Inscrivez-vous ou connectez-vous pour rejoindre votre communauté professionnelle.
للعلماء مذهبان في ذلك :الْمذهب الأول : أن (غير ) لا تتعــرف مطلقـاً ، قـال ابن السراج في كتابه الأصول فـي النحو: (( واعـلم أن مـــن الأسْماء مضافـات إلى مــعـارف ، ولكنها لا تتعـرف بها لأنهـا لا تَخـص شيئا بعينه ، فمن ذلك : ( مثلك ، وشبهك ، وغيرك ) تقول : ( مررت برجلٍ مثلِك ، وبرجلٍ شبهِك ، وبرجلٍ غيرِك ) ، فلو لَم يكنَّ نكـرات مـا وصف بهن نكرة ، وإنَّما نكَّرهنَّ معـانيهن ، ألا ترى أنّك إذا قـلت : ( مثلك ) جـاز أن يكـون مثلك فـي طولك ، أو لونك ، أو فـي علمك ، ولن يُحاط بالأشياء التي يكون بها الشيء مثل الشيء ؛ لكثرتها ، وكذلك ( شبهك ) ، وأما ( غـــيرك ) فصار نكــــرة ؛ لأنَّ كل شيء مثل الشيء عداك فهـو ( غيرك ) . )) ([1]).ومِـن أدلة بقاء (غير ) على التنكير وإن أُضيفت إلى الْمعارف كثرة وجـوه الْـمغايرة ، ودخـول ( رُبّ ) عليها ، ومَجيئها نعــــتاً لنكراتٍ ، ففـي قول الله تبارك وتعالى : { قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } [الشعراء :] أضيفت (غير ) إلى الضمير مع وقوعها نعتاً لكلمة (إِلَهاً) النكرة . ويعضد هذا قول سيبويه في الكتاب : (( و( غير ) … ليس باسم متمكن ، ألا ترى أنـّها لا تكـــون إلا نكـــرةً ولا تْجـمع ولا تدخلها الألف واللام . ))([2]) .الْمذهب الثاني : أنّ (غير ) تتعرف إذا وقعت بـين ضدين ، وهـذا الْمذهب قـال به جـمــع من علماء النحو والتفسير والقراءات واللغة والحديث ([3]).ومن أمثلة ذلك وقوع كـلــمة ( غير ) بين الْمُنعَم عليهم ، والْمغضوب عليهم فتعينت الْمغــايرة فـي قــول الله سبحانه وتعــالى :{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }[الفاتحة :7]فـ(غَيرِ) في الآية لَمَّا وقعت بين ضدين تعينت أوجــــــه الْمغايرة فصح وقوعها نَعْتاً لكلمة ( الذين ) الْمعرفة .المقدمة الثانية : الخلاف فـي جواز قطع (غير ) عن الإضافةلا شك أنّ التزام العلماء بذكر كلمة (غير ) في باب الإضافة دليل على لزومها للإضافة ، ولا خلاف بينهم في ذلك ، وأسلوب القرآن الكريم والعرب يُعضِّـدُ ذلك ، ولكن الخـلاف بينهم فـي جـواز قطعها عـن الإضافة لفظاً ومعنىً ، ولَهم فـي ذلك مذهبان : الْمذهب الأول : أن كلمة (غير ) ملازمة للإضافـة مطلقاً ، وهـو مذهب جـمهور العلمـاء ؛ لأنّ الإضافـة هـي الأصل ، ومـا خالفـها يعد عـارضاً ، قال مكي في مشكل إعراب القرآن : (( ( غير ) اسم مبهم إلا أنه أُعْرِبَ للزومه الإضافة . )) ([4]) ، وهذا الْحكم ثابت لبقية أخواتها ؛ لعدمِ مَجيئها في نصٍ صحيح مُحتجٍ به غير مضافة بهذا المعنى ، سواء كانت الإضافة لفظية أو