Register now or log in to join your professional community.
من خلال بحث معمق و دراسة لمحاكم التحكيم الدولية نستنبط اننا كعرب جد متأخريين في هدا المجال بالمقارنة بالدول الاوروبية و القضاء الانجلوسكسوني
عُرف التحكيم من زمن طويل ، وله أصل وأساس في أحكام الشريعة الإسلامية ، بقوله تعالى في سورة النساء :« وإن خفتم شقاق بينهما ، فابعثوا حكماً من أهله ، وحكماً من أهلها ، إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما » .واستناداً إلى ذلك اعتبر التحكيم « قضاء » واشترط في المحكم نفس شرط القاضي ، وإن كان لايملك اختصاصاً مثله في مجالي القصاص والحدود .وقد شاع التحكيم في عهد الإسلام ، واستند إلى اتفاق الأطراف واختيارهم ، فإذا صدر الحكم بينهم أصبح ملزماً لهم .وقد سارت الدول على هذا المنوال ، واعتبرت التحكيم قضاء ، والإحالة عليه تكون اختياراً باتفاق الأطراف ، . وإذا كانت تلك الدول قد حصرت اعترافها في بداية عهد نشوء التحكيم « بقيد التحكيم أو ما يسمى شرط التحكيم » في العقد قبل نشوء النزاع، استناداً إلى ذلك ساهمت الدول بإيجاد مؤسسة التحكيم دون أن تتنازل عن سيادتها لأنها أخضعت التحكيم لموافقة المشرع وللضوابط التشريعية التي تصدرها بهذا الخصوص .في ضوء ذلك يمكن القول إن مؤسسة التحكيم تستند بتحقيقها إلى أساسين هما إرادة الخصوم وموافقة المشرع على الإرادة والاتفاق الذي يقوم بينهم والحكم الذي يصدر بالنزاع ، ويضمن تنفيذه .وإذا كان التحكيم في الأصل اختيارياً ، فإن المشرع قد يوجب في بعض الأحيان أن يكون اللجوء للتحكيم إلزامياً وهو ما يعرف بالتحكيم الإلزامي أو الإجباري .لم تضع قوانين المرافعات ، ولا قوانين التحكيم الصادرة ، تعريفاً موحداً لنظام التحكيم ، سوى اقتصار دورها على تقرير مشروعية وجود هذا النظام ، وتحديد شروط الاتفاق وقواعد الإجراءات ، وأشكال الأحكام ، وطرق الطعن فيها .لهذا حاول الفقه والقضاء تلمس دور مؤسسة التحكيم والقول بأنها عبارة عن نظام قضائي خاص ، أوجده المشرع ليعمل بموازاة النظام القضائي الرسمي، ويكمله ، ويخضع لرقابته ويشرف على تنفيذ أحكامه ، ويعتمد على إرادة أطراف العقد أو الاتفاق ، بإحالة نزاع معين نشأ عن تنفيذ العقد الأصلي أو تفسيره أو يمكن أن ينشأ عنه في المستقبل على محكم واحد أو ثلاثة محكمين ليفصلوا بالنزاع بحكم نهائي وملزم .واستناداً إلى ذلك فالتحكيم يعتبر « نظاماً قضائياً خاصاً » تقصى فيه خصومة معينة عن القضاء العادي ، ويعهد فيها إلى المحكمين للفصل فيها .وإذا كان نظام التحكيم تطور وازداد انتشاراً ، فمرد ذلك إلى خصائصه التي يتمتع بها من سرية ، وسرعة ، واقتصاد بالنفقات ، بالإضافة إلى أنه قضاء العلاقات المتصلة ، ويشجع على استمرارها ، لذا فهو قضاء صلح وسلم ، وقضاء قانون وعرف وعدالة .ويستمد التحكيم ضماناته من الأنظمة القانونية النافذة ، ومن إرادة المشرع ، ومن حجية الحكم الصادر، ومنع المحاكمة من إعادة طرح النزاع من جديد أمامها .ولم يعد يقتصر على منازعات الأشخاص الطبيعيين ، وإنما امتد اختصاصه بإرادة المشرع ليشمل منازعات أشخاص القانون العام التي تنشأ مع غيره من أشخاص القانون الخاص . لذلك أصبح نظام التحكيم قضاء قائماً ، له نظامه ، وقواعده ، وإن كان لايتصف بالديمومة .تتولى الدولة من خلال النظام القضائي الذي تنشئه ، وظيفة اجتماعية أساسية ، تتمثل بتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع ، وصيانة حقوقهم شكلاً ومضموناً ، وذلك عن طريق فض النزاعات التي تنشأ بينهم ، فتقول الحق ، وتلزم الناس باحترامه ، وتقرر للمتضرر التعويض الذي يستحقه ، بفضل الأحكام التي تصدرها المحاكم ، والمتمتعة بالقوة التنفيذية التي تجعلها قابلة للتنفيذ باستعمال القوة عند الاقتضاء ، وذلك على أساس حسن تطبيق القانون ، وقواعد العرف ، ومبادئ العدالة والقانون الطبيعي وإذا كان طريق اللجوء إلى القضاء العادي ، مأمون الجانب بين أشخاص القانون العام والخاص بسبب ما تحيطه الدولة من ضمانات تكفل تحقيق العدالة التي تؤدي إليها ، فإن ذلك لا يخلو من بعض السلبيات ، كالبطء في إجراءات الدعوى ، وإطالة أمد التقاضي بسبب الشروط الشكلية والنصوص الجامدة في القوانين واجبة التطبيق ، الأمر الذي يترك آثاراً سلبية بين الأشخاص ، ويؤدي إلى قطع العلاقة التي كانت قائمة بين الأطراف .