Inscrivez-vous ou connectez-vous pour rejoindre votre communauté professionnelle.
لا يمكن إنجاز المشاريع الضخمة وتحقيق النجاحات الكبيرة من خلال الجهود الفردية. فأي إنجاز عظيم ذو أثر ممتد في الحاضر و المستقبل يحتاج إلى فريق عمل منسجم ومتفق على الهدف المشترك. قد يسجل التاريخ أسماء القادة العظام والإداريين البارزين ولكن من المؤكد أن نجاحاتهم كانت مرتبطة دائما بقدرتهم على بناء وتكوين فريق عمل منسجم ومتفق في الفهم للغاية والأسلوب. تحدثت في العديد من المقالات و الدراسات السابقة عن الأسباب الكامنة وراء عدم نجاح مجموعات العمل الجماعية في الثورة السورية في خلق مؤسسات قيادية وفاعلة بالشكل الذي كنا نتمناه, و سأسعى اليوم في هذه العجالة للحديث عن ديناميكيات تكوين الفريق أو مجموعة العمل للصالح العام والمصاعب والعقبات التي تعتريها وآليات تجاوزها.
يمر فريق العمل خلال تطوره في أربع مراحل يمكن التمييز بينها وهي كالتالي:
1. مرحلة التشكيل:
الأفكار بدون مخطط تنفيذي هي كالطيور في السماء, وعندما يتم تأطيرها في مشروع له خطوات تنفيذية واضحة يتم تحويلها إلى جسم ملموس. يتم نفخ الروح في هذا الجسم عند إسناده إلى أشخاص مؤهلين قادرين على تنفيذه ضمن إطار زمني واضح. و بالتالي فريق العمل هو مجموعة من الناس المؤهلين لتنفيذ مشروع واضح المعالم.
تتميز الأيام الأولى لأي فريق بالترقب وعدم الإنتاجية حيث يكون الفريق لا زال مجموعة من الأفراد الغير منسجمين والذين يسعون لفهم دورهم بشكل أفضل و مراقبة الآخرين للتعرف على دور و مكانة الآخر الذي يعمل معهم في الفريق. يمكن لأي مراقب خارجي أن يدرك أن الفريق لا زال في طور التشكل من خلال الملاحظات التالية:
● التعامل بين أعضاء الفريق يتسم بالرسمية والحفاظ على الشكليات و الألقاب
● لا يزال الكثير من أعضاء الفريق غير مدرك لدوره بشكل كافي أو ربما قد لا يكون للبعض دور واضح أو محدد
● توزيع المسؤوليات و الصلاحيات ضمن الفريق لا يزال غير واضح و يتسم بالضبابية
● روح المبادرة تكون عموما ضعيفة
● الإعتماد الكبير على المؤسس أو صاحب المبادرة أو المدير.
لدى مراقبة الكيانات الثورية و السياسية السورية نجد أن الكثير منها سعى لتشكيل فريق عمل بناء على أفكار و شعارات لم تتبلور بعد إلى برنامج عمل, مما أدى إلى إجتماع الأعضاء على أفكار جميلة و جامعة و لكنها غير كافية لإنتاج أدوار و أعمال تستقطب جميع أعضاء و طاقات الفريق مما ترك الكثير من أعضاء الفريق كمراقبين غير فعاليين. وفي أغلب الأحوال سنجد لديهم فتور تدريجي تجاه المشروع و طريقة إدارته مما سيدفعهم للبحث عن مكان و دور مناسب لهم خارج إطار المشروع و بالتالي مغادرتهم للفريق إما بشكل رسمي أو بشكل فعلي من خلال التغيب و عدم التفاعل.