معنوية ، بدليل قول ابن يعيش في شرح المفصل في حديثه عن الأسْماء المتوغلة في الإبهام : (( فهذه الأسْماء كلها تلزم الإضافة ولا تفارقها ، وإذا أفـردت كان مـعناها على الإضـافـة ؛ ولذلك لا يَحسن دخـول الألف واللام عليها فلا يقـال : ( الْمثل ، ولا الشبه … ) ؛ لأنَّ ذلك كالْـجمع بين الألف واللام ومعنى الإضافة مـن جهـة تضمنها مـعنى الإضافـة فيها كالْـملفوظ بها ، وذلك مـن قِبل أنَّ ( مثلا ) يقتضي مُمَـاثِلاً وشبهاً يقتضي مشبهـا به ، وكذلك سائرهمـا من نـحو : ( قيد ) …)) ([5])، وإلى هذا أشار ابن مالك فقال : قَبلُ كَغَيرُ بَعدُ حَسبُ أوَّلُ وَدُونُ والجِهَاتُ أيضاً وَعَلُ ([6])فابن مالك قاس ( غير ، وحسب ) على ( قبل ، وبعد ، والْجهات الست ) التي لا تنفك عن الإضافة معنىً ، كما هو معلوم في باب الإضافة ـ فثبت بذلك عدم صحة قطع ( غير ) وأخواتها عن الإضافة . المذهب الثاني : أن كلمة (غير ) يَجوز قطعها عن الإضافة ، وهذا ما يُفهَمُ من قول الفخر الرازي : (( إذا قلت : ( غير زيد ) صار في غاية الإبهام فإنه يتناول أموراً لا حصر لها ، وأما إذا قطعته عن الإضافة ربما تقول : ( الغير والمغايرة ) من باب واحد ، وكذلك التغير فتجعل الغير كأسْماء الأجناس . )) ([7]).والراجح ـ والله تعالى أعلم ـ أن كلمة (غير ) لا تُقطع عن الإضافة إذا كانت بالْمعنى الذي تقدم تقريره إلا بدليل سَماعي يُخرِجُها عن قياسها ، وهو الإضافة ، وما ورد منها في القرآن الكريم يُؤيد ذلك ، كما يؤيده حصر النحاة هذه النكرات مع ( قبل ، وبعد ) .أمّا قول علماء اللغة : (الغَيْر) فلم يُطَّلَع على دليل مسموع من كلام العرب يُعضّد ذلك إذا كانت هذه الكلمة تدل على معنى الْمغايرة .ـ الْــــخــلاف فـي تَجـــــويــز دخــــول ( أل ) على كلمة ( غير )اختلف العلماء في جواز دخول ( أل ) على كلمة (غير )، بناء على اختلافهم في جواز قطعها عن الإضافة ، فمَن مَنَع قطعها عن الإضافة منع دخول ( أل ) عليها ، ومَنْ أجاز قطعها عن الإضافة لفظاً ومعْنىً أجاز إدخال ( أل ) عليها ، إذا علم هذا بان أن الخلاف بينهم منحصر في مذهبين :الْمذهب الأول : الْمنع ، وهو مذهب جـمع مِـن علماء اللغة ، والنحو ، والتفسير ([8]) ، وهو ما صرّح به سيبويه فقال : (( و( غير ) … ليس باسم متمكن ألا ترى أنها لا تكون إلا نكرة ، ولا تُجمع ولا تدخلها الألف واللام ، وكذلك ( حَسْبك ) . )) ([9]). ولعل منع دخـــــــول ( أل ) على كلمـــة ( غــــير ) ينطبق على شبيهاتها من النكـــــرات الْمتوغلــــة فـي الإبهــــــام ؛ بدليل قــــول سيبويه ـ هنا ـ : ( وكذلك ( حَسْبك ) . ) ، وقول ابن يعيش في كتابه شرح المفصل : (( فهذه الأسْمــــاء كــلها تلزم الإضافـــة