وإذا كان من المقبول تطبيق هذه الإجراءات على المعاملات المدنية ، فإن تطبيقها على العلاقات التجارية، المحلية أو الدولية ، يخلق تذمراً بين أطراف العلاقة الذين يتعاملون فيما بينهم على أساس الثقة المتبادلة ، ويودون السرعة في تسوية خلافاتهم ، وإزالة العوائق التي تعترض علاقاتهم ، وخلق المناخ الأفضل أمام المتعاقدين لتنفيذ التزاماتهم العقدية ، الداخلية والخارجية .وتلافياً للصعوبات القضائية الناشئة ، أجاز المشرع للمتعاقدين وبصورة استثنائية ، أن يلجؤوا إلى نظام قضائي آخر ، مواز للنظام القضائي العادي ، لفض خلافاتهم بشكل سريع واقتصادي وسري ، هو نظام التحكيم الذي يختار الخصوم فيه شخصاً حيادياً نزيهاً يدعى « المحكم Arbitrator » يقوم بوظيفة قضائية مؤقتة ، للحصول منه على حكم نهائي له حجيته وإلزاميته وقوته بين الأطراف طبقاً لأحكام القانون ، ما لم يكن مفوضاً بالصلح أو أعفي بشكل صريح من اتباع أحكام القانون ، سوى مايتعلق منها بالقواعد الإلزامية واجبة التطبيق .وإذا كانت فكرة التحكيم تعتمد على مبدأ سلطان الإرادة ، فإن التحكيم الرضائي أخذ يفقد بعضاً من فاعليته في ضوء مصلحة المجتمع وتطور نهج التخطيط الاقتصادي في عدد من البلدان ، وتبني فكرة التحكيم الإجباري لحل الخلافات التعاقدية أو غير التعاقدية ، المدنية أو التجارية ، الناشئة بين المؤسسات والهيئات العامة داخل الدولة الواحدة ، أو بين المؤسسات الاقتصادية .وعلى الرغم من انتشار نظام التحكيم في العالم ، فإنه ما زال يعيش أزمة في التطبيق القضائي ، سواء في اختيار القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع ، أو في مسألة تنازع القوانين على الصعيد الدولي لاختيار القانون الأكثر ملاءمة لتطبيقه على النزاع موضوع اتفاق التحكيم ، سواء ورد في العقد الأصلي أو في اتفاق مستقل ، أو في مسألة اعتبار بند التحكيم اتفاقاً مستقلاً ، ومعالجة ما ينشأ عن ذلك من آثار ، ومنح هيئة التحكيم سلطة الفصل باختصاصها في ضوء دفوع الأطراف التي تقدمها بشأن صحة البند ، والعقد الأصلي ، وإجازتها بالاستمرار في إجراءات التحكيم ، وعدم إيقافها ، دون أن تتدخل المحاكم المختصة للنظر في هذه الدفوع أثناء مرحلة التحكيم ، ومن ثم اعتبار الحكم الصادر عنه كالحكم القضائي في اكتساب حجيته ، ومعاملته معاملة الحكم الوطني أثناء النظر في طلب تنفيذه ، واعتبار نظام التحكيم نظاماً مساعداً للقضاء العادي ، إن لم يكن قضاء خاصاً ومستقلاً على صعيد التجارة الدولية لفض خلافاتها على أساس مبادئ القانون وقواعد العرف ومبادئ العدالة .ولم يقتصر وجود نظام التحكيم على التقنينات القديمة والحديثة ، وإنما استمد جذوره من فكرة «العدالة» ، وشجعتها فكرة المعارض التجارية والأسواق في القرون الوسطى ، وارتكزت على عادات وأعراف التجار على صعيد التجارة الدولية ، وأيدته أحكام الشرائع السماوية .وقديماً قال أرسطو : إن أطراف النزاع يفضلون التحكيم على القضاء ، لأن التحكيم يرى العدالة ، ولأن القاضي لا يتقيد بالتشريع .وقد عززت الشرائع السماوية فكرة وجود التحكيم ، واستناداً إلى ذلك فإن اصل التحكيم في أحكام الشريعة الإسلامية يعود إلى ما جاء في سورة النساء : وإن خفتم شقاق بينِهما فابعثوا حكَماً من أهله وحكَماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينَهما ... - (الآية35) والتحكيم فيه عبارة عن قضاء ويشترط في المحكم نفس شروط القاضي ، لكنه لا يملك اختصاصاً مثله في مجالي القصاص والحدود ، لذا فإن التحكيم اتفاقي واختياري ، ولأطرافه حق الرجوع عنه قبل صدور الحكم ، فإذا صدر فهو ملزم لهم ، ولهم عزل المحكم قبل صدور حكمه .