية أساسية، وهي أن الحياة يمكن أن تكون مرحة. لقد أضحكته حين غيرت معالم وجهي برفع شفتي إلى الأعلى وإغماضي عيني، ثم فتحهما فجأة. لقد كان الأمر مضحكاً له حين زللت وأنا أحمل طعام الحبوب الخاص به متجها ناحيته فسقط بعض منه على الأرض. لقد تعلمت أن أضحك معه، وعلى نفسي وعلى المفاجآت البسيطة الخاصة بالحياة. في العصور الوسطى، كان لكل ملك المهرج الخاص به ليمزح معه ويذكره بأنه إنسان. واليوم هناك المذيعون السافرون في التليفزيون الذين يظهرون في آخر الليل، والذين يجعلون للعالم معنى بتذكيرنا بكم الهراء الجاد الذي نتحدث عنه طوال ساعات النهار. إن الضحك ضروري لإضفاء منظور جديد وتقليص هؤلاء المتغطرسين الذين يدعون أنهم يتحكمون في العالم. في خضم فشلي الشخصي والمهني نسيت إلى حد ما كيف أجعلك تضحك بحق. إنني لا أعني أن تضحك فحسب على مزحة محددة، ولكن أن تضحك دون خوف وبتوجه مسترخ تجاه قدرك حين تعصف بك الحياة وأن ترى تقلبات الحياة المختلفة وفوضاها المتكررة على أنها فرصة للاسترخاء والتبسم والضحك على تظاهري البائس بالقدرة على التحكم.
الفرص تنزلق على قشرة موز !
إن هناك الكثير من الفرص في هذه الحياة لنا لننزلق على قشرة موز، وبإمكاننا أن نختار أن نتعامل مع هذا السقوط غير المتوقع على أنه مأساة أو موقف كوميدي، وربما كان من الأفضل لصحتنا أن نضحك بينما نتزحلق عبر رصيف الحياة الزلق. بدءاً من " تشارلي شابلن" إلى " تينا فاي" فقد ساعدنا كل هؤلاء الساخرين على رؤية سخافة المحاولات المضنية للتحكم في الحياة، ونحن نستفيد حين نتمكن من إضافة مثل هذا الإدراك والضحك إلى يومنا. كان " جوناثان" ، مثل جميع الأطفال حديثي الولادة، يستطيع الضحك والابتهاج في الحياة، وقد ساعدتني غريزته الطبيعية للترحيب بأعجوبة الحياة مع الضحك على التقدم على المستوى العاطفي وجعلتني أنزل عن كاهلي عبء اتخاذ الحياة على نحو شديد الجدية. كان " جوناثان" يقهقه ويبتسم حين ألمس صدره الصغير، وكان يمسك أصابعي بيديه، وينظر في عينىَّ، ويبث في قلبي حبه للحياة. لم تكن هناك حواجز بيني وبين " جوناثان" ولم تكن هناك حواجز بينه وبين الحياة نفسها، ولم تكن هناك دفاعات مبنية بإتقان. إن مشاركتي له لحظاته الأولى منحتني شعوراً بقدر الندرة والسحر الذي يمكن أن تكون عليه كل لحظة من لحظات حياتنا. كم نصبح منهكين بسهولة حين تتقدم بنا العمر! في أية مرحلة من العمر يكون بإمكاننا تعلم فتح أعيننا مرة أخرى، وذلك ببساطة من خلال قضائنا الوقت مع الصغار الذين يعيشون بيننا. ونظراً لأنني لم أكن مضطراً للهرولة إلى أية شركة، كنت أرى " جوناثان" في الصباح الباكر من كل يوم، فأنا أحب الاستيقاظ مبكراً- في الرابعة أو الخامسة صباحاً، وكانت والدة " جوناثان" تشعر بالسعادة لأنها ستنام لساعة أو ساعتين إضافيتين، وكان " جوناثان" يستيقظ مبكراً مثلي، فكنت أذهب إلى حجرة والدته وآخذه من بين ذراعيها حتى يمكنها أن تحظى بالمزيد من الراحة. في تلك الساعات المبكرة من حياته، كنت أنا و" جوناثان" نراقب شروق الشمس ببطء. كان الأمر يستغرق ساعة أو ساعتين حتى تصبح السماء مضيئة، حيث تتبدل الظلمة إلى لون أزرق أفتح فأفتح، ثم تظهر أشعة الشمس الأولى. لقد كان الأمر يبدو وكأنك ترى الحياة من منظور جديد. وبينما كنت أراقب ضوء الصباح الباكر، أدركت أكثر من أي وقت مضى أن كل يوم هو ميلاد جديد. في بعض الأحيان، كنت أسقيه اللبن في رضّاعة الأطفال، أو أضعه في كرسي وأهزهزه، ولم تكن عيناه الزرقاوين الواسعتين تفارقان وجهي، وكانت أصابعه الدقيقة تترك الرضّاعة من حين إلى آخر لتستكشف فكي أو تلمس جفني؛ فكل شيء كان جديداً عليه وجديدا علىَّ أنا أيضاً مرة أخرى، وفي بعض الأحيان، كنت أغنى له بصوت خفيض، فكان يبتسم ويرفع يده الصغيرة كما لو أنه يتحرك مع النغمة. وما إن تعلم الزحف، كان يزحف بطول سجادة حجرة المعيشة إلى أن يصل إلى الأريكة، فكنت أساعده على التسلق إلى أعلى الأريكة وأجلسه مسنداً ظهره إلى الأريكة، وكنت أجلس على الأرض وأقذفه بدمية على شكل زرافة، فكان يضحك ويرميها لي مرة أخرى. وكانت العديد من الأفعال البسيطة تدفعه إلى الابتسام أو الضحك بهدوء، فكان إذا ما تحولت عنه بناظري ثم نظرت له مرة أخرى بسرعة، يضحك، وإذا ما مددت فمي إلى الأمام، يضحك، وكانت ضحكته تحمل موسيقى شجية لأعذب جرس صغير. وحين كبر " جوناثان" وتعلم المشي ثم الجري على ساقيه الصغيرتين الممتلئتين، بدأنا في ابتكار ألعاب جديدة، فكنت أحتضنه بقوة بين ذراعيه، فيبتعد هو عني، ويجري بكل قوته، وكان فخوراً بقدرته الجديدة، وكان حين يصل إلى نهاية الغرفة، يستدير ويضحك، فكنت أرد له الضحك. وكنت أقول له: " يا لك من عداء سريع!" . وكان يجري ناحيتي مرة أخرى، فآخذه بين ذراعي وأحتضنه بقوة، وبعد ذلك كان يحاول جاهداً من أجل تخليص نفسه من بين ذراعي. وكان يرغب في الجري مجدداً، لمئات المرات.