ولا تفـــارقهــا ، وإذا أفــردت كــان معناها على الإضافــــــة ؛ ولذلك لا يـحسن دخــول الألــف واللام عليها فلا يقال : ( المثل ، ولا الشبه ) …)) ([])، وقـــول الصبان في حاشيته على شرح الأشموني : (( ينبغي أن هذه الكلـمات كما لا تتعرف بالإضافة إلا فـيما استثنى لا تتعرف بـ( أل ) ـ أيضاً ـ ؛ لأن الـمانعَ من تعريفها بالإضافة مانع من تعريفها بـ( أل ) . )) ([]) .الْمذهب الثاني : جـواز دخـول ( أل ) على ( غير ) ، وقـد صرَّح به الفخـر الـرازي فِـي التفسـير الـــكبير فقـال : (( إذا قلت : ( غير زيد ) صـار في غـاية الإيهام فـإنه يتناول أمـوراً لا حصـر لـها ، وأمـَّا إذا قـــــطـعته عـن الإضـافة ربّما تقـول : ( الغـير ، والْمغايرة ) مـِن باب واحد ، وكذلك التغير فتجعل الغير كأسْماء الأجناس )) ([]). الراجـح ـ والله تعالى أعلم ـ منع دخـول ( أل ) على ( غير ) وشبيهاتها مـن النكرات ؛ لعدة أوجه : الوجه الأول:عـدم مـجيء ذلك فـي نص مسموع صحيح مُحتج به .الوجه الثاني : ملازمة كلمة (غير ) للإضافة لفظاً أو معنىً ـ كما عُلِمَ ـ وهذا يَمنع قــطعــاً دخـول ( أل ) عليها ؛ لأن الإضافــة لا تَجتمع مــع ( أل ) التعريف ، ثم إنه حتى وإن سُلِّـمَ بِجـواز ذلك فذلك مشروط بكـونها مضافـة إضافـة لـفظية لا تستفيد تعريفاً ولا تخصيصاً .قال سيبويه : (( واعلم أنَّه ليس في العربية مضافٌ يَدخل عليه الألفُ واللام غيرُ الْمضاف إلى الْمعرفة فـي هـذا الباب وذلك قولك : ( هذا الحَسَنُ الوجهِ ) أدخلوا الألفَ واللام على ( حسنِ الوجهِ ) ؛ لأنه مضافٌ إلى معـرفة لا يكون بها معـرفةً أبداً فاحتاجَ إلى ذلك حيث مُنعَ ما يكـون في مثله ألبتَّةَ ولا يُجـاوَزُ به معنى التنوين . )) ([]) .الوجـه الثالث : أنّ مـا يستدل به بعضهم عـلى جـواز دخـول ( أل ) عـلى كلمة (غــير ) لا يرتفــع إلى مـرتبة الــدليل الـراجـــح ؛ إما لكـونـه دليلاً لا ينهـض لذلك ، أو لكونه مُختلفاً فيه .ـ أدلة مُجِيزِي دخول ( أل ) على ( غير ) وأخواتها قد يقـول قـــائل : هناك أدلــة يَجـوز الاستدلال بها على جـواز دخـول ( أل ) على كلمة (غير )، وسأتناول هـذه الأدلـة واحـداً تِلْـوَ الآخـر مبيناً ما لَها ، وما عليها .الدليل الأول : جواز نيابة ( أل ) عن الْمضاف إليه وهذا الدليل ليس بِمُسَلَّمٍ على إطلاقه ؛ لثلاثة أسباب : السبب الأول : خلاف العلماء في جواز ذلك .فالعلماء مختلفون في جواز نيابة ( أل ) عن المضاف إليه ، قال الفراء في كتابه معاني القـرآن عقب قـول الله تبارك وتعالى : {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ }[ص :]: (( تُرفَعُ ( الأبواب ) ؛ لأنّ الْمعنى : مفتحة لهم أبوابها ، والــعرب تَجعل الألـف واللام خَلَفــاً من الإضافـــة فيقولـــون : مررت على رجـــلٍ حسنةٍ الــعينُ قبيحٍ الأنفُ ، والْمعنى : حسنةٍ عــينُه قبيحٍ أنفُه ..))