عجبا لدنيا تحيَر/وحبيب عمر يهجر/يزعم محبة إلفه /لكن فعاله تكذب/لو كنت أعلم عهده ما كنت يوما أعشقه/ولشط بحري ملازما/لكن حبك قيده/اشرح واستخرج الجمال؟

الأبيات تتحدث عن حالة تحير واستهجان لدى الشاعر فهو يتساءل ويتعجب لهذه الدنيا التي حيرته بما لاقاه من حبيبه. ويقول كيف لهذا المحبوب أن يهجر ؟ كيف له القدرة على النسيان؟ كيف يدعي محبة لمن يحب؟ وتصرفاته وما يقوم به ينفي حبه. ويقول الشاعر لو كنت أعلم أنه سيتصرف هكذا وأنه سيغير ما عهدته عليه لما أحببته وعشقته؟ ولما جعلته ملازما لمرفأ العشق والحب الذي كان مرتبطا بي ولكن ذلك الحب قيده وجعله أسيرا له. إذا ما عدنا إلى الأبيات الشاعر يتناول الكثير من الاستعارات والايحاءات الغير الباشرة. حاول أن يقدم ما يعتريه من حالة نفسية متردية من خلال لوحة جميلة أعطت للابيات جمالية جذبت القاريء إلى تلك الصور. على الرغم اذا من الحالة النفسية المتالمة لدى الشاعر جعلته يطلق بعض الصور الجمالية التي ضمنها للابيات. و لكن من المعروف ان الشاعر عندما يكون في حالة نفسية غير مستقرة لا يلجأ كثيرا إلى الصور. ولكن الشاعر يبدأ البيت الأول بكلمة تحير اذا هنا نكتشف أن الشاعر لم يتأكد من ما يقوله. هو في حالة ارتباك هل المحبوبة فعلا بعيدة عنه وهجرته اما أنها لازالت على ذلك العهد. إذا هو في حالة استهجان واطمئنان بنفس الوقت. فقوله عجبا لدنيا تحير. هنا نجد استعارة مكنية شبه الدنيا بإنسان يحير. وحبيب عمر يهجر. هنا يأتي بالفعل يهجر ليؤكد أن حيرته كانت من هجران الحبيب. يزعم محبة ألفه هنا يختصر كلاما كثيرا ووصفا طويلا باستخدام كلمة ألفه فالشاعر هنا أراد بها الألفة والمحبة التي كانت بينه وبين الحبيب. وفي الوقت نفسه نجد استعارة تصريحية. والمراد هنا الشاعر. ثم يقول. لكن فعاله تكذب. هنا يقطع الكلام الذي كان يجول في رأسه وتردده وكيف قام بالهجر وادعى محبته. ليقول فعاله تكذب هنا الشاعر انطلق إلى اختيار حكم عليه من خلال ما رآه من الحبيب ويقول فعاله تكذب هو يريد أن يؤكد أن تصرفاته جعلته يحكم عليه. ولكن هنا نكتشف العامل النفسي المتعكر لدى الشاعر يتكلم ويسرد ما فعله الحبيب. ثم يقطع ذلك الكلام ويطمن نفسه نعم فعاله تكذب. هنا نتأكد من استخدامه لكلمة تحير. بأنه مرتبك ويطلق أمورا لكنه غير متأكد منها. كما نجد في قوله. فعاله تكذب استعارة مكنية. شبه الفعال بإنسان يكذب. ثم يقول لو كنت أعلم عهده ما كنت يوما اعشقه. فقوله عهده. هنا كناية عن التصرف والهجر والتغير الذي لاقاه من محبوبته. إذا هو يندم على ذلك العهد الذي ضن أنه سيكون مصونا من محبوبته وقام بعشقها وجعل حبها كشط بحر ملازم له. هنا نجد استعارة تصريحية في قوله شط بحري. وفي نفس الوقت نجد تشبيه مخفي أو حقيقة ملازمة فالحب الذي كان ملازما له. كان كشط البحر الملازم للبحر. إذا هنا الشاعر يتفنن في لوحته الشعرية باستخدام تلك الصور التي جعلت من شعره ينبض بالجمال والقوة والمعني البعيد الذي جعل القاريء يغوص في أعماقه. ثم يقول لكن حبك قيده. هنا الشاعر يجد تبريرا لحبه بأنه كان أسير ذلك الحب. مقيدا له. فهنا نجد مجاز عقلي تفاعلي. ذلك الحب ادعى فيه أنه هو السبب الذي جعله مقيدا و أسيرا لتك المحبوبة. 

   يتعجب الشاعر ويدهش لأمر الدنيا ، وأحوال الناس فيها ، فالحبيب المقرب فيها يترك حبيبه ، على الرغم من مزاعمه المتكررة بأنه يحبه ، ويود لقاءه دوما ، لكن ما يفعله من الهجران يدل على كذب قوله ، وعدم صدق عاطفته بالحب والمودة ، فلو أنني كنت أعلم ذلك منه لآثرت السلامة لنفسي وتركت محبته ، وللزمت مكاني على شاطئ المحبة ، لكنني قد تقيدت بأغلال حبه .

   واضح أن الشاعر عاشق ذو نفس ملتاعة ، وروح متألمة من غدر الأحباب أو من هجرانهم له .

الجمال في الأبيات : 

التعبير بالمضارع في قوله ( تحير - تهجر - يزعم ) يدل على التجدد والحدوث ، ويدل على تكرار هذا الفعل وشكوى الشاعر منه .

والتعبير عن الحبيب بالإلف يدل على المودة والتزاور المستمر من هذا الحبيب المدعي التآلف والتحاب ، فهو يزيد بهذه  المودة من لوعة الشاعر وأنينه .

والاستعارة المكنية في قوله ( فعاله تكذب ) صور الفعال بشخص يقلب الحقائق ويطيل الكذب ، ويمكن أن يكون مجازا عقليا إذا أراد أن الكاذب هو الحبيب نفسه ونسب الكذب لفعاله ، بقرينة أن الفعال لاتتكلم حتى تصدق أو تكذب .

وفي التعبير بحرف الشرط ( لو ) ما يدل على ندم هذا الشاعر على محبته ، وشدة تعلق قلبه به . 

وفي قوله ( شط بحري  ) استعارة تصريحية صورت الحب أو العشق ببحر ، والشاعر يتمنى لو لم يقتحم أمواجه ، حتى لا يصاب بالألم الذي يحس به الآن .

وفي قوله ( حبك قيده ) استعارة أخرى تصريحية تصور الحب كأنه إنسان قاس يقيد الشاعر ويسحبه معه في تيار الحب . 

وفي النهاية الأبيات كلها عبارة عن لوحة فنية تعددت فيها الألوان بتعدد عواطف الشاعر من دهشة وندم وألم وحب وشوق .