تقع المسؤولية الكبرى في هذه المرحلة على الأعضاء المؤسسين حيث يجب عليهم مراعاة ما يلي:
● التخطيط التفصيلي للمشروع بحيث يكون هناك توصيف واضح للإجراءات الواجب القيام بها من أجل تحقيق الأهداف و الغايات التي من أجلها إجتمع الفريق
● إيجاد أدوار واضحة لكافة أعضاء الفريق والتأكد من مناسبتها للأشخاص المسندة لهم
● التواصل المستمر مع كافة أعضاء الفريق من أجل توضيح الهدف العام وشرح المهام والدور المناط بكل عضو من أعضاء الفريق والتأكد من رضى كل عضو عن دوره ومن فهمه لمهمته و قدرته على أدائها
● السعي لخلق فهم مشترك بين كافة أعضاء الفريق للغاية والغرض من العمل الجماعي الذي تكون الفريق لأجله
يمكن الإنتقال إلى المرحلة التالية من مراحل بناء الفريق من خلال تقوية الروابط و الأواصر بين الأعضاء و زيادة التواصل فيما بينهم. و يمكن تسريع هذه العملية من خلال ما يسمى بإجراءات كسر الجليد: مثل الخروج في رحلة جماعية أو العمل على ألعاب أو تدريبات وتمرينات مشتركة تتطلب العمل الجماعي و التفاعل بين كافة أعضاء الفريق كالخروج للعبة كرة قدم أو ألعاب التعارف.
يمكن أن يتطور الفريق إلى المرحلة الثانية في البناء عندما يبدأ الأعضاء بالحديث بشكل شخصي و بأريحية مع بعضهم و تبدأ جسور الثقة والتفاهم بالإمتداد فيما بينهم بشكل نسبي.
الكثير من كيانات الثورة توقفت عند هذه المرحلة بسبب صعوبة التواصل نتيجة التضييق الأمني و التواصل عن بعد عبر شبكات التواصل الإجتماعي أو بسبب صعوبة بناء الثقة نتيجة الخوف المتبادل من الإختراق الأمني. كما أن العديد من الكيانات لم تتجاوز هذه المرحلة من بناء الفريق بسبب عدم تبلور مشروع عمل واضح أو بسبب ضعف الإدارة و القيادة.
2. مرحلة العصف والإختلاف:
عندما يتكسر الجليد ويبدأ التواصل بين أعضاء الفريق بشكل ودي ويتم الحديث حول الأمور الشخصية تبدأ ظهور التناقضات و إختلاف المصالح في المجموعة. فكل شخص دخل المجموعة لغاية شخصية قد تختلف عن الآخر رغم إتفاقهم على الهدف العام و الغاية الأكبر. وإختلاف المصالح الشخصية قد ينجم عنه تضارب في الأدوار أو في السلوكيات يؤدي إلى ظهور مشاحنات و خلافات كما أن طريقة فهم كل عضو للغاية الكبرى و الغرض من المشروع قد تختلف بإختلاف الخلفية الثقافية وإختلاف التربية مما سيؤدي لظهور نقاشات ومراجعات كثيرة حول طريقة عمل المشروع.
يمكن لأي مراقب خارجي أن يدرك بأن الفريق يمر بمرحلة العصف من خلال الملاحظات التالية:
● هناك تقارب عام و لو شكلي بين أعضاء الفريق حيث تم الإستغناء عن الألقاب و التعامل على الصعيد الشخصي المباشر
● هناك تحزبات واصطفافات بين بعض أعضاء الفريق حيث سيكون هناك إنسجام أكبر بين الأشخاص الأقرب لبعضهم من الناحية الفكرية و المصلحية
● هناك مشاحنات و إنتقادات مستمرة للأعضاء لبعضهم البعض و للإدارة ولخطة المشروع و طريقة تنفيذه نتيجة تبلور تصور خاص لكل عضو عن الطريقة الأفضل للعمل والتي قد لا تتفق مع الخطة العامة. كما أن أعضاء الفريق في الغالب من خلفيات وثقافات مختلفة ولديهم أساليب مختلفة في التعاطي مع الآخر والتعامل مع الخلاف و الإختلاف مما يخلق ظروف مناسبة لسوء التفاهم و ضعف الثقة
● مغادرة البعض للمجموعة نتيجة عدم قناعتهم بدورهم فيها أو عدم قدرتهم على الحصول على الدور الذي يرغبونه. أو ربما بقائهم مع غيابهم بشكل عملي نتيجة عدم التفاعل و ضعف الإنتاجية
● إعادة محاكمة خطة العمل والغاية من المشروع وأهدافه بشكل مستمر والإقتراب بها من الواقعية و بالتالي ظهور إختلاف في الآراء.