([]) ، وقد نقل أبوحيان في البحر المحيط ([]) جوازه عن عامة الكوفيين ، ومنعه عن البصريين ، وقال به من البغـداديين الزمـخشري فـي الكشــاف فإنّه قـال عقب قول الله سبحانه وتعالى : {َإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }[النازعات :]: (( والْمعـنى : فإنَّّ الْــجحيم مـــأواه كما تقول للرجل : ( غض الطَّـرْفَ تريد طـرفك ) . ))(4).وما دامت المسألة خـلافية فلا تصح أن تكـــون نصّاً فـي جــواز نيابة ( أل) عن المضاف إلى ( غير ) وأمثالها مع وجـود الفارق بينها وبين ما مُثِّل به فهذه ملازمة للإضافة ، وتلك غير ملازمة لَها .السبب الثاني : خلاف مُجيزي نيابة ( أل ) عن المضاف إليه في ماهيته .فالكوفيون أجازوا نيابة ( أل ) عن المضاف إليه الواقع ضميراً غائباً فحسب ، ولهذا قال ابن هشام الأنصاري : (( والمعروف من كلامهم إنما هو التمثيل بضمير الغائب )) ([])، بينما أجـاز الـزمَـخشري أن يكون المضـاف إليه اسْمـاً ظـاهراً فقـد قـال عقـب قـوله تبارك وتعـالى : {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }[البقرة :] : (( أي : أسْماء الْمسميات فحذف الْمضاف إليه ؛ لكونه معلوما مدلولاََ عليه بذكـر الأسْماء ؛ لأنّ الاسم لا بد له مِـن مسمى ، وعوض منه اللام )) ([]).إذا عُلم هذا بان عدم صحة القول بجواز دخول ( أل ) على ( غير ) ـ مطلقاً ـ اعتماداً على هذا القول ؛ لاختلاف مُجِيزِي نيابة ( أل ) عن الْمضاف إليه في صحة تلك النيابة .السبب الثالث : خــلاف العلماء في ماهية ( أل ) النائبة عن المضاف إليه اختلف العلماء فــي ماهية ( أل ) النائبة عن الْمضاف إليه على قولــــين ، فــالـــزمـخشري يرى أنها للتعـريف ([])، بينما يرى ملك النحـاة ([]) أنها للمعاقبة جـاء فـي كتاب تهذيب الأسْماء واللغات نقلا عنه : (( قال : وعندي أنه تدخل اللام على ( غير ، وكل ، وبعض ) فيقال : ( فعل الغير ذلك ، والكل خير من البعض ) ، وهذا ؛ لأن الألف واللام هنا ليستا للتعريف ولكنها المعاقبة للإضافة )) ([]).وعلى هذا فخلاف العلماء في ماهية ( أل ) النائبة عن المضاف إليه يُضعِف القول بإفادة ( أل ) التي أُدخِلت على ( غير ) معنى التعريف . السبب الرابع : أنّ كلَّ ما مثل به العلماء في هذه المسالة إنما هو من باب الأسْماء التي لا تلازم الإضافـة ، وعلى هـذا فلا يَجـوز قياس ( غير ) وأمثالها على ما مثّل به العلماء فـي هذه الْمسالة .