واستناداً إلى ذلك فإن الدور الذي يلعبه نظام التحكيم على صعيد كل من العلاقات الداخلية والتجارية الدولية ساهم في خلق وتكوين نظام قانوني خاص يلقى التأييد على الصعيدين الداخلي والدولي . ولذا أصبح هذا النظام يعيش جنباً إلى جنب مع النظام القضائي العادي في واحة العدالة ، تسقيها ينابيع الحضارات المتعاقبة بالفقه والقانون ، وتمنح الثمار القانونية لكل من يلجأ إليها طلباً للعدالة في ضوء مبادئ العرف والقانون .وبفضل المزايا التي يتمتع بها نظام التحكيم ، فقد أصبح نظاماً قضائياً عالمياً إلى جانب النظم القضائية الوطنية ، ويتغلب على عدم الثقة بين النظم الاجتماعية المختلفة في العالم . إضافة إلى أنه أصبح يضطلع بوظائف اقتصادية ، سواء في مراقبته تنفيذ الخطة الاقتصادية العامة في دول الاقتصاد الموجه ، أو في تعديله لشروط العقد الاقتصادي ، أو في إلزام الهيئات الاقتصادية بإبرامة وتنفيذه تحقيقاً للخطة الاقتصادية العامة .وترسيخاً لهذا الدور ، بدأ التحكيم بمحاولة تكوين «قانون تجاري خاص دولي Lex mercatoria» بدلاً من القانون الدولي الخاص ، الذي يلاقي تطبيقه بعض الصعوبات ، مثل تحديد قواعد تنازع القوانين ، واختيار القانون واجب التطبيق ، واعتبار الحكم الصادر بمثابة الحكم الوطني ... إلخ . وقد نجحت هذه المحاولة عن طريق الاهتمام الدولي بنظام التحكيم التجاري من قبل الدول أو الأمم المتحدة . وقد ظهر نتيجة لهذا الاهتمام عدد من الاتفاقيات والقواعد الدولية التي تنظم شؤون التحكيم ، منها اتفاقية نيويورك لعام1958 ، واتفاقية السوق الأوربية لعام1961 واتفاقية واشنطن لعام1965واتفاقية الكوميكون بين الدول الاشتراكية لعام1972 ، وقواعد التحكيم الخاص الدولي لعام1976 ، واتفاقية الرياض القضائية بين الدول العربية لعام1983 ، واتفاقية القانون النموذجي للتحكيم لعام1985 ، واتفاقية عمان للتحكيم التجاري بين الدول العربية لعام1987 .وبفضل جهود مؤسسات التحكيم الدولية ، والإقليمية ، والعاملين في شؤون التحكيم ، تم إصدار عدد من القواعد الإجرائية التحكيمية ، وجرى تعديل القوانين المحلية مثل قوانين المرافعات الفرنسي في عام1981 ، والمرافعات الإيطالي في عام1983 ، وأصبحت التعديلات القانونية الجديدة تعترف بصحة بنود التحكيم وعقود التحكيم الأخيرة . كما حددت القواعد العامة الموحدة لاختيار القوانين واجبة التطبيق على موضوع النزاع ، وعلى إجراءات التحكيم ، طبقاً لإرادة الخصوم الصريحة أو الضمنية ، فإن لم يتفقوا على اخيتاره ، فإنه يتم وفقاً لتفويض المحكيمن صراحة أو وفقاً للنظام القانوني التحكيمي الذي يطبقونه ، باخيتار القاعدة الملائمة في التنازع القانوني التي تساعد على اختيار القانون الموضوعي ، وباختيار قانون المرافعات وفقاً لإرادة الخصوم ، فإذا لم يتفقوا عليه ، فإن المحتكمين يطبقون قانون المرافعات في بلد مكان التحكيم .فضلاً عن ذلك ، تركز الاهتمام الدولي على موضوع تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية في بلدان أخرى ، وأعطيت الأولويات بالتطبيق للاتفاقيات الدولية ، الجماعية أو الثنائية ، فإن لم توجد هذه الاتفاقية ، فإن التنفيذ يكون وفقاً لقواعد القانون الوطني . كما تركز الاهتمام على تبسيط وتسهيل إجراءات تنفيذ هذه الأحكام على الصعيد الدولي ، وعلى ضرورة التمييز بين حكم المحكمين الذين يخضع لاتفاقية دولية والحكم الذي لا يخضع لاتفاقية ما ، ومعاملة الحكم الأول معاملة حكم المحكمين الوطني في إجراءات تبدأ عملية التحكيم اعتباراً من تاريخ الاتفاق على التحكيم ، وتنتهي بصدور الحكم وطلب تنفيذه .
ارجوا أن تكون اجابتي وافية و مفيدة.
شكرا سلوى للمعلومة القيمة