قد تطول أو تقصر هذه الفترة و ذلك تبعا لمهارات التفاوض والتواصل بين أعضاء الفريق و قناعتهم بضرورة و أهمية المشروع. الإنتقال إلى المرحلة التالية من العمل يكون نتيجة الوصول إلى تفاهمات و توافقات حول طريقة العمل وماذا نريد وكيف سنحقق ما نريد. و يكون أيضا نتيجة لرضى كل طرف بالدور المناط به وحصوله على ما يحقق له ما يرى فيه مصالحه.
معظم كيانات الثورة لم تغادر هذه المرحلة حيث أن أعضاءها لم يستطيعوا الوصول إلى التوافقات والتفاهمات الضرورية للمرور إلى المرحلة التالية من عمل الفريق. الأسباب كثيرة و تم شرحها في دراسة "أسباب عدم نجاح الأعمال الجماعية في سوريا"
ويمكن تصنيف الكيان على أنه كيان هش لطالما بقي أعضاءه في هذه المرحلة من بناء الفريق حيث ستكون الضوابط مفقودة و توزيع المسؤوليات غائم و مبهم.
يمكن لقائد المجموعة أو الأعضاء الإستعانة بالنصائح التالية في هذه المرحلة:
● يجب محاولة فهم الإحتياجات و الدوافع الشخصية و المصالح الحقيقية لهم من أجل التمكن من حل التناقضات بشكل سليم
● التذكير بالهدف المشترك و الغاية الكبرى بشكل مستمر
● التمتع بالحيادية و الوضوح و الصراحة و السعي لإشراك جميع أعضاء الفريق بالقرارات
● السعي لإكتساب مهارات التفاوض و التوفيق بين الأطراف المختلفة
● السعي لتنفيذ مشاريع صغيرة جدا تعطي الشعور بالنجاح لدى أعضاء الفريق مما يدفع بشعور "نحن" فوق شعور "الأنا"
في حال عجز أعضاء الفريق عن حل التناقضات في المجموعة بأنفسهم فإنها ستكون مؤهلة للنمو والإنفجار. لذلك يتوجب على المجموعات في هذه المرحلة الإستعانة بخبير أو شخص مقبول من جميع أو أغلب أعضاء الفريق و يتمتع بقدرات تفاوضية و توفيقية عالية من أجل فهم مصالح و إحتياجات الأعضاء والوصول إلى حل مرضي لهم. من المهم أن لا يشعر أحد أعضاء الفريق بالغبن في هذه المرحلة و إلا فإنه لن يتمكن من الإستمرار و الإنجاز.
3. مرحلة القواعد و التنظيم:
بعد الوصول إلى تفاهمات و توافقات في المرحلة السابقة يجب السعي إلى توثيقها وإعتمادها كمرجعية في الإختلافات. قد لا تكون هذه التفاهمات مكتوبة بالضرورة, إذ يكفي أن تكون محترمة لدى جميع أعضاء الفريق و لكن يبقى من الأفضل تدوين هذه الإتفاقات على شكل نظام داخلي وهيكلية تنظيمية مما ينظم عمل الفريق ويعطيه المرونة الكافية للتطور دون العودة إلى مرحلة العصف والإختلاف. حيث أن فريق العمل يبقى في الفترة الأولى في هذه المرحلة مرشح للعودة إلى المربع الأول مالم يتم الإلتزام والتمسك بالإتفاقات السابقة. في هذه المرحلة يبدأ الفريق بتوليد مشاعر "نحن" بدل مشاعر "أنا" و يبدأ بالعمل كفريق. يمكن لمراقب خارجي إدراك ذلك من خلال مايلي:
● هناك رضى عام بتوزيع الأدوار و الصلاحيات وبالتالي وجود نسبة قليلة من الإعتراضات والنقد للأشخاص و الأعمال
● يوجد وضوح في المسؤوليات والصلاحيات حيث يمكن التوجه مباشرة لشخص معين فيما يخص موضوع معين
● وجود آليات محاسبة و مستوى شفافية معين
● ملاحظة إلتزام من أعضاء الفريق بأداء عملهم
● يمكن توقع سلوك كل عضو من أعضاء الفريق حيث تولدت معرفة كافية بقدرات و سلوكيات كل عضو من أعضاء الفريق
يجب إستثمار الهدوء و التفاهم في هذه المرحلة من أجل الدخول في العمل الحقيقي الفاعل و الذي سيضع المجموعة ككل موضع الإختبار. كما أنه يجب متابعة إلتزام و تمسك أعضاء الفريق بالقواعد المتفق عليها في هذه المرحلة و إلا فإن خطر الإنتكاس للمرحلة السابقة لازال موجود.