إذا عُلِم هـذا بان أنَّ الْخلاف الْمتشعب في مسائل نيابة ( أل ) عن المضاف إليه يدل على عـدم قوة القول بِجواز دخول ( أل ) على ( غير) وأمثالها اعتماداً على هذه الْمسألة ، ويشهد لذلك ـ أيضاً ـ عدم الاطلاع عـلى شاهد في كتب الزمخشري التي اطلعت عليها دخلت فيه ( أل ) على ( غـير) مــع تقَـدُّم تَجـويزه لنيابـة ( أل ) عــن الـْمضاف إليه مـطلقاً فــدل ذلك على أنَّ تَجـويزَه عـامٌ فـي الأسْماء التي لَم تُلازم الإضافـة ، أما الأسْماء الْملازمة للإضافة لفظاً أو معنى فيمنعها لــزوم الإضافة من دخول ( أل ) عليها .الدليل الثاني : حـمل ( غير ) على الضد وهـــذا الدليل استدل به النَّوَوِّي فـي كتابه تهذيب الأسْماء واللغات علـــــى جواز دخــول ( أل ) على ( غير) فقال : (( ثم إِنّ الغير يحمل على الضد ، والكل يحمل على الجملة ، والبعض يـحمل على الجزء فصلح دخول الألف واللام ـ أيضا ـ من هذا الوجه ، والله تعالى أعلم . )) ([]).فهـــو ـ هنا ـ أجـــاز دخــول ( أل ) على ( غير) بِحملها على مــرادفها ( الضد ) ، وهـذا ليس بِمُسَلَّمٍ على إطلاقه ؛ لأنَّ ( غير) وإن كانت تدل على معنى من معـــاني ( الضد ) فهي تدل على ضدية خاصة تتمثل فـي معــايرة مِـــن عـــدة أوجـــه للاسم الذي قبلها ، وهــذا ما لا تدل عليه كلمة ( الضد ) ـ والله تعالى أعلم ـ .الدليل الثالث : الاستناد إلى قول العلماءعُلِمَ أنّ بعض العلماء منع دخول ( أل ) على ( غير) ، ولكن بعضهم وإن منع ذلك لَم يلتزم بذلك ، وبعضهم أجاز ذلك إما بفعله ، وإما بقوله اعتماداً على مَجموع الأدلة السابقة ، أو على واحدٍ منها .فالناظر في مصنفات العلماء في مـختلـف فنون العـلــم يَجد أنهم أدخلوا( أل ) على ( غير) ، إلا أنه قليل عند علماء اللغة ، كثير عند غيرهم ، فمثال مَجيئه في معاجم اللغة ما جاء في الصحاح : (( الوَسيلَةُ : ما يتقرَّب به إلى الغير )) ([]) ، ومثال مَجيئه في كتب الفقه ما جـاء فـي مواهب الجليل : (( تعيّن ذلك الغير لأجله )) ([])، ومثال مَجيئه فـي كتب التفسير ما جاء في تفسير ابن كثير : (( كأكل مال الغير للمضطر )) ([])، ومثال مَجيئه فـي كتب أصول الفقه ما جاء في الْمعتمد : (( حكاية عن الغير )) ([]).وما تقدّم إيراده إنّما هو من باب ضرب المثال لا الْحصر ، وإلا فالأمثلة أكثر مِن أن تُحْصَى ، وهنا مسألة مفادها هل يجوز الاستشهاد بكلام العلماء في اللغة أم لا ؟ وللجواب عن ذلك يُقال ظاهر قول السيوطي : (( أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام الْمُولِّدين والْمُحْدِثِين في اللغة والعربية . )) ([]) يُفهم منه الإجْـماع على عدم الاحتجاج بكلام المولدين ، كما يُفهَم منه دخول العلماء في ذلك ؛ لكونهم في عصور الْمولدين ، لكن فـي الكشاف ما يقتضي جـواز الاستشهاد بكلامهم في اللغة ، قـال الزمَـخـشري : (( وجــاء فِي شعـر حَبِيب بن أَوْس ([])... وهـو وإن كــان مُحـدثاً لا يُستشهد بشعره فـي اللغة فهــو من علمــاء الــعربية فاجعل ما يقــولــه بِمنزلة مـــا يرويه ، ألا ترى إلى قول العلماء الدليل عليه بيت الْحماسة فيقتنعون بذلك ؛ لوثوقهم بروايته وإتقانه . )) ([]).