Inscrivez-vous ou connectez-vous pour rejoindre votre communauté professionnelle.
تقوم الإدارة التقليدية على تقسيم العمل وفق أهداف ومعايير غير واضحة، كما يعتمد التسلسل الهرمي في هذا النوع من المنظمات على العاطفة والسن والمكانة والعلاقات الشخصية والقرابة ونحو ذلك، بينما تهتم الإدارة الحديثة بالكفاءة والإنجاز في العمل. بالطبع، لا يعني هذا أن للعلاقات الاجتماعية والمشاعر الإنسانية أهمية متدنية في مجال الإدارة الحديثة، بل إن العكس هو الصحيح. فالذكاء العاطفي Emotional Intelligence على سبيل المثال يعتمد على كيفية استخدام العواطف والمشاعر الإيجابية والتعامل بنجاح مع الجوانب النفسية لتحقيق أهدف المنظمة، وهو ما ينطبق على جوانب أخرى مشابهة تحظى بعناية المهتمين بدراسة وإدارة المنظمات الحديثة. فالمدير الذي يؤمن بمبادئ الإدارة الحديثة يتخذ قراراته وفق المعطيات والوقائع الموضوعية دون الانسياق وراء المصالح الذاتية والعواطف والعلاقات الشخصية والفئوية. أي أنه يضع نصب عينيه تحقيق أهداف المنظمة التي يعمل بها، وإغفال مصالحه الضيقة من مادية وشخصية واجتماعية ونحو ذلك. والمهم هنا هو أن الإدارة الحديثة تتعامل مع الجوانب النفسية والاجتماعية لخدمة رسالة المنظمة، بينما تهتم الإدارة التقليدية بتلك العوامل اهتماما كبيرا وتتجاهل أهداف المنظمة. كما تخلط الإدارة التقليدية بين بيئة العمل والبيئة الاجتماعية. فسلوك المدير التقليدي داخل بيئة العمل يتشابه كثيرا مع سلوكه داخل المنزل. فالرحمة والعطف وإضاعة الوقت في الأحاديث واحترام كبار السن ونحو ذلك هي قيم شائعة في كثير من البيئات المنزلية. والتحدي الكبير الذي يواجه المدير والموظف هو فصل تلك القيم عن مجال بيئة العمل. وعندما يعجز عن ذلك تظهر المشكلات في المنظمة التي يعمل بها. ومن مظاهر ذلك العجز على سبيل المثال هو أن الاجتماعات التي يفترض أن تكون رسمية تصبح مجالات رحبة للترفيه عن النفس، وتبادل الأخبار والقصص المسلية ونحو ذلك دون أدنى اهتمام بقيمة الوقت والإنجاز، وهو ما يتضح في ظل غياب جدول زمني للاجتماعات أو في تجاهله إن وجد. إن العلاقات التي تربط أفراد المنظمة الحديثة مع بعضهم بعضا هي علاقات رسمية في جوهرها بخلاف العلاقات غير الرسمية التي تربط أفرد الأسرة، والتي تقوم على العطف والرحمة والشهامة والكرم وغيرها من القيم الثقافية، وهو الأمر الذي يصعب على كثير من الموظفين التقليديين استيعابه. كما نشاهد في حياتنا اليومية أن المنتسبين للمنظمة التقليدية يغلب عليهم الاعتقاد بأن الحصول على الأجر و«الارتياح» في بيئة العمل، أي تقديم الحد الأدنى من الجهد والحضور والانصراف دون إطار زمني محدد أهم من الإنجاز وخدمة الآخرين ،سواء كانوا عملاء أم مراجعين. ولزيادة «الراحة» فليس هناك ما يمنع الموظفة مثلا من أن تستعين بخادمتها «لمساعدتها» على تنظيم الملفات وحمل الأوراق أو تقديم الشاي والقهوة في المكتب ،مثلما يحدث فعليا في بعض المنظمات الحكومية «النسوية». أما في عدد من الدوائر الحكومية «الرجالية» التي ليست بأفضل حال من سابقتها فيجد الموظفون الشباب معاناة كبيرة بسبب عملهم مع موظفين أكبر منهم سنا. وهي معاناة تنشأ بسبب تقسيم المشرفين لمهام العمل اليومية بناء على معيار السن مما يعني «الراحة التامة» لكبار السن من الموظفين والإحباط النفسي للموظفين الشباب. أما في مجال الإدارة الحديثة، فتوفير بيئة العمل المناسبة يعد أحد وسائل تحقيق الأهداف الرسمية للمنظمة وليس هدفا في حد ذاته. وما الحديث عن «حل المشكلات» و«إدارة الوقت» و«القيادة» و«التحفيز» و«الاتصال» ونحو ذلك إلا بسبب أن الاهتمام بهذه الموضوعات يدفع بالمنظمة إلى تحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية، أي إلى تحقيق نتائج عملية ملموسة. وقد يصاب المدير التقليدي بالإحباط عندما يدرك أن الأبحاث العلمية لم تثبت حتى الآن وجود علاقة طردية بين الرضاء الوظيفي والإنجاز!!. أخيرا، من المهم الإشارة إلى أن الإدارة التقليدية تمثل أحد أوجه الفساد المتعددة. فالفساد الإداري هو في حقيقة الأمر سيطرة مبادئ وأسس الإدارة التقليدية على منهج الإدارة الحديثة التي أرسى دعائمها العلمية ماكس فيبر قبل أكثر من مائة عام. فحضور الموظف وانصرافه في أي وقت يشاء دون أدنى اهتمام بالإنجاز يعني سرقة المال العام بسبب حصوله على أجر لا يستحقه. كما أن استعانة المديرة بالخادمة المنزلية لأداء أعمال وظيفية فيه استغلال لسلطتها ومخالفة لأنظمة الخدمة المدنية. ناهيك عن أن أنقى صور الفساد هي عمل الموظف جاهدا لخدمة مصالحه الشخصية والفئوية، متجاهلا أخلاقيات المهنة واللوائح النظامية وأهداف المنظمة التي يعمل بها.