يمكن توجيه النصائح التالية لقادة المجموعة أو لأعضاء المؤسسين:
● في هذه المرحلة يجب أن يكون للقائد دور داعم حيث عليه أن يسعى لتقديم المساعدة لكل عضو في الفريق من أجل إنجاز مهمته بنجاح
● على المدير أن يكون قدوة في التمسك بقواعد العمل و الإلتزام بها و إحترامها و إلا فإنه سيفقد مكانته كمدير
● التمتع بالحيادية و تمثيل مصالح باقي أعضاء الفريق في أي حديث مع أحد أعضاء الفريق
● السعي لتحقيق المصالح و الغايات الشخصية لأعضاء الفريق طالما أنها لا تتعارض مع المشروع المشترك و تطمينهم أن مصالحهم مفهومة و محفوظة
في حال إستمرت فترة التفاهم والهدوء وبدأ الإنتقال للعمل الفعلي في تنفيذ المشروع فإن الفريق سيكون إنتقل للمرحلة الأخيرة من بناءه وهي مرحلة الإنجاز.
4. مرحلة الإنجاز و الفعالية:
بعد التفاهم على الهدف العام و الخطة العامة وبعد إطمئنان كل عضو من أعضاء الفريق لضمان تحقيق غاياته و مصالحه ومراعاة إحتياجاته يبدأ العمل الحقيقي المنتج بالمشروع. يمكن ملاحظة ذلك من خلال مايلي:
● أحاديث الفريق تكون بإجمالها حول تفاصيل العمل و الخبرات المكتسبة و تكاد تخلو من الغيبة و الحديث الناقد للأعضاء الفريق أو طريقة العمل
● يمكن ملاحظات مراكمة الخبرات والمعارف نتيجة العمل و ظهور كفاءات مختصة في كل جانب من جوانب العمل حيث أصبح كل عضو من أعضاء الفريق يعرف تمام كيف يقوم بمهامه
● يمكن الشعور بحماس أعضاء الفريق و إنهماكهم في أداء مهامهم و يمكن لمس شعورهم بالرضى تجاه ذلك
● ملاحظة درجة عالية من الإنسجام و التسامح بين أعضاء الفريق وإتفاق عام بالآراء وبالخط العام
● وجود مستوى عالي من التفاهم والقدرة على التواصل
إن إستمرار الفريق في مرحلة الإنجاز و الفعالية مرهون دائما بإستمرار شعور أعضاء الفريق بأنهم يؤدون عمل مهم و يجب أدائه, و كذلك مرهون بشعورهم بالرضى وبالقناعة بالدور الذي يؤدونه. إن شعور أي من أعضاء الفريق بالغبن أو بعدم ضمان مصالحه يمكن أن يعود بالفريق إلى المرحلة الثانية من العمل. يمكن تقديم المصالح التالية لمدير الفريق:
● الفريق في هذه المرحلة لا يحتاج إلى إرشادات تفصيلية و توجيهات, يكفي إعطاء الوظائف و المهام وترك الحرية لأعضاء الفريق للقيام بها بالشكل الذي يناسبهم
● يجب تقديم شكر وإطراء لأعضاء الفريق الأكثر إنجازا بين الفترة و الأخرى
● يجب السعي لعدم وجود فترات خمول لا يوجد بها عمل كافي حيث ستعود الخلافات للظهور في هذه الفترات
● عدم الركون إلى الإستقرار إذ أن الإنسان يكون في تطور مستمر حيث يجب متابعة تطور أعضاء الفريق وبالتالي تطور إحتياجاتهم وطموحاتهم والسعي لإستيعابها وتحقيقيها ما لم تتعارض مع المشروع