قول الزمخشري ـ هذا ـ جعله بعضهم دليلاً على جواز الاستشهاد بكلام العلماء وإن كان مخالفاً لقواعد العربية ، والراجح ـ والله أعلم ـ عدم قوة ذلك ؛ لأنّ فـي قــول الزمـخشري : ( فاجعل ما يقوله ِبمنزلة ما يرويه ) ما يدل على أنَّ ما يقوله العالِم الأصل فيه أن يكون موافقاً لما يرويه من اللغة ، فإذا خالف قولُه روايتَه بطُل الاحتجاج به كما يبطُل الاحتجاج بفعله إن كان مُخالفـــاً لعِلمه ،فالاحتجاج بقول الــعــالم مقبولٌ ما دام موافقاً لما يرويه من اللغة .ولو سُلِّمَ أنّ الزمخشري يرى صحة الاستشهاد بكلام العلماء فإنّ المحققين من العلماء ردوا ذلك ، ومن ذلك قـول البغدادي في خزانة الأدب : (( واعْتُرِضَ عليه بأن قبول الرواية مبني على الضبط والـوثوق ، واعتبار القـول مبني على معرفة أوضاع اللغـة العربية ، والإحاطة بقوانينها ، ومِن الْبَيِّنِ أنَّ إتقان الرواية لا يستلزم إتقان الدراية . )) ([]) .ثُمّ إنّ الزمخشري لو كان مُجِيزاً للاستشهاد بكلام العلماء وإن كان مخالفاً للمنقول عن العرب لشُوهِدَ ذلك فـي كتبه ، وخـاصة فـي هذه الْمسألة فقد سبقه جـمعٌ مِـن العلماء بإدخـال ( أل ) على ( غير) وأشباهها ، لكنه ما تبعهم في ذلك ، وقدتتبعَّت بعض كتبه الْمطبوعـة فـي اللغة ، والنحو ، والتفسير ، ومـا وجَدَت فيها شاهـدٌ يدل على إدخـاله ( أل ) على ( غير) فدلّ ذلك على عـدم جـواز الاستشهاد بقولـه على الاستشهاد بكـلام العلمـاء الْمخالـف لقواعد العربية .كما يشهد لذلك رد الشِّهَـاب الْخَفَـاجِي ([]) لدليل من استدل بفعـل العلماء في إدخال ( أل ) على ( غير) فقـال : (( إذا لم يكن دخول اللام عليه ([]) مرضياً للأدباء ، وهم علماء العربية ، ومنهم علماء اللغة كيف يتأتى استشهاده به ؟ )) ([]). وعـــدّ الْحريريُّ إدخـالَ ( أل ) على ( غير) مِـن أوهام الْخواص ([])، ولا شكّ أنّ مراده بالخواص في كتابه العلماء ؛ لأن مراده تنبيه العلماء إلى بعض الأخطاء اللغوية التي يقعون فيها ، وقـد ألف العلماء كثيراً مـن الكتب التي تصحح أخطاء العلماء الأسلوبية واللغوية منها : كتاب درة الغواص فـي أوهام الخواص ، وكتاب تصحيح التصحيف وتحرير التحريف ، وكتاب غلط الفقهاء ، وكتاب غلط المحدثين ، وغيرها ، ولا شكّ أنّ هذه الكتب لا تعد انتقاصاً مِـن حـقِّ العلماء ، بل هـي من باب بيان الصحيح من الْخطأ ، ثُم إنّ هذه الكتب هي من باب حفظ لغة القـــرآن