الإنجاز الجديد
وذات صباح، وهو يحاول الابتعاد عني، اكتشف أن بإمكانه الجري إلى الوراء، فاتخذ بعض الخطوات إلى الخلف ثم بدأ في تحريك قدميه بسرعة أكبر، ثم توقف بالضبط قبل الأريكة التي تقع في الناحية المقابلة من الحجرة، فكان يضحك بابتهاج، ثم يجرى إلى الأمام تجاهي ثم إلى الوراء فراراً مني طوال ذلك الصباح الباكر، ضاحكاً بسعادة على هذا الإنجاز الجديد الذي حققه. لقد أحببت تلك الأوقات البهيجة التي قضيتها مع " جوناثان" ، مراقباً إياه وهو فرح بقدراته الجسمية الجديدة. ولكن في بعض الأحيان، كنا نجلس بهدوء معاً فيما يشبه الراحة القصيرة ونراقب الرياح وهي تحرك تلك الأشجار البعيدة، وكان يشير بإصبعه الدقيق إلى الفروع وهي تتحرك وتهتز. فكنت أقول له: " شجرة" . فكان يرد علىَّ مصدراً صوتاً يشبه كلمة " شجرة" . وكان ذلك اكتشافاً آخر بالنسبة له، فكان يبتسم ويضحك بينما نسمي الأسماء من حولنا، حتى فعل تبادل الكلمات كان يفجر على شفتيه ينبوعاً من الضحك. وفي وقت متأخر، كانت والدته تأتي إلى حجرة المعيشة، فاركة عينيها لتزيل عنهما أثر النوم. وكان " جوناثان" يضحك بابتهاج حين يراها وكان جسده بالكامل ينتفض من الإثارة. وعلى الرغم من الوقت الذي كان يقضيه " جوناثان" معي، فإنه كان يفتقد والدته. ورغم حاجة أمه إلى النوم لتستيقظ منتعشة، فقد كانت تفتقده ، فكان يمد لها ذراعيه الصغيرتين حين كانت تحمله لتضمه إليها. وكان ضحكهما وتعبيرهما عن حبهما لبعضهما يطهر قدر سعادتهما بأنهما أصبحا معاً مرة أخرى بعد ساعات قضياها بعيداً عن بعضهما. إن الضحك يمكن أن يكون أفضل وسيلة لاسترداد رؤية عقلية وعاطفية صحية، خاصة حين نشترك مع شخص آخر في الضحك. كما أن الضحك مع الحياة أكثر مرحاً من محاولة فرض سيطرتك على كل لحظة من كل يوم!
كيف يمكنك أن تستفيد من هذا الدرس؟
إن الضحك هدية الصحة العقلية التي يمكننا أن نمنحها لأنفسنا في أي وقت من أوقات حياتنا، ولكنه يكون مهماً بشكل خاص حين لا تسير الأمور على النحو الذي تخيلناه. إن قدرة " جوناثان" الطبيعية على الضحك على الحياة بابتهاج وعدم خوفه علماني درساً مهماً ألا وهو: من المهم ألا تدع المخاوف الجادة تمنعك من معايشة كل لحظة تمر من حياتك. والدرس الأخر الذي تعلمته من الوقت الذي قضيته مع " جوناثان" أنه في بعض الأحيان حين تتغير حياتك على نحو درامي، فإن هذا الأمر يمنحك الفرصة لاكتشاف الهبات الجديدة التي لم تكن لتكتشفها إلا مع الذين أتوا إلى الحياة حديثاً. حين تحصل على مثل هذه الفرصة في الحياة، اقض مع الأطفال الصغار قدر ما يمكنك من الوقت؛ فبهجتهم هي التي تذكرنا بالسحر الذي يمكننا جميعاً أن نشعر به في أية مرحلة من العمر! إنني لم أكن لأتعلم هذا الدرس لولا فصلي من الوظيفة التي كانت تدفعني إلى العمل لمدة اثنتي عشرة ساعة في اليوم في حياتي السابقة. فعند مولد أبنائي الآخرين، لم أكن أقضى معهم مثل هذا الوقت النفيس على انفراد لأنني مشغول بالعمل. واليوم، أصبحت ممتناً لفصلي من العمل في الوقت المناسب حتى أقضى مع " جوناثان" تلك الساعات من الصباح. إن الضحك الذي ضحكناه معاً سوف يبدو دائماً بمثابة تنبيه باعث على البهجة، تنبيه من أجل الابتهاج في الحياة!
شكرا على الدعوة وشكرا على المعلومات القيمة والمفيدة
شكرا لدعوتك واتفق مع اجابتك مع التقدير