الكـريم التي وعـد الله بِحفظه ، قـال الله جل وعلا : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر :9] ، ولا ريْبَ أنّ مِـن حفـظ القرآن الـكريم حِفـظَ لغتِه التي نزل بها مِـن كـل لَحْنٍ وتَحريف ، وقـد يسّر الله جل وعلا لذلك جهابذةً قاموا بذلك خير قيام ، ولا يَجوز مسايرة اللهجـات فيما لَحَنَتْ فيه باسم التطور ؛ لأنّ هـذا مِـن الإعانة على إفشاء اللحن فـي لغة القرآن الكريم .يُعلـمُ مِما تقـدّم أن الْأَوْلَى عـدم إدخـالِ ( أل ) على ( غير) وأشباهها ؛ لأنّ أدلة مُجيزي ذلك إمّا مُتوهّمَـة ، أو مرجــوحـة ، أو مُختَلَفٌ فيها ، والسلامـة الالتزام بِمــا ورد عن الــعـــرب فـي ذلك ، وما سُمّيَ هـذا العلم بـ( النحو ) إلا لكون الْمراد منه قصد سَمْتِ العرب في طريقة كلامهم ، ومن ذلك هذه المسألة ، ثُم إنّ في إجازة ذلك تعارضاً للقياس مع السماع ، والقاعدة عند العلماء أنه متى تعارضا قُدَّم السماع على القياس ، قال ابن جني في الخصائص : (( بابٌ في تعارض السماع والقياس إذا تعارضا نطقت بالمسموع على ما جاء عليه ولم تقسه في غيره )) ([])؛ لأنّ المسموع أقوى حجة ؛ لنقله عن أصحاب اللغة ؛ ولكون القياس يرِد فيه الوهم ، والشك ، والاختلاف بين العلماء ، وزد على ذلك كونه في بعض المسائل قياساً مع الفارق ، فأنت ترى أنّ النكرات المتوغلة في الإبهام ملازمة للإضافة لفظاً أو معنىً ، ومِنْ ثَمّ فقياسها على نكــرات غير متوغلة فـي الشيوع ، وليست ملازمـة للإضافـة إنَّما هــو من باب التكــلف ؛ لِمخالفتها لَها معنىً واستعمالاً . ثُمّ إنَّ القاعدة عند العلمـاء أنّ المجمـع عليه أولى من المختلف فيه ، قال السيوطي في الاقتراح في علم أصول النحو: (( إذا تعارض مجمعٌ عليه ومختلَفٌ فيه ، فالْأَوّل أوْلى . )) ([])، وهذا ينطبق على الخلاف ـ هنا ـ ؛ لأنّ من الْمجمع عليه أن الأصل عدم دخول اللام على (غير) وأمثالها ؛ لأنها مِما لزم الإضافة ، وعدم سماع نص مُحتجٍ به عن العرب يخالف ذلك يُؤيدُ ذلك ، بينما دخول ( أل ) عليها مختَلفٌ فيه ، وعلى ما نصت عليه هذه القاعـدة فالأوْلَى تقديم الْمجمَعِ عليه ، وهـو امتناع ( أل ) من دخول هذه النكرات . كما أنّ مـِن قـواعد العلماء أنّ (( مَن تَمَسَّك بالأصل خرج عن عهدة المطالبة بالدليل ، ومَن عَدَلَ عن الأصل افتقر إلى إقامة الدليل ؛ لعدوله عن الأصل ، واستصحاب الْحال أحد الأدلة الْمعتبرة . )) ([])، فـ( غير ) وأمثالها الأصل فيها لزوم الإضافة لفظاً أو معنىً ، ومَن ادعى مفارقتها لِهذا الأصل فليأتِ بدليلٍ عن العرب الْمحتج بكلامهـم ، وإلا وجب عليه التمسك بلزومها للإضافـة ، وامتنع من إدخال ( أل ) عليها .
أداة التعريف ال لا تدخل أبدا علي بعض